مسيرة الصحوة
تتكامل بنصح العلماء وشباب الصحوة بعضهم بعضا
رضا أحمد صمدي
ليس يخفى على أحد أن الصحوة تعاني خللا في الكثير من جوانب مسيرتها ، وليس ثمة
من شك أن الإنسان مهما بلغت رتبته في العلم عرضة للخطأ والزلل ، والسعيد من
اعتبر بخطأ غيره ، وانتصح بنصيحة سواه .
والنصيحة التي نطمع أن تكون سمة ظاهرة في الصحوة هي النصيحة المتكاملة التي
تبطن الإخلاص وحسن القصد ، وسلامة النية وطهارة الطوية ، كما يجب أن تظهر بمظهر
الشفقة والحرص على الإصلاح ، ولذلك أحب دائما أن أسمي الناصح الشفيق بأن له حسا
إصلاحيا ، والناصح الصفيق بأنه ليس لديه حس إصلاحي .
قد يدلي الناصح الصفيق بكثير من الحق من فمه ، ولكن كلماته تخرج محتوية
الاتهامات واللمز والهمز والنبز بالألقاب لعلماء الأمة وقادتها ( وأعني هنا
دعاتها وقادة الصحوة الذين هم عندي أهل الحل والعقد على التحقيق ) .
مثل هذا النصح يولد ميتا ، ولا ينتفع به لا الناصح ولا المنصوح ، ولنا في رسول
الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، كيف كان يتلطف مع المنصوح لدرجة أنه أنكر
على الصحابة عندما نالوا من الأعرابي الذي بال في المسجد وقال : لا تزرموه ، أي
لا تعكروه عليه بوله ، وكل ذلك من كمال عقله صلى الله عليه وسلم .
يحكي أحد الدعاة أنه صادق أخا ملتزما ، وزاره في بيته ، فوجد أخا له أصغر منه
لكنه غير ملتزم ، فتوثق في المجلس بين الداعية وبين ذلك الأخ الأصغر نوع صداقة
، فسأل الداعية الشاب الصغير : لماذا لا تلتحي فإن اللحية سنة ، فسكت الشاب ،
ولما خرج الداعية خرج معه الشاب ليودعه ، وأثناء سيره معه منفردين قال الشاب
للداعية إنني فكرت مرارا أن ألتزم بدين الله وعزمت على ذلك ، ولكن كان أخي
الأكبر كلما رآني قال لي شكلك بدون لحية مثل القرد المسلوخ ، فعنادا معه أغير
رأيي وأصرف نظري عن موضوع الالتزام .
وهذا في حق فرد صغير في المجتمع ، فكيف بمجتمع الصحوة كله لو جابهناه بالقبيح
من الكلام والصفيق من النصح الثقيل .
كما أنه يجب أن يستقر في أذهان شباب الصحوة إن كل طرق الإصلاح مؤصدة بدون علم
وعلماء ، فقد قضى الله تعالى أن العلماء هم المفزوع إليهم عند الملمات ، ونحن
بدونهم ليست لنا شرعية ، وشرعية كل جماعة تعمل لدين الله بوجود علماء بينهم
يعملون على تصحيح مسيرتها ، وتقويم اعوجاجها .
ومسيرة صحوتنا المباركة أيها الأخوة لا بد أن تنبع من هذه القناعة ، وإلا فإنني
أتصور هذه الصحوة بشباب يحتقرون علماءهم ، ويظنون ظن السوء بقادتهم ( دعاة
الصحوة وقادتها أعني) أتصورها صحوة بدون مستقبل ، تكتنفها المخاطر من كل حدب
وصوب ، والعامة تقول : الذي ليس له كبير ليبحث له عن كبير ، وأنا أسائل كل
الأخوة الذين تعرضوا لعلمائنا وأئمتنا : ماذا تكون الصحوة لو أخليناها من
الألباني وابن باز وسلمان العودة وربيع المدخلي وسفر الحوالي وبكر أبو زيد
ومحمد إسماعيل ومحمد حسين يعقوب وأبي إسحاق الحويني وغيرهم من أئمة الدين ، هل
سيكون قادتها مثل المقدسي وأضرابه ، وأنا ليس بيني وبين المقدسي وأضرابه أي
مشكل ، وأنا أعتز أن يكون هو أو غيره ذخيرة لهذا الدين وحصنا لهذه الصحوة ضد
مكائد أعدائها ، لكن أن يكون هو وأضرابه الوقود الذي تحرق به الصحوة نفسها
بنفسها ، وتنحل بكيمياء أفكاره رموزها وعلاماتها المضيئة فهذا الذي لا يمكن أن
يرضاه ويقبله أي شفيق وحريص على استمرار هذه الصحوة .
الصحوة الإسلامية أيها الأخوة قدر مقدور ، وقد كانت الأمة على موعد مع هذه
الصحوة في هذا الوقت من الزمان ، أطلت الصحوة برأسها على حين غفلة من مكائد
الأعداء ، وبدون إنذار ولا إرهاص فرضت نفسها ، وأجبرت الدنيا أن تستكين لواقع
وجودها ، فما من قوة الآن تملك أن تمحوها ، بل يجب على العالم إما أن يرضى
بقيادتنا له وإمساكنا بزمام مسيرة البشرية ، وإما أن يحاول أن يكيف وضعه معنا
بالحال التي لا تتعارض مع ثوابتنا وأصولنا ، وإلا فإن المواجهة هي القدر
المحتوم الذي تواثقنا عليه وتعاهدنا على المضي فيه ، والله غالب على أمره ولكن
أكثر الناس لا يعلمون .
فليعلم الناس أجمعون أن دين الله تعالى لم يبل ، بل هو باق خالد ، وبقائه
وخلوده ببقاء علمائه وحملته ، من أئمة الدين ودعاته وقادته ، ومجموع هؤلاء يعرف
أن الحق معهم بتواطؤ مقاصدهم ، وتطابق أهدافهم ، وإن اختلفت تفاصيل المناهج ،
أو تباينت فروع التكاليف الحركية ، لكن الهدف الأسمى لهؤلاء جميعا هو إعزاز
الدين وجمع كلمة المسلمين ، فمن دخل بينهم بفتنة ليزيد من الصدع بدلا من أن
يرأبه ، ويوسع الشقاق بدلا من أن يمنعه فإنه داعي فتنة يجب أن يحارب ويقاوم ،
وبمثل هؤلاء تتباطأ مسيرة الصحوة ، فنسأل الله تعالى أن يقلل عددهم في أمتنا
وأن يؤمننا شرهم .