|
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأصلي
وأسلم على أشرف الأولين والآخرين ، المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
فقد تظاهر أعداء الدين في هذه الآونة على
بيوت الله ، هدما ، وإغلاقا ، وتوقيفا ، وتعطيلا ، وهم وإن تباينت أهدافهم
الظاهرة ، إلا أن مراميهم الباطنة هي بغض الله والرسول صلى الله عليه وسلم ،
وبغض الدين الذي لو مُكن له في الأرض لزالت سيادتهم ، ودالت دولتهم .
ولما كانت المساجد هي محور عملية الدعوة ، ومجتمع الدعاة والمدعوين ، كان في
تنحية دوره في المجتمع إثر يشبه تنحية أحكام الشريعة ، وصار لزاما على أهل الحل
والعقد ( الذين هم أهل العلم والشوكة والرأي والمشورة في البلاد ) أن يتخذوا
موقفا من هذا الاعتداء الصارخ على حرمات الله تبارك وتعالى .
وإذا كان تعظيم الحرمات من تقوى القلوب كما قال تعالى : ( ذلك ومن يعظم حرمات
الله فإنها من تقوى القلوب ) ؛ فإن رعاية حرمات الله من أن تنتهك والحفاظ عليها
من أن تنال بسوء من أعظم التقوى الذي أمرنا به .
وغير جائز أن يعتقد المسلم أن دوره قد تعطل بهدم المساجد ومنع الناس من أن
يذكروا فيها اسم الله تعالى أو أن يقيموا فيها شعائر الله ، سواء كان ذلك
المسلم داعية إلى الله تعالى أو مجرد مصل فيها مؤد لما افترضه الله تعالى عليه
في رحابها .
ولما كان ذلك كذلك ؛ وجب على كل مسلم ( وبخاصة شباب الصحوة ) أن يقفوا على
دورهم في مواجهة هذا الطغيان ، وأن يعملوا جاهدين على خدمة دينهم ، والقيام بما
أمرهم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، في حدود ما يستطيعون وما
تطيقه جوارحهم .
وفي هذه العجالة سأسطر نصيحة قديمة ، عرضتها على أهل العلم والدعاة كحل جذري
لعمليات التأميم المتتالية التي تتعرض لها مساجد أهل الصحوة الإسلامية ، بحيث
يكون ضم المسجد إلى حظيرة المساجد الأليفة غير مانع للدعاة من أن يعملوا لدينهم
وفق المنهج القويم ، غير هيابين من سلطة غاشم ، أو سطوة ظالم .
وها أنذا أعرض هذا الحل في صورة أفكار مرتبة ونقاط مركزة ، منبها على ضرورة أن
يكون العمل جملة وتفصيلا خاضعا لرأي المشورة الجماعية ، مستظلا بإرشادات أهل
العلم في كل منطقة بحسبها ، محذرا من أن يرتجل الشباب أي عمل دون أن يكون لهم
موجه ذو بصيرة وعلم وخبرة وتجربة .
أولا :
قد تقرر في أحكام الشريعة الغراء أن العبد لا يكلف إلا ما يستطيع ، وأن ما كان
داخلا في استطاعة العبد عرفا فهو داخل في إمكانية تكليف الله إياه شرعا . وعليه
فإن الشئون الدعوية غير مستثناة من هذا الأصل الأصيل ، ويجب استحضار هذا المعنى
في كل ما نأتيه ونذره ، حتى لا نتكلف أمورا هي خارج استطاعتنا ، وبالتالي نقع
في محاذير شرعية نحن في غنى عنها .
ولكن هذا لا يعفينا من أن نتقي الله تعالى في تقدير الاستطاعة ، وألا نركن إلى
شهوات النفس وإرادات الهوى ، فإن الغالب في تقديرات الهوى الحياد عن الحق ،
والركون إلى راحة النفس وعدم تجشم عناء أداء الخدمة للرب تبارك وتعالى .
ثانيا :
متى ما أمكن إقامة أي عمل دعوي في المسجد بدون أضرار لزم التشبث بموقع المسجد
باعتباره المكان الطبيعي للعمل الدعوي ، ولا نخرج عن هذا الأصل إلى بعد أن
نستنفد كل السبل في الحفاظ على مواقعنا في المساجد .
ثالثا :
متى ما حيل بيننا وبين العمل لدين الله من خلال
المسجد ، فإننا يجب ألا نتوقف عن العمل والدعوة بكل السبل المتاحة ، فنستعيض عن
المسجد بكل الساحات الممكنة التي يسمح بها قانون الدولة التي نكون فيها ، فلو
أمكن استئجار قاعات المحاضرات أو إقامة سرادقات أو نحو ذلك لزم أن نسعى في
توفير ما يمكن توفيره لاستمرار أنشطة الدعوة ، ويجب أن تدرك قوات الأمن أن قضية
المسجد بالنسبة لنا ليست قضية حياة أو موت ، بل إن الدعوة ستمضي بمسجد أو بغير
مسجد ، وبنا أو بغيرنا ، ويجب أن يفهم القائمون على الأمن بأننا نسير وفقا
للقانون ولا نخالفه ، وبالتالي يجب إحراج تلك الجهات بأن نشعرها أن كل شيء
يمنعوننا منه فإن المخالف للقانون في الحقيقة هم ، لا نحن .
رابعا :
أهم نقطة جوهرية في البدائل المقترحة أن يكون هناك إجماع من شباب الصحوة على
ضرورة الالتفاف حول قادة الدعوة ومشايخها في كل أرجاء القطر ، ويجب أن يتواصى
الأخوة فيما بينهم على ضرورة أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة لمشايخ الدعوة ،
وأن يصدر الأخوة في كل أمورهم عن رأي أهل العلم والخبرة ، وألا يستأثروا بأي
تصرف أو حركة أو قرار دون الرجوع إليهم . ويجب أن تعلم قوات الأمن هذه الحقيقة
بأن يرددها كل شباب الصحوة على مسامعهم إذا قدر وتعرضوا لتحقيق أمني ، بأن
يصرحوا بأنهم لا يسمعون ولا يطيعون إلا فلانا وفلانا وفلانا ، فإن في هذا تقوية
لمركز مشايخ الدعوة ، وإجبارا لقوى الظلم أن تعيد حساباتها تجاه مشايخنا
ودعاتنا ، والملاحظ أن أية حركة تصفية لدعوة من الدعوات تتلوها حالة انكماش
لشباب الدعوة ، مرده إلى أن مشايخ الدعوة لم يتوقعوا ولم يربوا الشباب على
مواجهة مثل هذه المواقف ، وهكذا تتوالى الاعتقالات ، وتتوالى التأميمات ، ولا
يتحرك ساكن ، فما فائدة التربية ، وما فائدة تلك الآلاف المؤلفة من شباب الصحوة
إذا لم يكن لهم دور في الحفاظ على مكاسب الصحوة ، والحفاظ على المواقع التي
احتلوها في المجتمع .
خامسا :
يجب أن يكون البديل عن المسجد سهلا وسريعا ،
كما أن بداهة وذكاء وسرعة تصرف شباب الصحوة في هذا الموقف يجب أن يكون متناسبا
مع دقة الموقف ، إننا بصدد استبدال مواقع أخرى مكان المسجد الذي تم تأميمه ،
فكل الدروس ستستمر ، وكل المحاضرات ستمضي ، بل والخطب ممن الممكن أن يتداولها
الناس بنفس الكثافة والانتشار ، البدائل معروفة وواضحة .
الدروس تكون في أماكن أخرى ، في الحدائق ، في الساحات ، في أي مكان مسموح فيه
بالتجمهر واللقاء ، في البيوت ، في القصور ، في قاعات المحاضرات المستأجرة ،
تسجل المحاضرات والخطب وتوزع، أو تطبع في هيئة كتيبات صغيرة وتوزع أو تباع ،
يجب أن يكون هناك بذل ، وتمويل ذاتي ، يباع الكتيب ببضعة قروش في سبيل تمويل
طبع خطبة أو درس آخر .
توجيهات قادة الصحوة يجب أن تكون متداولة ، التوجيهات العامة ممكن أن توزع على
هيئة شرائط صوتية ، إرشادات ، نصائح ، واضحة صريحة ، يلقيها شيوخنا في الشرائط
ثم توزع وتباع ، أما التوجيهات الخاصة فتكون شفاهة عبر قنوات خاصة وعلى هيئة
متقنة من السرية .
سادسا :
لا بد أن يكون العمل سلسا ، نحن لا نرتكب جرما ، ويجب أن يقتنع كل الأخوة ،
شباب الصحوة كلهم ، يجب أن يقتنعوا أنهم غير مخالفين للقانون ، إنهم يمارسون
حقهم الدستوري والقانوني دون أن يكون لفعلهم أي أثر على أمن البلاد ، بل هم في
الحقيقة رعاة الأمن ، والمحافظين على الجبهة الداخلية ، فلو تعرض أحد منا
لملاحقة أمنية فلا يجزع ، ليقف شامخا ، ويجب أن يتوافر الأخوة على معونته ،
معونة أهله لو اعتقل ( وهذا بعيد ) ، وتوفير المحامين لو وجدت قضية ( وهذا أيضا
بعيد جدا ) وعن خبرة وتجربة فإن الدعوة ما دامت سلمية فإنه ليس من مصلحة الأمن
أن يصعد الأمر إلى المحاكم لأنه سيظهر بمظهر غير مرغوب فيه أمام المجتمع ، وهذه
نقطة يجب ان نركز عليها ، أن نفهم المجتمع أننا لا نخالف القانون ( سحقا لهذا
القانون ) ، وأن الذين يريدون أن يمنعونا من العمل في الحقيقة هم يحاربون الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يجب أن يكون للمجتمع دور في الضغط على تصرفات
الأمن ، حتى متى ونحن نحيد مجتمعنا عن قضايانا ، نحن المجتمع والمجتمع نحن ،
وإن لم تتحمل الأمة معنا هم الإسلام فمن الذي سيحمل الهم ؟؟؟
أقول : يجب أن تكون لدينا سلاسة في التعامل مع الأحداث ، بمجرد إغلاق مسجد ،
تكون المحاضرة المقبلة قد تقرر عقدها في مسجد آخر مسموح به ، وإن منع المحاضر
أوجدنا له بيتا كبيرا يحاضر فيه ، وتسجل المحاضرة ثم توزع وتباع ، بل تنشر عبر
الإنترنت ، وستكون محاضرات من هذا اللون أكثر انتشارا ، فالممنوع مرغوب ، ويكتب
على الشرائط ، وعلى عناوين الأنترنت : المحاضرة الممنوعة الأولى ... وهلم جرا .
سابعا :
تكثيف المجموعات التربوية ، بإشراف المشايخ والدعاة ، ولا يجوز أن نخاف من
تكوين هذه المجموعات حتى لو توعدتنا قوى الأمن الغاشمة ، فالقانون لا يمنعها ،
ولن يستطيعوا اعتقاد أحد من شباب الصحوة لمجرد أنهم يلتقون في البيوت ليتذاكروا
الدين ، وما دامت اجتماعاتنا بالفعل لا تطرح الحل العسكري في منهج التغيير
فإننا يجب أن نكون في قمة الشجاعة في تنفيذ خطواتنا التربوية وغزو مواقع
المجتمع ، إننا لا نفعل أكثر مما يفعله التلفزيون ، نحن نعلم الناس الدين ،
نعلمهم الصلاة والعقيدة الصحيحة ، والتعاطف مع قضايا المسلمين في أرجاء الأرض ،
نعلم الناس كيف يحصنون أنفسهم وأولادهم ضد الزنا المنتشر والمخدرات الشائعة
والسرقة والرشوة التي أفسدت الدولة ، نحن نصلح ولا نفسد ، بخلاف رهط يفسدون في
الأرض ولا يصلحون .
حتى هذه الكلام الذي أطرحه عليكم أيها الأخوة والأخوات يجب ألا نخاف من تداوله
، انشروه في كل مكان ، اطبعوه ووزعوه في كل مكان ، لكل شاب ، يجب أن نعرف من
الآن فصاعدا أدوارنا ، لن ننتظر حتى تأتي الخلافة لتتوزع الأدوار ، فنحن الذين
نمهد للخلافة ، ونحن الذين على أكتافنا ستقوم الدولة الإسلامية ، وبدون صبر
وتضحيات فبطن الأرض خير من ظاهرها .
ثامنا :
يجب أن يكون لمشايخنا ودعاتنا معاونون من طلبة العلم ، يساعدونهم في إعداد
البرامج العلمية ، والبرامج التربوية ومتابعة الأنشطة بعد توقيف المساجد ، يجب
أن يكون التواصل بين المشايخ وهؤلاء المساعدين مستمرا بأية طريقة ، لأن هؤلاء
المساعدين هم همزة الوصل بين الدعاة وبين شباب الصحوة ، ويجب أن نزيد من فعالة
وسائل الاتصالات ، مثل الإنترنت ، والنقال ، وغير ذلك ، بل ولا نغفل الوسائل
التقليدية مثل الخطابات البريدية والهاتف العادي ونحوه ، لا تخافوا ، لا تقولون
مراقبون ، خافوا رقابة الله أكثر يا شباب الصحوة ، لو مكثنا نرمق ظلنا ما
تحركنا .
تاسعا :
اجتهدوا في العبادة والدعاء ، ليرى الناس نور الإيمان في وجوهكم ، لترتوي الأرض
من بركات أقدامكم التي تطأ ثراها ، ليترطب هواء الأرض بنسيم زفراتكم التي تعطرت
بلسان وفم ذاكر لاهج بثناء الله ودعائه ، كونوا شامة بين الناس بتقواكم .
عاشرا :
لا تهملوا أي إنسان في هذا العمل ، استغلوا كل شخصية ، حتى لو ظننتم أنها لن
تفيد ، ابحثوا لها عن فائدة ، يجب أن يكون للأخوات دور كبير في هذا الجهاد
الصامت السلمي ، وكذلك الأطفال ، وكذلك المعوقين ، وكذلك كل نفس منفوسة آمنت
بعظمة هذا الدين ، وبأهليته أن يقود البشرية إلى الأمان وينهض بها من وهدتها
ويخرجها من ورطتها .
تلك عشرة كاملة ، وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الأفكار ، وأن يكتب لها من
ينشرها ، ويحفز المشايخ والدعاة على التفاعل معها ، فإنه لا حل في الأفق القريب
بدون عمل ، ولا عمل بدون عزيمة ، ولا عزيمة بدون خطة ، ولا خطة بدون بداية ،
ولا بداية بدون
بسم الله الرحمن الرحيم . بها بدأنا وبها نختم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .