ـ العنصر الثاني من المنطلقات الأساسية لحفظ الوقت : قِصَر أعمار هذه الأمة
بالنسبة للأممِ قبلها .
فالأمم التي قبلنا قد أمدّ الله في أعمارها ، حتى ليتجاوزُ عمرُ الإنسانِ منهم
الألفَ سنة أقل من ذلك أو أكثر ، وهذا نوح عليه السلام مكث في دعوته تسعمائةٍ
وخمسين عاما " فلبث فيهم ألف عام إلا خمسين سنة " وعليه فإذا كانت أعمار الأمم
قبلنا طويلة جد طويلة ، فأعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالنسبة للأمم
السابقة قصيرة جد قصيرة ، يقول المعصوم صلى الله عليه وسلم " أعمار أمتي ما بين
الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك " فإذا قارنّا بين هذا العمر القصير
وبين هذه الأعمار المديدة التي مدّ الله تعالى في عمر من قبلنا ، أدركنا أهميةَ
الوقت بالنسبة لنا ، وأدركنا الحاجة الماسة إلى استغلال كلِ نفسٍ من أنفاسنا ،
وإلى استثمار كلِ لحظة من لحظاتِ أوقاتنا ، هذا فضلا عن مراحلِ عمر الإنسان في
حياته ، فإنه يبدأ ضعيفا بالصبوة ثم ينتهي ضعيفا بالشيخوخة ، فهناك أجزاء في
عمر الإنسان في بدايته ونهايته قد لا يكون استثماره لها أو الاستفادة منها على
الوجه المطلوب ، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام ساعات العمر
قبل انصرامها حينما قال : اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحَتك قبل
سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك " [ رواه أحمد ]
ولهذا انتبه سلفنا الصالح إلى أهمية الوقت في حياة الإنسان ، فهذا ابن القيم
رحمه الله يشبّه عمر الإنسان بساعاته وأيامه وشهوره وسنواته فيقول " السنة شجرة
، والشهور فروعها ، الأيام أغصانها ، والساعات أوراقها ، والأنفاس ثمرها ، فمن
كانت أنفاسه في طاعة ، فثمره شجرته طيبة ، والعكس بالعكس "