|
العنصر الثالث : سرعة الزمن .
وسرعة الزمن كثيرا ما نتحدث عنها ، فنقول كثيرا ما أسرع الزمن وما أقصر الوقت ،
وهذا القول له أصل في الحقيقة ، فالزمن سيفٌ بتّار ، وهو لا ينتظر الغافلين
المعرضين حتى يستيقظوا ، بل إن كلَ نفَس يتنفسه الإنسان هو من عمُره ، وهو
جوهرةٌ ثمينة ، وكلُ يوم تغيب شمسه لا يعود إلى الدنيا مرة أخرى ، كسِب فيه من
كسب وخسر فيه من خسر ، وسيكونُ هذا اليومُ الغائب شاهدا للإنسان أو شاهدا عليه
، يُروى عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال " ما من يومٍ ينْشقُّ يومه
إلا وينادي ، يا ابن آدم : أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني
إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة " وكلما كان الإنسانُ أيها الإخوة والأخوات
سليما معافا كان الوقتُ في نظره أقصر ، وعلى كلِ حال فالزمن ماضٍ ، وكما قال
الأول :
مرّت سنينٌ بالوِصالِ وبالْهَنـا *** فكأنها من
قُصْرها أيــــام
ثم انْثنت أيامُ هجرٍ بعدهـــا *** فكأنها من طولها أعــــوام
ثـم انقضت تلكَ السُنونُ وأهلها *** فكأنها وكأنهم أحــــــلام
وما من شك أن الذين يُدركون اغتنام الزمن هم
الذين يوفقهم الله تعالى لاغتنام ساعات العمر بما يفيد ، وإذا غاب شمس ذلك
اليوم ولم يستفد منه تندم عله وتحسر ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت
على شيء ندمي على يومٍ غرُبت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزِد فيه عملي " ويُروى عن
حكيم قولَه " من أمضى من عمره يوما في غيرِ حقٍّ قضاه أو فرض أداه أو حمد حصلّه
أو خيرٍ أسسه أو علم اقتبسه فقد عقّ يومه وظلم نفسه "
العنصر الرابع : أن الوقت إذا لم يُقضَ
بالخير قُضي بضده .
وهذه مسألة لا يتنازع فيها اثنان ، فالنفس إن لم تُشغلها بالخير شغلتك بالشر ،
ومن الملاَحَظ أن الذين لا يستفيدون من أوقاتهم إنما يُهدرونها فيما يضرهم ولا
ينفعهم ، والإنسان بطبعه لا يُمكن أن يقْعُد ويستكينَ عن الحركة ، لكن إن وجّه
تلك الحركة فيما ينفع ويعود عليه بالفائدة عادت عليه وعلى أمته بالخير ، وإلا
أصبح مرْتعا للشياطين يقلبونه كيف شاؤا ، ولذلك قال العلامة المَنَاويِّ رحمه
الله تعالى " إن الإنسان إذا تعطَّل عن عمل يُشغلُ باطنه في مباح يستعين به على
دينه ، كان ظاهره فارغا ، ولم يبق قلبُه فارغا ، بل يعشعش الشيطان ويبيض ويفرخ
، فيتوالدُ فيه نفسُه توالُدا أسرع من توالُدِ كلِ حيوان ، ومن ثَمّ قيل :
الفراغُ للرجل غفلة وللنساء غُلْمة " [ إشارة إلى هيجان شهوة النكاح ] وهناك
قضية لا بد للمسلم أن يعيها وهي : أن تفريط الإنسان في وقته قد لا تعود مغِبتُه
على المضيِّعِ وحده ، بل ربما شمل غيره بذلك ، وهذا حاصل مع الأسف الشديد ، فكم
هم العاطلون عن أوقاتهم يضيعون الأوقات على أنفسهم وعلى غيرهم .