|
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن تخصص الصيدلة الذي يُعنى بتصنيع الأدوية ومعرفة خصائصها العلاجية
وتداخلاتها الكيميائية ، وما يتصل بهذه القضايا من التخصصات الدقيقة والمهمة ،
قد عُني بها الإنسان منذ وجد على وجه هذه البسيطة .
وإن من يعلم ما لدى جنس النساء من البراعة في
الأمور الدقيقة يدرك أن تخصص الصيدلة مجالٌ رحبٌ لإبراز براعة المرأة ودقة
نظرها وإفادتها لمجتمعها ، ولأجل هذا فقد حفظ التاريخ أسماء نساء رائدات في
المجالات الدوائية ، ولم يملك الناس إلا الشهادة لهن بذلك .
وفي زمننا المعاصر اتجه النساء إلى كليات الصيدلة
دارسات وباحثات فأبلين بلاءً حسناً .
وبالنظر إلى كون ( الصيدلي ) من الرجال أو ( الصيدلية ) من النساء ، كل منهما
صاحب مهنة يحتاجهما الناس ، فقد وجدت الوظائف لهما وباحتياج متواكب .
وقد برز تساؤل شرعيٌّ حول مدى مناسبة هذا التخصص
للمرأة دراسةً ابتداءً ، ثم وظيفة ثانياً.
والعالم بحدود ما أنزل الله على رسوله
صلى الله عليه وسلم يدرك ما يلي :
1ـ في
مجال الدراسة : ليس ثمة ما يمنع المرأة من التخصص في مجال الصيدلة ، بل هو
محبذٌ ومطلوب ، ولا يطلب من المرأة في هذا الإطار غير ما يطلب من بنات جنسها
ومن الرجال أيضاً ، وهو توقي الأمور الممنوعة شرعاً ، من مثل الاختلاط والخلوة
المحرمة ، وليس هذا خاصاً بمجال الصيدلة ، بل هو في عامة الأمور .
2ـ في
مجال عمل المرأة بعد تخرجها في مهنة الصيدلة : وهذا في مجالين أيضاً :
أ/ داخل صيدليات المستشفيات :
وهذا لا حرج فيه ، بل إن الحاجة ملحة به ، بحيث تعمل بين بنات جنسها ، فلا
تختلط بالرجال الأجانب عنها في مكان عملها ، أي داخل الصيدلية ، ولا تخلو بأحد
منهم .
وأما صرفها للدواء فالمتعين أن تكون متخصصة في قسم خاص بالنساء ، بحيث تتعامل
بين بنات جنسها ، ولا تتجه لصرف الدواء للرجال إلا في حدود ضيقة ، تفرضها ظروف
العمل في إطار مؤقت .
ب/ عملها في الصيدليات التجارية في
الأماكن العامة :
وهذا المجال من العمل للمرأة ، بحيث تنشئ صيدلية خاصة بها ، أو تعمل بائعة
للأدوية في صيدلية عامة ، على نوعين :
1/
فمنه الممنوع والمحرم شرعاً : وهو عملها في صيدلية عامة تصرف وتبيع فيها الدواء
لعموم الناس رجالاً ونساءً ، وإنما قلنا بمنع هذا النوع بالنظر إلى أنه سيحوجها
إلى الاختلاء بالرجال تارة ، وإلى الاختلاط بهم تارات أخرى ، وسنينشأ جراءه
ذرائع موصلة إلى الإخلال بحقوق المرأة ومسئولياتها وكرامتها ، إضافة إلى سلبيات
أخرى ليس هذا محل تفصيلها .
2/
ومنه ما لا نستطيع تحريمه ، بل هو محلٌّ للنظر والتأمل ، وقد يكون مطلوباً
ومهماً ، وهو أن تتولى المرأة بيع الدواء وصرفه في صيدلية نسائية خاصة ، يقتصر
دخولها على النساء ، ويمنع دخول الرجال ، ومما يحمل على تحبيذ هذا المجال أن
ثمة من العقاقير الطبية والمستحضرات التجميلية والمنتجات النسائية الخاصة مما
يحتاجه النساء ما لا يصلح مع الحياء أن تطلبه من صيدلي رجل . خصوصاً أن طائفة
من النساء هنَّ اللاتي يشترين حاجاتهن تلك بأنفسهن ، بالنظر لعدم تفرغ أزواجهن
، أو عدم معرفة الأزواج بتلك الأشياء ، أو بالنظر لاستحياء غير المتزوجات أن
يطلبن تلك الأشياء من محارمهن ، أو لغير ذلك من الأسباب .
فمثلاً : شراء المرأة للحفائظ النسائية أقرب للحياء أن تبتاعها من امرأة لا من
رجل .
وكذلك شراؤها لحبوب منع الحمل أو لما يسمى ( اللولب ) ومعرفتها لكيفية
الاستعمال والمناقشة في سلبيات ذلك الأقرب للحياء أن يكون مع امرأة مثلها .
وهكذا شراؤها لبعض العقاقير الطبية والدوائية الخاصة بموضع العورة من النساء
الأقرب للحياء أن يكون ذلك من امرأة مثلها .
وهكذا أيضاً أدوات ومستحضرات التجميل التي تعج بها الصيدليات الأقرب للحياء أن
يكون ذلك في محيط نسائي .
وأمثلة أخرى عديدة .
لكن نجاح هذا الاتجاه ، وهو تخصيص صيدليات نسائية
، يديرها ويبيع ويشتري فيها النساء فقط ، متوقف على مدى جدية الإجراءات
الإدارية من الجهات المعنية كوزارة الصحة والبلديات والجهات الرقابية الأخرى في
أن تلاحظ الضوابط الشرعية ، وكذلك ملاحظة الضوابط الفنية التي تضبط العمل
ومكانه وتجعله متلائماً مع حيازته لعقاقير طبية ، وأن تلاحظ أيضاً فترات العمل
، حيث لا تصلح أن تكون مماثلة للصيدليات العامة ، حيث لا يتطلب ذلك استمرار
العمل طيلة ساعات الليل والنهار .
وبإمكان تلك الجهات الرقابية التي تتابع معايير السلامة وغيرها أن تطلب من صاحب
الصيدلية الحضور في وقت محدد لإجراء المتابعة ، أو أن تطلب من المرأة مالكة
الصيدلية أن تقترح أحد محارمها ليحضر مع المراقبين ، وذلك لتجنب الخلوة
والاختلاط مع موظفي الرقابة .
وما لم يتم الوفاء بالضوابط الشرعية والفنية فسيكون الاتجاه المشار إليه إضافة
لمزيد من الأعباء والأخطاء .
وبعد : فإن ما تقدم ليس على سبيل الفتوى مني ،
وإنما هو مناقشة للسلبيات والإيجابيات ، ولذا فإن مثل هذه الخطوة تتطلب فتوى
شرعية من مرجعها وهي دار الإفتاء حتى تكون صائبةً مقبولة .
والله الموفق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
27/8/1426هـ
khalidshaya@hotmail.com