إن موضوع المرأة بشكل عام هو موضوع من الأهمية بمكان ، ذلكم لكثرةِ السهامِ
المسمومة الموجهة إليها والحديثُ عن الوقت بالذات هو حديثٌ يبدأ ولا ينتهي ،
وحديث تضيق فيه مثل هذه اللقاءات ، ولكن حسبي أن أتحدثَ بما يُسعف به الوقت ،
أما عناصر هذا اللقاء المبارك فهي ستة نقاط أضعها بين أيديكم أحسِبها مهمةً في
هذا المجال :
أما أولها فهي : منطلقاتٌ أساسية للحديث عن الوقت بشكل عام .
الثانية : أحاديثُ عن أهمية الوقت .
الثالثة : نماذج لحفظ الوقت من قِبَل العلماء السالفين .
الرابعة : العوائق والصوارف التي تشكل حائلا ومانعا دون استثمار المرأةِ لوقتها
.
الخامسة : الأمور التي تعين المرأةَ على الاستفادة من وقتها .
السادسة والأخيرة : بعض الأمور التي يمكن للمرأة المسلمة أن تقضي وقتها فيه.
واللهَ أسأل أن يعيننا وإياكم على حفظ الوقت ، وأن يجعلنا مما يستمعون القول
فيتبعون أحسنه .. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
النقطة الأولى : منطلقاتٌ أساسية للحديث
عن الوقت .
إن من يريد التحدث عن الوقت ، لا بد أن يضع له أساساتٌ ومنطلقات يؤكدُ فيها
دوافعَه عن الحديث عن أهمية الوقت ، وإن مما حادى بي أن أتكلم عن هذا الأمر
عناصر من أهمها :
ـ العنصر الأول : الهدف من وجودنا .
فلو ألقينا التساؤل على أنفسنا : ما الهدف من وجودنا ؟ لكانت إجابتنا جميعا
القيام بعبادة الله تعالى وحده امتثالا لقول الحق جلا وعلا " وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون " فإذا كانت عبادة الله تعالى هي الغايةُ وهي الهدف من
وجودنا ، فيا تُرى ما هي عَلاقة العبادة بالوقت ؟ ولعلي أشير إلى مفهوم العبادة
الصحيح حتى يتبين لنا إمكانيةُ الربطِ بين مفهومُ العبادةِ الصحيح وبين استغلال
الوقت بما ينفع ، فالعبادة كما يعرفها العلماء ومنهم شيخ الإسلام بن تيمية رحمه
الله تعالى أنها " اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال
الظاهرة والباطنة " وإذا عرفنا هذا ، تبين لنا أنه ليس هناك وقت للعبادة في
حياة الإنسان ووقت آخر لغير العبادة ، ولذلك تجد كثيرا من الناس يخطئون في فهم
هذه الحقيقة ، فيظنون أن وقت العبادة هو أوقات الصلوات الخمس أو هو وقت رمضان
أو حينما يؤدون الحج أو يزاولون أركان الإسلام الأساسية المحددةِ بزمان وربما
بمكان معين ، نعم .. لا شك أن هذه الأشياء هي الأساسية في الدين ، ولكن مفهومَ
العبادةِ أشملُ من هذا ، ومفهوم العبادةُ الصحيح هو أن يتصور الإنسان أنه عبد
لله تعالى في كل وقت ، سواءٌ كان في وقت الصلاة أم في غيرها ، في داخلِ المسجد
أم خارجه ، في حال السراء أم في حال الضراء ، فإذا انطلق المسلم من هذا التصور
أصبح في عبادة الله تعالى ، ويَعتبرُ أيَ عمل قام به مادام مراعيا جانب الله
تعالى مستشعرا مراقبة الله تعالى له فهو في عبادة الله تعالى ، حتى الأمورَ
التي يزاولها في كل يوم وليلة من مأكل ومشرب ومنكح ولهو مباح حتى النوم يُصبح
الذي ينامه هو في حقيقية الأمر عبادة الله تعالى ، ولذلك يقول أعلم الناس
بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنه " إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي
" فحين يفهم المسلمُ العبادة حق الفهم بهذا المعنى يستطيع أن يحافظ على أوقاته
وأن يستثمرها بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة ، لأنه حينما يضيّع وقتا
من أوقاته فإنما يخل حقيقة بمفهوم العبادة الذي ذُكر آنفا ، وأنتِ أيتها المرأة
المسلمة حينما تزاولينَ حفظ ما استودع الله تعالى في بيتك من أمانات من مال
الزوج أو من عرضه أو من تربية أبنائه أو أي عمل من الأعمال ، حينما ترتبط هذه
الأمور منكِ بنية صالحة وهدفٍ نبيل إنما تتحول إلى عبادات تؤجرين عليها ، ولك
أن تسمعي إلى هذا الحوار من امرأة سلفت ، هذه المرأة هي أسماءُ بنتُ يزيدِ بنِ
السكن الأنصارية رضي الله عنها وهي المرأة التي أتت إلى النبي صلى الله عليه
وهو في أصحابه فقالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أنا وافدتُ النساءِ إليك ،
إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء كافة ، فأمنا بك وبإلهك ، وإنا معشر
النساء محصوراتٌ مقصورات ، قواعدُ بيُوتكم ، ومقضى شهواتكم ، وحاملاتُ أولادكم
، وإنكم معشر الرجال فُضلتم علينا في الجُمع والجماعات ، وعيادةِ المرضى وشهودِ
الجنائز والحجِ بعد الحج ، وأفضلُ من ذلك الجهادُ في سبيل الله تعالى .. إلى أن
قالت : وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو مجاهدا ، حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا
لكم أثوابكم ، وربينا لكم أولادكم ، أفلا نشارككم في هذا الأجر ؟ فالتفت النبي
صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كلِّه ثم قال : هل سمعتم بمقالةِ امرأةٍ
قط أحسنُ من مسائلها في أمر دينها من هذه المرأة ؟ فقالوا يا رسول الله : ما
ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثلِ هذا ، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها
فقال : افهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفكِ من النساء أن حُسْنَ تبعُّلِ
المرأةِ لزوجها ، وطلبِها مرضاتَه ، واتبَاعَه موافقته يعدِل ذلك كله ، فانصرفت
وهي تهلل " [ رواه بن حجر في الإصابة والذهبي في سير أعلام النبلاء ] إذا :
والمرأة تزاول هذه الأعمال والتي تتصور بعض النساء وهي تزاولها إنما هي تزاول
أمورا قد لا تُؤجر عليها أو لا فائدة منها وإنما عليها في ذلك التعب والنصب ،
هذا فهم خاطئ وإنما الحق أنها تؤجر على كل صغيرة وكبيرة لكن بشرط أن تستشعر
مراقبة الله تعالى وإخلاصها في أي كل عمل تقوم به .