|
الحمد لله وكفى ، وسلاما على عباده الذين اصطفى ، وبعد :
قلقي على مستقبل الأمة صار أعظم من حزني على موت الألباني ، فبعض الأفراد أمة
بأنفسهم ، وبعض الأمم غثاء بكثرتهم ، وكلما ماتت تلك القمم كلما صار وصف الغثاء
ألزم ، وإذا كان من فضل يذكر للشيخ الألباني رحمه الله فهو إمامته في سنة النبي
صلى الله عليه وسلـم .
فما أرض للسنة – في حاضرنا – خصبة الإبقال ، ولا شجرة للحديث – في عصرنا –
وارفة الظلال إلا وللألباني يد في إبقالها وإظلالها ، فهو صاحب الغرس الميمون
في علوم السنة ، وممد روافدها بسقيه الممنون في صحوة الأمة ، فطاب الغرس
المبارك في المكان الخصب ، ونما الزرع الطهور بالماء العذب .
هذه قصيدة من وافر الحزن الذي هو من بحور الأسى أزجيها لكل محب للشيخ الألباني
رحمه الله ، واعترافا بفضله علي وعلى كل طلبة العلم في العالم ، فاللهم ارفع
ذكر الشيخ الألباني في العالمـين ، وارحمه واغفر له يوم لا ينفع مال ولا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم .
الحزنُ أمْضى في الخُطوبِ وأَفْدَحُ *** والصَّمْتُ
أغنى في الرِّثَاءِ وأَفْصَحُ
والنظم أَضْحَى من جليل مُصَابِنا *** نَثْرَاً يَئِنُّ
مُعَانِدَاً يَتَقَـــــرَّحُ [1]
لكنَّ قَلْبِيَ هَالَهُ حُزْنُ الــوَرَى *** وكآبةُ
الأشياءِ تَرْوي تُفْصِـــحُ
قدْ ماتَ مَنْ كانَ الذي يَمْحُو عَنِ الْ *** آثـَارِ
آثـَارَ الكَذُوْبِ ويَفْضَحُ
يا نَاصِرَ الدينِ الذي في أَمْسِنَـــا *** قَدْ كُنْتَ
رُوْحَاً للدعاةِ تُــرَوِّحُ
قد كنتَ أصلا في العلومِ جميعِهـا *** وبدونكمْ مَضَتِ
العُلُوْمُ تَرَنَّــحُ
أمَّا الحديثُ فأنْتَ أَنْتَ بَعَثْتَــهُ *** فَغَدَا بما
صَنَّفْتَهُ يَتَصَـــرَّحُ [2]
والفقهُ رَوْنَقُهُ حلا وتَيَسَّــرَتْ *** أَسْبَابُــهُ
وجهودُكم تَتَمَـدَّحُ
أما علومُ النَّقْدِ نَقْـــدِ حديثِنا *** فالفضــلُ يعرفُه
العليمُ الأرجحُ
مَيَّزْتَ بينَ صحيحِها وضعيفِها *** فبهاؤُها قد صـارَ
أَبْلَجَ يُفْصِح
قد صارَ قَطْفُ ثِمَارِهَا مُسْتَطْيَبَا [3]
*** ذُلُلاً جَنَــــا بُسْتَانِهِ يَتَقَزَّحُ [4]
علمُ الحديثِ غَرْسَتَه فَنَمَا أَلا *** أَنْعِمْ بِهِ
عِلْمَاً يُفِيْدُ ويُفْلِحُ
أنتَ الذي أَحْيَيْتَ في آمالنا *** ذِكْرَى الأوائِلِ في
غَدٍ يَتَكَلَّحُ
وَرَوَيْتَ مِنْ ظَمَأٍ غَلِيْلَ قُلُوبِنَا *** الوَحْيُ
أَرْوَى للنُّفُوْسِ وَأَرْوَحُ
بِجِهَادِكـم عُرِفَ الأُلَى [5] سَادُو الدُّنَا
*** بِجِهَادِكُمْ وجِهَادِهِمْ نَتَسَلَّحُ
أَوَلَمْ يَكُنْ شَأْنُ الحديثِ بِغَابِرٍ *** أخبارَ
عَنْقَا مُغْرِبٍ [6] تَتَأَرْجَحُ
أَوَلَمْ تكنْ كُتْبُ الحديثِ دَفِيْنَةً *** فَنَشَرْتَهَا
والنَّشْرُ عِطْرٌ أَفْيَحُ
وخِصَالُكُم كَعُلُوْمِكُمْ في نَفْعِهَا *** طَاَبَتْ
وطَابَ طَلِيْبُها المُتَرَبِّحُ
قد غَصَّ حَلْقِيَ مَا أَرَى مِنْ مِحْنَةٍ *** تَـــذَرُ
الحَلِيْمَ لِهَوْلِهَا يَتَرَنَّحُ
مَوْتُ التُّقَاةِ ومَوْتُ كُـلِّ مُعَلِّمٍ *** سِمَـةُ
الزَّمَانِ بِعَصْرِنَا فَتَلَمَّحُوا
أَوَمَا رأيتُم كيفَ ماتَ تَوَالِيَاً *** شَيْخُ
الشُّيُوْخِ [7] وحَبْرُنَا المُتَسَبِّحُ
[8]
أَوَمَا وَعِيْتُمْ في المَنِيَّــةِ عِبْرَةً *** أَوَمَـا
يُفِيْقُ جَهُوْلُنَا المُتَمَرِّحُ [9]
كَمْ مُمْرِضٍ عُدْنَاهُ صَارَ مُبَرَّأً *** وَمُبَرَّأٍ في
غَمْضَةٍ لا يَبْرَحُ
آهٍ عَلَى حَالِ الدِّيَانَةِ في الوَرَى *** ذُلٍّ وظُلْمٍ
صَارِخٍ يَتَبَجَّحُ
فِتَنٌ كَقِطْعٍ الليلِ في إِغْوَائِهَا *** مَا ثَمَّ إلا
شَرْعُنَا المُتَصَبِّحُ
يَا قَوْمَنَا قَدْ صَاحَ فيْكُمْ نَاصِرُ الدِّ *** دِيْنِ
الَّذي كَلِمَاتُهُ تَتَفَصَّــحُ
إنْ رُمْتُمُ مَجْدَاً تَلِيْــدَاً خَالـِدَاً ***
فَتَأَسَّدُوا وَتَشَجَّعُوا وتَسَلَّحُوا
وسِلاحُكُمْ في عَصْرِكُمْ إنْ تَبْتَغُوا *** أَمْرَانِ
[10] مَنْ يُعْنَاهُــمَا هُوَ أَفْلَحُ
تَهْذِيْبُ مَنْهَجِ شَرْعِنَــا وَبِنَاؤُهُ *** صَرْحَـاً
مَنِيْفَا صافيا يَتَوَضَّحُ
والثَّانِ تَرْبِيَةُ الشَّبَابِ عَلَى العُلا *** نِعْمَ
الـشبابُ الحُرُّ والمُتَكَدِّحُ
ذَيَّــــاكُمُ مِيْرَاثُهُ فَتَحَمَّلُوا *** ولِوَاؤُهُ
وشِعَارُه فَتَـوَشَّحُوا
كمْ فِتْنَةٍ وبَلِيَّةٍ مَرَّتْ بِنَـــا *** وتَمَالأَتْ
هِمَمُ اللِّئَامِ تُذَبِّــحُ
فإذا الهَصُورُ بِدِرْعِهِ وسِهَامِه *** ومُهَنَّدٍ
مُتَأَهِّبَاً ويُلَـــوِّحُ
فانْدَاحَتِ الظَّلْمَاءُ في أَوْكَارِهَا *** وتَبَدَّدَتْ
بِدَعٌ تَمُوْرُ وتَمْـرَحُ
سَلْ عَالِمَاً سَلْ مُسْلِمَا مُتَنَسِّكَاً *** سَلِ
البِلادَ سَلِ العِبَادَ ألا اسْمَحُوا
واسْتَعْلِنُوا في جأْرَةٍ مُلْتَاعَةٍ *** هَلْ مَاتَ
أَلْبَانِيُّنَا المُتَــبَرِّحُ
سَتُجِيْبُكَ الأَرْجَاءُ في إِسْعَـــادَةٍ *** مَا
مـــَاتَ مَنْ آثارُه تَتَرَوَّحُ
اللهم ارحم الألباني بعدد ما نشر من حروف سنة النبي صلى الله عليه
وسلم ، واغفر للألباني بعدد السنن التي عمل بها كل مسلم ومتسنن ، وارفعه بكل
صحيفة خطها درجة في عليين ، يا أرحم الراحمين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
كتب
الفقير إلى عفو البر الرحيم العلي
المعتز بالله أبو محمد رضا بن أحمد بن يونس الصمدي السلفي
عشية الخميس 28 جمادى الآخرة 1420 هـ
بانكوك – تايلند
--------------------------------
[1] 1 يتقرح أي يتألم .
[2] يتصرح أي يصير صرحا شامخا وبناء عاليا .
[3]
مستطيبا إشارة إلى مشروع حياته رحمه الله : الثمر المستطاب في فقه السنة
والكتاب .
[4] يتقزح أي يتنوع .
[5] الألى :
الذين .
[6] عنقاء مغرب طير كانت تزعم العرب وجوده في غرائب
أساطيرها فغدت حكايته مضرب مثل لكل من أتى بما لا يعرفه الناس
[7]
هو الشيخ العلامة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله .
[8] هو الشيخ الإمام الألباني رحمه الله .
[9] البطر المتكبر .
[10] إشارة إلى الركنان الأصيلان لأي إصلاح دعـوي ، دعا
إليهما رحمه الله ولخصهما في كلمتين هما : التصفية والتربية ، أي تهذيب
الدين وتنقيته مما دخل فيه من الخرافات والبدع والأحاديث المكذوبة
والموضوعة وما انبنى عليها من أعمـال ، وتربية شباب الأمة على الالتزام
بشرع الله تعالى على منهج سلف الأمة الصالح .