بسم الله الرحمن الرحيم
ما أجمل الحقيقة حين تعرض
بشفافية ووضوح ، دون تدخل بشري يحوِّرها بخلفيته ، وما أقبح التحريف حين
يكون مقصودا ( يبغونها عوجا ) . و أخطره حين يتعلق بمصير الإنسان الدائم .
قبل أسبوع نشرت صحيفة " صن " قصة الخبير المزيّف الذي نشر معلومات مكذوبة
عن المسلمين في بريطانيا وأقنع بعض المسؤولين البريطانيين بتقارير مزيفة
حول الإسلام وأهله في بريطانيا !
وإنَّ مما يؤسِف ، أنَّ كثيراً من الحقائق غيّبها أو شوَّهها أناس ينتمون
إلى مجموعات الباحثين والمفكرين والمثقفين والكتاب ، وذلك في جميع الثقافات
والحضارات .. إنَّها لَمَأساة لبني الإنسان أن يتولى الإنسان – الذي أكرم
بالعقل والبيان والمعرفة – تجاهل الحقائق أو حجبها أو تشويهها أو التنفير
منها ، لمصالح شخصية أو حزبية أو سياسية ، أو لمجرد نشأته في بلد من
البلدان أو تفرعه عن عرق أو انتمائه لحضارة ما أو تعلقه بأيديلوجية معينة
أو إعجابه الخاص بشيء من ذلك .
أليس ذلك جريمة في حق الآخرين الذين يتلقون تلك المخرجات التقريرية أو
البحثية أو الفكرية المزوَّرة ، بوصفها حقائق أو حلولا تستحق الاقتناع بها
والدفاع عنها والتصدير والتنفيذ أو التجربة ؟! أليس في هذا التصرف امتهان
للغش والخداع الخطير ، ولا سيما إن رُوِّج الزُّور بما يوصف بأنَّه وثائق
!!؟ أليس حال هؤلاء مع قرَّائهم ومتابعيهم ومريديهم ، كمن يُقَدِّم صنوفاً
مُعَلَّبَةً من الطَّعام القاتل للجوعى ، أو قطعاً من الحلوى المسمومة
المعبَّأة في قراطيس برَّاقة للأطفال الأبرياء ، ولا سيما إن كان باسم
الإنسانية !؟ ومن عجب ، أنَّ المادية التي لا تؤمن بما وراء الدنيا تُقنِّن
لما يعرف بإبرة الرحمة القاتلة ! وكأنها جزء من تلك الثقافة الغاوية ،
والخلفية الإجرامية ..
لقد كان للتشويه الغربي و الشرقي للحقائق التاريخية والحضارية والشرعية
الإسلامية ، جناية عظيمة على رسالات الله عز وجل ، وعلى تعايش أهل الأرض ..
لقد كشفت ذلك الإجرام الذي تولى كبره بعض حقدة المستشرقين الغربيين
وتلاميذهم ، كتاباتُ جملة من الباحثين من أمثال روجيه دوباسكويه ، ومراد
هوفمان في كتابه المفيد ( الرحلة إلى الإسلام ) ؛ بل لقد اعترف بذلك بعض
تلاميذ حقدة المستشرقين ! وقد ناقشت بعض هؤلاء الغربيين من المستشرقين
الجدد ، ممن أعماهم كره الإسلام وأهله عن ملاحظة المعايير الأكاديمية و
الذوقيات الإنسانية عند الحديث عن ثقافة أمة كاملة حاضرة - غارقة في أعماق
التاريخ بحضارتها ، متكاثرة على مرِّ العصور بمتبعي ملتها ، جعلت لها الأرض
مسجدا وطهورا لسعة بقعتها - وبينت له تجاهله للمصادر التي لا تخفى على مثله
قطعاً ، وبينت له - على الملأ - كم كان ساذجاً إلى حدّ السخافة في ظنه أنه
لم يعُد بنا نحن أبناء المسلمين حراك حتى على مناقشته ! .
لقد أخرج لنا هذا الطرح الظالم ، والبحث العلمي !! الزائف جيلا من أبناء
المسلمين ، ضحلت ثقافتهم في دينهم ، حتى كان بعضهم في حاجته لفهم الإسلام ،
أحق بزيارة مكاتب توعية الجاليات من بعض زوارها من غير المسلمين .
ومن هنا حق للشيخ محمد الغزالي رحمه الله أن يتساءل : " بحث علمي أم دعاية
استعمارية ؟ " ، في عنوان جانبي من كتابه ( الإسلام والاستبداد السياسي) .
وهو العنوان الذي استعرته من كتابه لمقالتي هذه !
ومما كتبه - رحمه الله - تحت هذا العنوان قوله : " الغرب الذي رسم الصلبان
– رمزَ التضحية – على راياتٍ تظلِّل جيوشا طالما اشتغلت بالسلب والنهب ،
وانطلقت في مشارق الأرض ومغاربها تثير الرعب والفزع .
هذا الغرب العنيد هو الذي ينشر بحوثاً علمية نزيهة (!) لإثبات أنّ الإسلام
قام على السيف ، وذلك جهد كثير من المستشرقين الذين أخضعوا العلم لنزعات
الهوى والتعصب الذميم .
ومتى يقال هذا ؟ في القوت الذي جثم فيه الغرب المسلح على الشرق الأعزل يبغي
هلاكه .. والقصد البيّن منه تسويغُ منطق القوة العمياء الذي يتعامل به ،
وصرفُنا عن إعداد العدة التي نسترد بها خسائرنا، ونحامي بها عن مقدساتنا ؛
وقد وصل ساسة الغرب ومستشرقوه إلى هدفهم ، وتكوّن جيل من المسلمين يحسن
الظنّ بمستقبل الحق العاري عن القوّة ؛ فكان الفشل مصير قضايانا كلِّها ،
وأصبح البغاث يستنسر بأرضنا !!
ألسنا أهل رأي لا أهل قوة ؟ " . انتهى كلامه رحمه الله !
وليس حديثي عن مثقفي الغرب ولا مستشرقيهم عموما ، كلا ؛ فنحن نعلم يقينا
أنهم ( ليسوا سواء ) ، هكذا تعلّمنا من القرآن .
وهكذا رأينا في واقع الحال ، أنَّ فيهم من تجد في مقالاتهم ومؤلفاتهم
ومناقشاتهم من الإنصاف ما يجعلك تأمل منهم خيرا ، وتجد فيما يكتبون ماّدة
مقنعة للأجانب ، تكشف تزييف الآخرين من بني قومهم للحقائق .. من أمثال
الكاتب والمفكر الأمريكي الحرّ جون أسبيزيتوا ، والبرفيسور الفرنسي فنسون
جيسار المتخصص في العلوم السياسية ، وقد جرى بيني وبينه حوار في العلاقة
بين السياسة الشرعية والعلوم السياسية قاربت مدته الثلاث ساعات ، فوجدته
أعرف بالإسلام من كثير من أدعياء الليبرالية في بلاد العرب .