|
الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده ، نبينا محمد ، وعلى آله
وصحبه.
أما بعد :
فقد اطلعت كما اطلع غيري على مقال الكاتبة ( ناهد باشطح ) في هذه الجريدة (
جريدة الرياض عدد الأربعاء 3 ربيع الآخر 1426هـ - 11 مايو 2005م - العدد 13470
) .
بعنوان ( المعلم حين لا يعلم ) .
وقد استنكرت الكاتبة على المعلمين والمعلمات ما
أسمته تدخلهم في ( خصوصيات سلوكيات طلابهم في المنزل ) واتهمتهم بأنهم يعدون
أنفسهم ( المرجع الديني للطلبة الصغار ) ووصفت وجودهم في المدارس بقولها : (
النموذج الأخطبوطي )!! .
كما أن الكاتبة تعتبر عدداً من القضايا الدينية التي يربي المعلمون والمعلمات
الطلاب والطالبات على فهمها ( صورة سطحية لسلوكيات المسلم الحياتية ) على حد
تعبيرها ، واعتبرت ذلك من المعلم والمعلمة أنها ( تهدم عقول الصغار وتفصلهم عن
بيئتهم ) متناسيةً أن غرس القيم والتعريف بالأحكام الشرعية المناسبة للصغار
منهج نبوي ، يُطالب المعلمون والمعلمات باقتفائه ، كما تدل عليه سيرته عليه
الصلاة والسلام ، ومنها ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذ
الحسنُ بن علي رضي الله عنهما تمرةً من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : " كخ كخ ، ليطرحها " ثم قال : " أما شعرت أنا لا
نأكل الصدقة " .
وتوجهت الكاتبة إلى مقام وزارة التربية والتعليم مطالبة لها بالتدخل باعتبار
ذلك إرهاباً فكرياً ... فـ ( تحريم الغناء إرهاب فكري ) و ( تحريم التبرج إرهاب
فكري ) هكذا هو الحال بحسب مفردات الكاتبة المذكورة . متناسية أن اتجاه غرس
القيم الشرعية المتفق عليها بين أهل الإسلام ـ كالحث على الحشمة ومنع التبرج
الذي مثلت به الكاتبة ـ يعتبر من أولويات أي معلم أو معلمة ، مهما كانت ملتهما
، وقد جاء في المادة 28 من وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية :
" غاية التعليم فهم الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً ، وغرس العقيدة الإسلامية
ونشرها ، وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية وبالمثل العليا ، وإكسابه
المعارف والمهارات المختلفة ، وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة ، وتطوير
المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ، وتهيئة الفرد ليكون عضواً نافعاً في
بناء مجتمعه " .
فالكاتبة باشطح ، لا تتحدث عن أسلوب عرض المعلومات ، وما ينبغي فيها من مراعاة
التدرج والحكمة وغير ذلك من الأساليب التربوية ، إذاً لسلمنا لها بذلك ، كما
نسلم بما أوردته هي من أهمية دور الأسرة في هذه المرحلة العمرية ، وأهمية ألا
يفقد الطفل ثقته بأمه وأبيه كقدوة ، وأهمية أن نسرد لهم شيئاً من تعاملات سيد
الخلق عليه الصلاة والسلام وتسامحه وحبه للخير... وأن نبدأ معه بالترغيب لدفعه
إلى انتهاج السلوك الحسن والتعود عليه ، هذا كله محل اتفاق وتسليم .
ولكن الكاتبة ومن خلال الأمثلة التي أوردتها في مقالها تطالب المعلمين
والمعلمات أن يبعدوا عن الحديث عن الأحكام الشرعية وفصلها عن منهجية التعليم .
وبهذا فإن الكاتبة تطالب بأن تفصل جوانب من الدين عن التعليم ، عن الحياة ،
ولستُ بحاجة لأن أبين ماذا تعني هذه المطالبة ، فهذه مسألة معلوم حكمها لدى
المسلمات والمسلمات ، وإني لأعيذ نفسي والأخت الكاتبة بالله أن نكون قاصدين
لذلك .
لكن دعونا نسلم للكاتبة ـ من باب حسن الظن بها ـ أنها تطالب المعلمين والمعلمات
أن لا يجتهدوا في فهم النصوص الشرعية من ذوات أنفسهم ، وأنها تطالبهم بأن
يكونوا على منهجية الجهة المخولة رسمياً بالفتيا وتقرير الحكم الشرعي في
مسائلنا الحياتية ، وهي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، المنبثقة عن
هيئة كبار العلماء .
ستكون المشكلة حينئذ أكبر بكثير !!
هل يعلم القراء الكرام لماذا ؟!
لأن اللجنة الدائمة للإفتاء ـ بوصف الكاتبة نفسها ، ومن خلال بعض فتاويها ـ
تمارس الإرهاب الاجتماعي ، وتصنع الإرهاب ، على حد زعم الكاتبة ناهد باشطح . (
وهذا موثقٌ في جريدة الرياض عدد يوم الخميس 25 رمضان 1424هـ تحت عنوان (
الإرهاب الاجتماعي .. طاش ما طاش أنموذجاً ، البيئة التي تصادر الرأي الآخر
تصنع الإرهاب ) وتضمن مقالها ذلك الاستشهاد بـ ( منتدى طوى ) في إقصاء الدين عن
أن يكون حاكماً على المسالك الحياتية التي يهواها الناس ، وأن الفن ليس من
أبواب الفقه الشرعي .
إنها مقولةُ خطيرة أساءت للمعلمين والمعلمات ، كما أساءت من قبل لعلمائنا
الأفاضل ، ونطالب الكاتبة بالتراجع عنها ، والاعتذار للجنة الإفتاء وعلمائها ،
وللمعلمين والمعلمات ، وهذا هو الظن بالكاتبة ، فهي امرأةٌ مسلمةٌ تؤمن بالله
تعالى ، وبكتابه العزيز ، وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبكمال الشرع وضرورة
تحكيمه في الحياة .
وما كنت أود أن تكون هذه الأسطر علانية ، إذ المقصود هو النصح والتصحيح ، ولكن
لما كانت كتابتها علانية ، فلم يكن بد من أن يكون التصحيح علانية ، كما قرره
أئمة علمائنا ، رعايةً للثوابت وانتصاراً لعلمائنا الأجلاء ، وللسائرين على
دربهم من المعلمين والمعلمات .
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقني وأختي الكاتبة لما فيه رضاه ، وأن يوفق
المعلمين والمعلمات لأداء رسالتهم على الوجه الأكمل ، نافعين لهذا الوطن العزيز
ولأبنائه وبناته .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
حرر في 4/4/1426هـ
khalidshaya@hotmail.com