بسم الله الرحمن الرحيم
بغض النظر عن الآراء الفقهية مهما كانت قوية أصيلة وإن شكك بعض
المنتسبين لطلبة العلم في أصالتها ، أو ضعيفة حادثة مهما حاول القائلون
بها إثبات صحتها ، وسواء صدرت من عالم رباني أو غيره - ينبغي أن تسود
بين الناس ثقافة الدولة النظام ، ودولة المؤسسات النظامية ، لا آراء
الأفراد الخاصة مهما كانت مكانتهم العلمية . وهذه الثقافة العالية
تُعرف في العالم المتقدم إداريا وتقنياً : بثقافة دولة القانون .
صحيح أنها ثقافة ليست جديدة على حضارتنا الإسلامية ، وصحيح أن التفريق
بين الاجتهاد الخاص والنظام العام ، قضية لم تخف على مشايخنا الكبار ،
ولست بصدد التفصيل في هذه القضية التي تحدّث عنها العلماء قديما وحديثا
في أبواب الأصول والسياسة الشرعية ، غير أنني أجد من المناسب ضرب مثال
عملي معاصر لعالم جليل ورمز كبير ، كان يطبّق هذه الثقافة مع شدّة قرب
المسؤولين منه ، وليس قربه من المسؤول فقط .
إنَّه العلامة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله !
سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء السابق . لقد كان رحمه
الله مثلاً عالياً للعالم الرباني الذي يتكلم عن علم وديانة ، ويأمر
وينهى بما يدين الله به ، ويجتهد في ابتغاء الحق وسعه ، ومع علمه
وغيرته وأهليته المشهود له بها من علماء العصر ، إلا أنه كان يتحدّث
بمسؤولية فائقة ، فيفرق بين مسؤوليته في وظيفته العلمية وبين مسؤوليته
في وظيفته الرسمية ، فلم يتعامل مع الفتوى الخاصة كتعامله مع الفتوى
العامة ولا الفتوى المأمون تأثيرها مستقبلا على التي قد يكون مآلها
مشكلاً ؛ لأنَّه يدرك الفرق بينهما من الناحية العلمية والعملية ، ولا
سيما من ناحية النظر في المآلات ، شأن الفقهاء الكبار !
لقد كان رحمه الله - وهو المفتي العام ، ورئيس هيئة كبار العلماء ،
ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء - يكتفي بنسبة ما كان خاصاً من فتوى أو
رأي - على مكانة رأيه العلمي - إلى نفسه ، ويوَّقِّعه باسمه مجرداً عن
أي لقب وظيفي من هذه الألقاب السابق ذكرها ! بينما يضيف إلى اسمه اللقب
الوظيفي حين تكون فتواه أو رأيه في موضوع من الموضوعات التي تحتاج إلى
ذكر اللقب الوظيفي !
بل ربما وقَّّّع بعض الفتاوى و بعض الآراء التي تتطلب ذكر منصبه
الوظيفي باسمه مجرداً عن لقبه الوظيفي ، إذا بُيِّن له أن نشر رأيه
بلقبه الوظيفي قد يتسبب في إحراج ما للدولة أمام جهات أجنبية ، لكونه
يتبوّأ منصباً كبيراً فيها ، وأنَّ رأيه مهما كان صوابا ، قد يفسّر على
أنه موقف حكومي ! في الوقت الذي قد تقتضي المصلحة عدم نسبته للحكومة ،
ومن ثم خشية قراءة الفتوى أو الرأي على أنه موقف حكومي .
لقد كان رحمه الله يعي جيداً ما يترتب على الرأي الخاص من آثار مهما
كان قوياً من الناحية العلمية ، فيتحمّل هو مسؤوليته مسؤولية علمية
خاصّة .
لقد كان الشيخ رحمه الله يقوم بالموازنة الفقهية السياسية الشرعية ،
التي تقتضي فيها الديانة الصدع بالحق ، وتقتضي فيها السياسة الشرعية
نشره ولو بالصفة الشخصية ! ؛ فيجمع بين بيان ما يرى وجوب بيانه ، وبين
مراعاة المآل الذي قد يتسبب في أمر غير مرغوب يمكن دفعه ، وذلك بأن
يوقع البيان أو الفتوى باسمه الشخصي مجرداً عن ألقابه الوظيفية ؛ بخلاف
ما تقتضي المصلحة نشره باسمه الشخصي مقروناً بلقبه الوظيفي فإنه ينشره
به مثل : مفتي عام المملكة العربية السعودية ، أو رئيس هيئة كبار
العلماء ـ أو رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء ، أو بها جميعا ، بحسب ما
يقتضيه الحال .
ويبدو أنَّنا بحاجة إلى التذكير بهذا الفقه ، ونشر الوعي به بين من لا
يفقهه ؛ ولا سيما في ظل الجرأة الصحفية على ثوابت الشرع الحنيف
ومرجعياته الرسمية في بلادنا ، وعلى النظام العام للدولة ، وعلى
الأنظمة المرعية الشرعية الرسمية ، الصادرة من السلطة التنظيمية في
المملكة العربية السعودية .
ولعلّ من آخر تلك الجرائم الصحفية ، ما جرى من صحيفة عكاظ في لقائها
الذي أجرته مع رئيس إحد فروع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
ونسبة ما صدر منه من رأي شخصي إلى جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ! وهذه جريمة إعلامية ؛ فإنَّ الآراء الشخصية لا تمثل إلا
أصحابها ، ولا يمكن بحال أن تكون آراء الموظفين الشخصية مقدمة على
أنظمة الدولة ولوائحها الرسمية التي تصدر بصفة رسمية ، عبر السلطة
التنظيمية أو بتخويل منها ؛ إذْ من بدهيات الشريعة والقانون أنَّ
الأنظمة الحكومية العامة تحكم الراعي والرعية ، ولا يقلّل من شأنها خطأ
مسؤول في التطبيق ، ولا كذب صحفي في التحقيق .
وليت الموظف الحكومي في الهيئة حين تبنى رأياً مخالفاً للفتوى الرسمية
والأنظمة المرعية ، بيّن أنه رأي شخصي ، لا يمثل الجهة التي يعمل لديها
، لكان الأمر أسهل ؛ لأن النّاس يعرفون مصادر الفتوى الموثوقة .
وليت الصحيفة حين بيّنت - ولو من باب المسؤولية حين فقدت المهنية -
أنَّ مقولات ضيفها تمثل رأيه ، وأنها لا تتحمل مسؤولية ما يترتب على
مقولاته من مخالفات للأنظمة المعمول بها ، و لا تتحمل ما يترتب على
تصريحاته من مسؤوليات جنائية على المخالفين للأنظمة التي تحكم الموضوع
.
ففي الوقت الذي يتجرأ الإعلام على تجهيل النظام والتجهيل به ، نجد
النظام واضحاً صريحاً لا يمكن إخفاؤه ، ولا يقبل الادعاء بجهله ، ولا
سيما بعد إعلانه في الجريدة الرسمية ، ووجوده في مواضعه من الأنظمة
الحكومية ، فقد ورد التصريح بتجريم الاختلاط ووصفه بالمنكر ، الذي يجب
على الهيئة الحيلولة دون وقوعه ، وذلك في اللائحة التنفيذية لنظَام
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي مادته الأولى .
ومن هنا يبقى الاختلاط فعلاً مجرّماً شرعاً بالفتوى الرسمية ونظاماً
بالائحة الرسمية . ومن ثم فلا عبرة بكل ما يقال من نفي تجريمه ، ويبقى
مرتكبه مسؤولاً قضاءً ، أي أنه يقع تحت طائلة الضبط ، وضمن واجبات
التحقيق والادعاء ، ومستحقا للمحاكمة أمام القضاء . فلا يجوز التغرير
بالمواطنين والمقيمين بمقابلات صحفية ، وتصريحات شخصية ، وجعلها في
مقام النظام ، وهي محسوبة فيه من الإجرام .
ومن هنا أقول : يجب التفريق بين التصريحات الشخصية والآارء الفردية
التي تمثل أصحابها ، وبين الفتاوى الرسمية والأنظمة المرعية التي تمثل
الدولة .
لقد كان من الواجب على الصحافة ووسائل الإعلام تكثيف الوعي بالأنظمة ،
وبذل الجهد في تعميم الثاقفة النظامية وتعميقها ، سعياً في تحقيق
المواطنة ، وتهيئة للناس لبعض المصالح التي تتطلب أنظمة تأخرت بسبب قلة
الوعي النظامي ، وخشية وقوع آثار سلبية في ظل ما يمكن تسميته : عدم
النضج الإعلامي ، الذي يتسبب في تعميق الضعف النظامي للمجتمع بصفة عامة
.
سعد بن مطر العتيبي
-------------------------------------------
ملحق من نص اللائحة :
صدر قرار معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
رقم (2740) وتاريخ 24/12/1407هـ بإقرار اللائحة التنفيذية ونشرت في
جريدة أم القرى في عددها رقم (3203) وتاريخ 30/7/1408هـ
الباب الأول : واجبات الهيئة
المادة الأولى :
على أعضاء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - القيام بواجبات
الهيئة حسبما حددتها المادة التاسعة من نظَام الهيئة الصادر بالمرسوم
الملكي رقم م/37 وتاريخ 26/10/1400هـ والتي أهمها إرشاد الناس ، ونصحهم
لاتباع الواجبات الدينية المقررة في الشريعة الإسلامية وحملهم على
أدائها ـ وكذا النهي عن المنكر بما يحول دون ارتكاب المحرمات
والممنوعات شرعاً ، وإتباع العادات والتقاليد السيئة أو البدع المنكرة
، ويكون ذلك باتباع الآتي :-
أولاً - حث الناس على التمسك بأركان الدين الحنيف من صلاة ، وزكاة ،
وصوم ، وحج ، وعلى التحلي بآدابه الكريمة ، ودعوتهم إلى فضائل الأعمال
المقررة شرعاً كالصدق والإخلاص ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانات ،
وبر الوالدين وصلة الأرحام ومراعاة حقوق الجار ، والإحسان إلى الفقراء
والمحتاجين ومساعدة العجزة ، والضعفاء وتذكير الناس بحساب اليوم الآخر
، وأن من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها.
ثانياً- لما كانت الصلاة هي عمود الدين ، وسنامه ، فيتعين على أعضاء
الهيئة مراقبة إقامتها في أوقاتها المحددة شرعاً في المساجد ، وحث
الناس على المسارعة إلى تلبية النداء إليها ، وعليهم التأكد من إغلاق
المتاجر ، والحوانيت ، وعدم مزاولة أعمال البيع خلال أوقات إقامتها.
ثالثاً - مراقبة الأسواق العامة ، والطرقات والحدائق ، وغير ذلك من
الأماكن العامة والحيلولة دون وقوع المنكرات الشرعية الآتية :-
1- الاختلاط والتبرج المحرمين شرعاً.
2 تشبه أحد الجنسين بالآخر.
3 تعرض الرجال للنساء بالقول أو الفعل.
4 الجهر بالألفاظ المخلة بالحياء ، أو المنافية للآداب.
5 تشغيل المذياع ، أو التليفزيون ، أو المسجلات وما ماثل ذلك بالقرب من
المساجد أو على أي نحو يشوش على المصلين.
6 إظهار غير المسلمين لمعتقداتهم ، أو شعائر مللهم ، أو إظهارها عدم
الاحترام لشعائر الإسلام وأحكامه.
7 عرض ، أو بيع الصور ، والكتب ، أو التسجيلات المرئية ، أو الصوتية
المنافية للآداب الشرعية ، أو المخالفة للعقيدة الإسلامية اشتراكاً مع
الجهات المعنية.
8 عرض الصور المجسمة ، أو الخليعة ، أو شعارات الملل غير الإسلامية
كالصليب ، أو نجمة داود ، أو صور بوذا ، أو ما ماثل ذلك.
9 صنع المسكرات أو ترويجها ، أو تعاطيها اشتراكاً مع الجهات المعنية.
10 منع دواعي ارتكاب الفواحش مثل الزنا واللواط والقمار أو إدارة
البيوت ، أوالأماكن لارتكاب المنكرات ، والفواحش.
11 البدع الظاهرة كتعظيم بعض الأوقات ، أو الأماكن غير المنصوص عليها
شرعاً ، أو الاحتفال بالأعياد ، والمناسبات البدعة غير الإسلامية.
12 أعمال السحر والشعوذة ، والدجل لأكل أموال الناس بالباطل.
13 تطفيف الموازين ، والمكاييل.
14 مراقبة المسالخ ، للتحقق من الصفة الشرعية للذبح.
15 مراقبة المعارض ، ومحلات حياكة ملابس النساء.
وهذا نص نظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي نص على تنظيم
اللائحة السابقة :
http://www.boe.gov.sa/boe/index.html