الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ، أما بعد :
فمما لوحظ في المجتمعات الإنسانية : أن تعاملها مع المكتشفات والمخترعات
الحديثة ومع التقنيات المتطورة يحكمها ما لديها من الثقافة والبديهة
الذهنية ، التي تتمكن من خلالهما من الاستثمار الأمثل لتلك التقنيات
الحديثة والمتطورة ، مع السعي لتجنب كل ما قد تحمله من سلبيات .
وقد كان مجال الاتصالات واحداً من ميادين السباق التقني في المجتمعات كافة
.
وكان من مظاهر هذه الثورة : ما شهده عالم الاتصالات الهاتفية المحمولة من
تطورات عديدة ، وكان من أواخر ذلك تزويد الهواتف المحمولة بتقنيات التصوير
، والذي شهد أنواعاً من الاستعمالات السيئة من قبل من أناس لم يستطيعوا
التعامل الأمثل مع هذه التقنية . فالتحق ذلك بما كان من الأخطاء في التصوير
الفوتوغرافي والفيديو تيب وعبر الكاميرات الرقمية .
والملاحظ في مجتمعنا : أنه في غالب الأحوال كان استعمال الكاميرات المدمجة
في أجهزة الجوال ، وكذلك الكاميرات الرقمية مشوباً بتعاملات سيئة ، تمثَّلت
على وجه الخصوص في تصوير النساء ، وبَثِّ صورهن بين أجهزة الجوال المحمولة
، أو بثها عبر شبكة الإنترنت ، وربما اتجه البعض لوضع أسماء مستعارة لصور
النساء تلك ، أو افتراء أسماء نساء معروفات ، وفي بعض الأحوال تتم دبلجة
الصور بتركيبها على أجساد عارية ، إلى غير ذلك من التعاملات المسفة ، والتي
تقلق النفوس وتكدر الخواطر ، وقد رأيت أن من الواجب على طلبة العلم أن
يبينوا خطورة هذه التعاملات وسوء عاقبتها ، فحررت هذه الأسطر رعايةً لحرمات
المسلمين ، وانتصاراً لأخواتنا المسلمات .
ولستُ أفشِي سراً أو أذيع مخبوءاً حين أقول : إن ثمة عدداً من الوقائع من
هذا القبيل ، فاحت رائحتُها ، حتى ضَجِر منها الأسوياء وأعلنوا النكير
الكبير لها ، وإن كانت هذه الوقائع لدى طائفة قليلة مادة ثرَّة ، أشبعوا
بها فضولهم واتَّسقت مع هامشيتهم .
وعند تحليل هذه التصرفات ودوافعها النفسية
والاجتماعية ، وما ينطبق عليها من الحكم الشرعي ، فسنلاحظ ما يلي :
1/ أن هؤلاء الذين توجهوا لهذا الاستخدام
الخاطئ لكاميرات الجوال والكاميرات الرقمية من الذكور والإناث ، على غرار
ما أشرتُ إليه آنفاً ، لا يخلون من أحد أمور ثلاثة :
الأول : كونهم مبهورين بهذه التقنية مع
افتقادهم لسعة الأفق والمواكبة الإنسانية المتطورة للتقنيات الحديثة ،
ويرتبط هذا بقلة العلم وضعف الفهم ، مما جعلهم يتجهون بأنفسهم إلى هذا
النوع من التعامل الخاطئ فيتخلفون عن مواكبته واستيعاب أغراضه .
الثاني : أن يكونوا محصِّلين للثقافة والفهم
، ولكنهم يفتقدون الأخلاق الإسلامية ، بل وحتى الأخلاقيات الإنسانية ، التي
يفترض فيها الاعتدال والبعد عن وِهَاد الفحشاء وأُتون المنكر ، وثمة ارتباط
وثيق في أغلب الأحوال بين افتقاد هذه الأخلاقيات وبين نوعية الثقافة التي
يحملونها.
الثالث : وهو فرع عن الثاني ، أن يكونوا
أشخاصاً أصابهم العطب في الجوانب الجنسية نتيجة مؤثرات محددة ، سواء أكانت
تلك المؤثرات مما تعرضوا له في مراحل الطفولة ، أو لدى مراهقتهم ، أو لدى
اتصالهم بثقافات منحرفة من خلال السفر ، أو عبر الإنترنت ، أو غيرهما .
ولا أود الخوض في الجوانب النفسية والاجتماعية لتلك الفئة ، ففي ذلك تفصيل
، ولكنَّ مدارها على ما ألْمحت إليه .
2/ الأصل أن أفراد مجتمعنا جميعاً يدركون
حرمة الأعراض ، وما يجب من رعايتها وحفظها ، من خلال ما درسوه في مناهج
التعليم ، ولكن المشكلة التي عانوا منها هي : عدم تطبيقهم لما علموا على
هذه الأحوال ، نتيجة انفصام طارئ بين العلم والعمل ، وقد يكون سببه دافعية
العبث واللهو ، أو لعدم إدراك مخاطر عملهم ، أو لغير ذلك .
3/ مما يجدر تأكيده في هذا المقام أن استعمال
كاميرات الجوال ، وكذلك الكاميرات الرقمية في تصوير النساء وبث صورهن ،
والتصرف فيها على نحو ما مثَّلت له آنفاً ، إنما هو عمل محرم ، ومن أشد
الآثام تحريماً ، لما يترتب عليه من المفاسد والمنكرات ، ومنها :
أولاً : ما فيه من الإخلال بأعراض الآخرين .
ثانياً : لما فيه من إيجاد المشكلات الأسرية
.
ثالثاً : لما فيه من التسبب في إشاعة الفواحش
في المجتمع .
رابعاً : ما يشتمل عليه من أذية المؤمنين
والمؤمنات .
خامساً : سوء عاقبة فاعله في الدنيا والآخرة
.
وكل هذه العواقب مما تظاهرت النصوص على تحريمه
وتبشيعه ، وبيان ذلك فيما يأتي :
أولاً : الإخلال بأعراض الآخرين :
وذلك لأن تصوير النساء ، حال كونهن عالمات بذلك أو على غفلةٍ منهن ،
وهذا أعظم ، فيه هتك حجاب الحشمة والحياء ، الذي أنعم الله به على
المؤمنات، فمن صور النساء، من امرأة أو رجل ، أو بث تلك الصور ، فهو
مُحَادٌّ لربه القائل : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ
جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) ( الأحزاب : 59 ).
فالله جلَّ شأنه يأمر بالستر ويرغب فيه ، ويمنع من هتكه ، لكنَّ هذا
المصوِّرَ للنساء يمانع أمر الله ، بل ويتبع سبيل الشيطان الذي يسعى لكشف
العورات وإظهار السوءات ، كما أخبر الله عنه في كتابه الكريم ، وحذر من
متابعة سبيله ، فقال عزَّ من قائل : ( يا بَنِي آدمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ
الشيطانُ كما أخرج أبويكم من الجنة يَنْزِعُ عنهما لباسَهُما لِيُرِيَهُما
سَوءَاتِهِمَا إنَّه يَرَاكُم وهو وقَبِيلُهُ مِنْ حيثُ لا ترونَهم إنَّا
جَعَلْنَا الشياطينَ أَولياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمنون ) ( الأعراف : 27 )
وقال سبحانه قبل هذا مخبراً عمَّا ناله إبليسُ من الأبوين الكريمين عليهما
السلام : ( فَوَسْوَسَ لَهُما الشيطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عنهما
مِنْ سَوءَاتِهِمَا … ) الآية ( الأعراف: 20 ).
وقد وجد أن البدايات الأولى للفواحش هي إبداء ما أمر الله بستره ، وما
يتعامل به من في قلوبهم مرض من ابتزاز النساء بصورهن ، ومطالبتهن بما فيه
انتهاك أعراضهن ، وهذا حاصل عبر الصور التي يحتالون في الحصول عليها .
وغير خافٍ هنا أن التصوير برمَّته مما أفتى أئمةٌ من العلماء بتحريمه ،
أياً كان نوعه ، لعموم ما جاء من النهي عن التصوير والوعيد فيه ، إلا ما
كان لضرورة ، لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ
أشدَّ الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصوِّرون " . وثبت في صحيح
البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصوِّرين . وحتى الذين أجازوا
ما كان اختزاناً لصور ذوات الأرواح ، كالذي يكون بالتصوير الفوتوغرافي وعبر
الفيديو فإنهم لا يجيزون بحالٍ تصوير النساء ، لما فيه من كشف عوراتهن ،
وما يفضي إليه من الفساد .
ثانياً : لما فيه من إيجاد المشكلات الأسرية :
وذلك أن ذوي المرأة التي تنتشر صورتها لا بد وأن تأخذهم الغيرة
وتحركهم الحمية ، بسبب هذا التصوير ، فإن كانت متزوجة فالغالب أنها تصبح
محل تهمة وشكٍّ لدى زوجها ، وربما أدى إلى طلاقها ، وإن كانت غير متزوجة
فربما أدت تلك الصور بأهل المرأة إلى الاعتداء على موليَّتهم بالضرب وغيره
، وقد يؤدي بها ذلك لأن يعزف عنها الخطاب لسوء سمعتها ، فتتعطل عن الزواج ،
وينشأ عن ذلك غيره من المشكلات . وهذا كله منشأه التساهل بهذا المنكر .
وكثيراً ما يكون تصوير النساء الذي يلتقط في الاحتفالات ومناسبات الأفراح
سبباً في نشوء المشكلات بين الأزواج ، وبين الأسر .
مع أنه ينبغي التنبيه في هذا المقام إلى أن المطلوب هو التحري وعدم العجلة
، فقد تأخذ الغيرة غير المضبطة بصاحبها إلى طريق التهور ، وهذا ما نبه إليه
النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال : " إنَّ من الغيرة ما يحب الله ومنها ما
يبغض الله .. فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في رِيبة ، وأما التي يبغض
الله فالغيرة في غير الرِّيبة " رواه أحمد وغيره من حديث جابر بن عتيك
الأنصاري رضي الله عنه .
ثالثاً : لا ريب أن تصوير النساء بالكاميرات المدمجة
في الجوال وغيرها ، وما يتبع ذلك من تداول صورهن لسبب كبير في إشاعة
الفواحش في المجتمع .
وذلك أن النفوس إذا هتكت حجاب العفة وتجاوزت حدود الأدب ، فإنها
تطمح لما وراء ذلك من سفاسف الأخلاق ، وهذا منشأه استمراء الفواحش
والمنكرات .
والذين يعمدون لتداول تلك الصور ونشرها ، يساعدون في تقويض الفضيلة في
المجتمع واستساغة الرذيلة ، ويتسببون في وقوع الفواحش وإشاعتها ، ولفظاعة
هذا العمل وشناعته ، فقد توعد الله من سعى فيه وتسبب ، فقال سبحانه : (
إنَّ الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في
الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ( النور : 19 ) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : عند تفسير الآية : ( إن الذين
يُحبون أن تشيع الفاحشة ) أي الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة ، فيحبون
أن تشتهر الفاحشة ( في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم ) أي موجعٌ للقلب والبدن
وذلك لغشِّه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشَّرِّ لهم، وجراءته على أعراضهم ،
فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة ، واستحلاء ذلك بالقلب ،
فكيف بما هو أعظم من ذلك ، من إظهاره ونقله ؟! وسواءً كانت الفاحشة صادرة
أو غير صادرة ".
وإن مما يؤسف له أن شبكة الإنترنت قد استغلت في هذا المجال أيما استغلال ،
وصارت موبئاً للتعاملات الساقطة ، إذ لم تقتصر على تداول صور ومناظر الفحش
والعهر من منتحلي الفواحش من الكفار والكافرات ، ولكن يتم بث صور المسلمات
العفيفات الغافلات ، وربما أُدخلت عليها عمليات الدبلجة ، بتركيب الصور على
أجساد عارية ، وهذا من أعظم البغي وأكبر العدوان وأشد البهتان . ولسوف يدرك
الفاعل لذلك شناعة جرمه يوم يجازيه الله على هذا الاعتداء والبغي .
رابعاً : لا ريب أن تلك الأعمال المشار إليها
مشتملةٌ على أذية المؤمنين والمؤمنات :
فإنَّ مَنْ تَمَّ تصويرها بما يُظهر عورتَها ، أو هتك خصوصياتها ،
لا ريب أنه من أشد الأذية لها ، وقد قال الله عزَّ وجال : ( والذين يؤذون
المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ) ،
وهذا عامٌ في كل ما كان من أذية المؤمنين والمؤمنات .
وقد ثبت في جامع الترمذي وغيره عن نافع عن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم المنبر ، فنادى بصوت رفيع ، فقال : " يا معشر من قد أسلم
بلسانه ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبِه ، لا تُؤذُوا المسلمين ، ولا
تُعيِّروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع
الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يَفْضَحْهُ ولو في جوف رحله " .
قال نافع ونظر ابن عمر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة ، فقال : ما أعظمك
وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك .
ولا ريب أنه لا أشد على النفوس الكريمة من أن تؤذى في أعراضها ، فالأذية
حاصلةٌ للمسلمات ، وحاصلةٌ أيضاً لأهليهن ، لما يلحقها في ذلك من مشاعر
الإحباط والامتعاض .
خامساً : سوء عاقبة فاعله في الدنيا والآخرة :
أما وقد تبين فيما تقدم بعض المساوئ والأضرار والمنكرات المترتبة
على تصوير النساء وتداول صورهن ، فلا غرو حينئذ أن تكون العاقبة سيئة
ووخيمة في الدنيا والآخرة لمن تسبب في ذلك .
أما في الدنيا : فإنه لما كان بَغْيَاً وعدواناً ، فإن فاعله مشمولٌ
بالوعيد الوارد في النصوص المتقدمة ، كما في قوله تعالى : ( إنَّ الذين
يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة )
.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من ذنبٍ أحرى أن
يعجِّل الله تبارك وتعالى العقوبة لصاحبه في الدنيا ، مع ما يُدَّخَرُ له
في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم " رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي من
حديث أبي بكرة رضي الله عنه .
ومن جملة ما يكون في الدنيا : أن يحيق به مثلُ ما ألحقه واعتدى به على غيره
، وقد تقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنه من تتبع عورة أخيه
المسلم ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " .
ومن جملة ما يكون في الدنيا أيضاً : أن يُوقِع به وليُّ الأمر عقوبةً تردعه
عن غيِّه ، وإساءته لأعراض المسلمين ، وعن إشاعته للفاحشة ومسبباتها .
وفي هذا يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله عند قول الله تعالى: (
والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً
وإثماً مبيناً ) إنَّ سبَّ آحاد المؤمنين موجبٌ للتعزير.
فهذا في السب الذي يكون شتماً بالكلام ، فكيف بما يكون من انتهاك الأعراض
بعرض الصور وإظهارها ؟! والتي احتاط الشارع الحكيم لها بعقوبة مقدرة ، كما
هو في حد القذف ، ولهذا كان المصور للعفيفات جديراً بعقوبة تكفُّه وتردع
غيره .
وعلى هذا فإن على الجهات الرقابية في الهيئة والشرطة وغيرهما أن تكون
حازمةً في هذا المجال لمنع توسعه ، كما أن أصحاب الفضيلة القضاة يؤمَّل
منهم الحزم في عقوبة من امتهن هذه الأعمال وتعود عليها ، وخاصةً من تكرر
منه ذلك ، بحسب ما يرونه من دلالات نصوص الشرع القويم .
ومن قبل ذلك على الجهة المختصة في وزارة التجارة أن تتخذ إجراءات حاسمة
لضبط تداول هذه الأجهزة بين الناس ، بما يتم معه تحقيق الأمن الأخلاقي
للمجتمع .
وأما في الآخرة : فكما تقدم في قوله تعالى : ( إنَّ الذين يُحبون أن تشيع
الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة ) .
كما أن وضع اسم امرأة من المسلمات بإزاء صورةٍ لها أو لغيرها ، وقد أجري
عليها اللصق لجسدٍ عارٍ ؛ هو رميٌّ لها بالسوء ، واتهامٌ لها بالفحش ، وقد
توعَّد الله من اقترف ذلك وعيداً عظيماً ، فقال سبحانه : ( إنَّ الذين
يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ
عظيم . يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون . يومئذٍ
يوفِّيهم الله دِينَهم الحقَّ ويعلمون أنَّ الله هو الحق المبين ) ( النور
: 23 ـ 25 ) .
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"
اجتنبوا السبع الموبِقَات " قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟ قال : "
الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا،
وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
وتأمل هذا الوصف البليغ للمحصنات المؤمنات ، وهو " الغافلات " أي غافلات عن
الفواحش ، وما قُذِفْنَ به ، ثم يأتي صاحب الإفك أو صاحبته ، ليصنع هذا
الصنيع البغيض ، وخاصةً تلك الصور التي تلتقط للنساء المسلمات وهنَّ غافلات
، لا يشعرنَ أن هنالك من يترصد بهن ، كما يقع من التصوير في الأعراس ، وفي
المدارس والكليات ، وفي الأسواق والمتَنَزهات ، إنها خيانة وحُبٌّ للفحش
ونشره ، يدل على دناءة النفس وسفالتها ، نعوذ بالله من ذلك ، وما كان الله
جلَّ شأنه ليُخلِّي بين أصحاب البُهت والفُحش وبين المسلمات العفيفات ،
فالله لهنَّ بالنصر والاقتصاص ، كما أنه سبحانه لأولئك المعتدين بالمرصاد.
ومما يكون في الآخرة أيضاً : ما دلَّ عليه ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون ما المفلس ؟ " قالوا : المفلس
فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال عليه الصلاة والسلام : " إنَّ المفلس
من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف
هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا،وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من
حسناته ، فإن فَنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم
فطرحت عليه ، ثم طُرح في النار " .
قال الإمام النووي رحمه الله : " فهذه حقيقة المفلس ، وأما من ليس له مال ،
ومن قَلَّ مالُه ، فالناس يسمونه مفلساً ، وليس هو حقيقة المفلس ، لأن هذا
أمرٌ يزول وينقطع بموته ، وربما ينقطع بيَسَارٍ يحصل له بعد ذلك في حياته ،
وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث ، فهو الهالك الهلاك التام ،
والمعدوم الإعدام المقطع ، فتؤخذ حسناته لغرمائه ، فإذا فرغت حسناته أُخذ
من سيئاتهم ، فوُضع عليه ، ثم أُلقي في النار ، فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه
" .
ومن صنع مع مسلمة هذا النوع من الاعتداء ، بأن صوَّرها ، أو أشاع عنها
الفُحش ، فله نصيبه من هذه الخسارة ، فما الظنُّ بما سيكون يوم القيامة ،
حين تخيَّر صاحبةُ الحق وأهلُها في حسناته ؟ هل سيبقون شيئاً ؟!.
وأتوجه ختاماً بحديث إلى الشباب والفتيات …
أما الشباب : وخاصةً الذين باتت منتديات الإنترنت ومواقعه ميداناً
لمهاراتهم وبراعتهم ، والذين يمضون الساعات الطوال في محادثات هامشية ، أو
محرمة ، أو متابعة للمواقع التي نُصبت فخَّاً لاصطيادهم والعبث بعقولهم
وأخلاقهم ، فكم تمنيت من هؤلاء ، وقد أدخلوا أنفسهم في لُجج المواقع
المتنوعة على الإنترنت أن يَعُوا دورهم في هذا المجال ، وأن يكون لهم أثر
في نصرة عقيدتهم التي يحملونها بين جوانحهم . وأن يعلموا أنهم إن لم يكونوا
مؤثِّرين على غيرهم فإنه يوشك أن يعبث بعقولهم وبثقافاتهم ثم يكون التشكيك
في عقيدتهم ، وانهيار حياتهم كلها .
كما أُذكِّر من لاحت بين ناظريه صور المسلمات الغافلات أن يعتبر تلك
المسلمة بنتاً له أو أختاً ، وهي كذلك : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض ) ، وليَسعَ لتغيير ذلك المنكر ما استطاع ، ومحاولة اجتثاث تلك
الصورة وقطع الطريق على من أراد ترويجها .
أما أولئك الذكور والإناث الذين سوَّلت لهم أنفسهم تصوير محارم المسلمين ،
على حين غفلةٍ منهم ، متناسين نظر الله إليهم وإحاطته بهم ، فأذكرهم الوقوف
بين يدي الله ، ( يوم تجد كلُّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من
سوءٍ تودُّ لو أنَّ بينها وبينه أَمَداً بعيداً ويحذركم الله نفسَه والله
رؤوفٌ بالعباد ) ( آل عمران : 30 ) .
وأما الفتيات وعموم النساء : فينبغي لهنَّ الحذر من أن يَكُنَّ متساهلات
بمن أرادت العبث بعرضها من جليساتها، وأن تعلم أن تلك الصور قد تأتي على
مستقبلها ، وعلى علاقاتها بأهلها وبالناس كافة ، فتقلب حياتها جحيماً لا
يطاق .
وخاصةً أولئك الفتيات اللاتي قد يغرر بهن لصوص القلوب وذئاب الأعراض ، حين
يطلب تصويرها بدعوى حبه لها وعزمه على الزواج بها ! فتغتر حينئذ وتسلم
قيادها له ، مع أنه لو لم يبق بين الناس من النساء إلا هي لرفض الاقتران
بها .
وهكذا ما يكون من تساهل بعض النساء بخلع ثيابهن لدى دخول غرف قياس الملابس
بالأسواق ، أو لدى تساهلهن بالذهاب إلى حمامات السباحة وحمامات البخار على
اختلاف مسمياتها وصالات الرياضة ، وكذلك خلعهن ثيابهن في المشاغل النسائية
ولدى تجهيز العرائس ، أو في عيادات التجميل ، ففي كل تلك الأحوال مخالفات
شرعية قد تقود المتساهلة بها إلى حتفها .
وهذا يبين لنا شيئاً من حرص نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته
بأمته ، وبالنساء على وجه الخصوص ، حين نبههنَّ إلى خطورة إلقاء ثيابهن على
وجه مريب ، فقال عليه الصلاة والسلام : " ما مِنْ امرأةٍ تَخْلَعُ ثيابَها
في غير بيتِها إلا هَتَكَتْ ما بينها وبين الله تعالى " رواه أحمد وأبو
داود واللفظ له وغيرهما . وذلك لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها
أجنبي ، حتى لا ينبغي لهنَّ أن يكشفن عورتهن إلا عند أزواجهن ، فإذا كشفت
أعضاءها في تلك المواضع من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى
به .
فحريٌّ بأخواتنا المسلمات أن يلزمنَ الآداب الشرعية ، وما تقتضيه من الحشمة
والحصانة ، وأن يحذرن من أراد المساس بسمعتهن ، مهما كانت المبررات ، وأن
يَكُنَّ متنبهات حاضرات البديهة ، وأن يُحسِنَّ اختيار جليساتهن ، حتى
يَكُنَّ ممن يُؤمَنُ جانبهن على أقل الأحوال .
والله المسئول سبحانه أن يحفظنا جميعاً بحفظه ، وأن يحفظ أعراضنا والمسلمين
، وأن يسبغ علينا عفو وعافيته ، وأن يجيرنا من أسباب سخطه ، وأن يثبتنا على
دينه حتى يتوفانا عليه ، غير ضالين ولا مضلين . إنه سبحانه جواد كريم ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
حرر في 27/5/1425هـ KHALIDSHAYA@HOTMAIL.COM
نشر مختصراً في جريدة الرياض مختصراً يوم الجمعة 29/5/1425هـ