فوائد من كشكول المختارات الأدبية :
قال الدكتور الأديب زكي مبارك غفر الله لنا وله :
" بقي أن ننظر إلى المراد بالأدب هنا في دروس الجامعة فنقول : المراد
منه كل ما ينمي ملكة اللغة في اللسان والقلم وتربية الذوق في الاختيار
والإنشاء ، والإرشاد إلى مناهج النقد الصحيح ، والوسيلة إلى ذلك :
اختيار الرائع من الأساليب والرائع من المعاني وعرضه على الطلبة لبيان
وجوه الحسن فيه ، والمقارنات بين الفحول من الشعراء ، والمصاقع من
الخطباء ، والبلغاء من الكتّاب ، وبيان وجوه التفوّق مع الإلماع إلى
أمهات المسائل من فنون اللغة أثناء الموازنات والنقد ، ومعرفة أذواق
العصور المختلفة والنصّ على أجودها وأسلمها .
وهذا مؤدٍّ إلى الإلمام بشيء من تاريخ الأدب ، لربط الموضوعات بعضها
ببعض مما لا يسع الأديب أن يجهله ولا يتم العلم بدونه ، كالأغراض التي
قيل فيها الشعر ، والبواعث عليه من السياسة والجوائز والعشق ، وكتقسيم
الشعراء في بعض العصور إلى أحزاب وبيان أثر كل حزب ، فإنَّ ذلك يتوقف
عليه فهم مرامي أشعارهم ، وكذكر تاريخ الشاعر الموازن أو الخطيب أو
الكاتب أو المؤلف وأثره ومؤلفاته ، وماذا بقي منها وةما الذي وصل إلينا
" ..
وقال غفر الله لنا وله :
" ما كنت أعرف ولا غيري من مدرسي الأدب في مصر يعرف كيف يغلب على
الأسماء العربية في الأندلس والمغرب وجود مثل : زيدون ، وعبدون ،
وعيشون ، وخلدون ، و وهبون ، وسعدون إلخ
وكان الظنّ أن هذه من صيغ جمع المذكر السالم ، ثم غلبت على أسماء
الأفراد .
ولكن اسمع ما حدثنا به المسيوكولان الأستاذ بمدرسة اللغات الشرقية في
باريس :
اللغة الأسبانية تضيف إلى أواخر الأسماء لفظ ( اون ) للتعظيم ، وقد نقل
العرب ذلك عن الأسبان حين اتصلوا بهم في الأندلس ، فقالوا في زيد (
زيدون ) وفي وهب ( وهبون ) وفي عيش ( عيشون ) إلخ ..
وقد جاء في كلام لسان الدين الخطيب عمن اسمه حفص ، ما معناه : لقد كان
مكتفيا باسمه حفص ؛ فلما أيسر واستغنى تطاول واستكبر وسمى نفسه ( حفصون
) .
ومن أمثال أهل المغرب : (إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي كلبون
)
أليست حقا هذه فائدة مهمة جدا ؟
وبهذه المناسبة أذكر أن الأستاذ أحمد زكي باشا كان يلقي محاضرة منذ نحو
خمسة عشر عاما [قبل 1354هـ] عن عرب الأندلس ، فذكر من خصائصهم أنَّ
منهم من كان يقول : ستين وعشرة في مكان السبعين ، وكأن الأستاذ يريد أن
يقول : إن مرونتهم في التعبير وصلت بهم إلى مثل ما يعبر اللاتينيون .
فلتعرف الآن أن عرب الأندلس لم يقولوا ستين وعشرة في مكان السبعين إلا
تأثراً باللهجات اللاتينية ، أو تسهيلا للتفاهم مع الأسبان المستعربين
." ..
قلت : ولا زال استعمال ( اون ) في أواخر الكلمات موجودا في لغة الإسبان
إلى اليوم ! وربما أضافوا تاء التأنيث العربية ونطقوها هاء وقفا ووصلا
. ومن ظريف لغة القوم أن من استمع إلى نطق بعض أهالي الأقاليم
الأندلسية ، وجدهم ينطقون الثاء محل السين أو الشين ، كقولهم بعضهم :
برثلونة وقول آخرين برسلونة ، يعنون : برشلونة ؛ و سفليا مكان إشبيلية
مثلا .
ولقد علمت من بعض أهل الشأن في اللغة الأسبانية أن بها اليوم ما يقارب
الستة آلاف مفردة عربية ! فتلك بقايا لغتنا في دار حكمتها الشريعة
الإسلامية حقبا من الزمان ، وانطلقت منها جيوش نشر الحرية في عصور
الظلام الغربي ..
وقال غفر الله لنا وله :
" لقد صحبت طوائف من المصريين وطوائف من الأجانب ، وانتهيت إلى النتيجة
الآتية : الغيبة والنميمة من الرذائل الإنسانية يقع فيها المصريون وغير
المصريين ، ومع هذا لاحظت أن المثقفين من الأجانب قد يستبيحون الاغتياب
، ولكنهم لا يستبيحون البهتان ! فالرجل قد يغتابك ، ولكنه يتحرج من أن
يصفك بما ليس فيك ، وقد ينم ، ولكن نمائمه خالصة من المفتريات [ قلت :
هذا قبل أن يعود الإفرنج إلى تجاوز المعلن من مبادئهم ] .
أما المثقفون منا – وا أسفاه – فيجمعون بين الرذيلتين : النميمة
والافتراء . [ قال مصححه : أظن الدكتور يريد طائفة من أدعياء المعرفة
والثقافة ، وإلا فكيف تجتمع الثقافة الحقة وتلك الرذائل في شخص جدير
بأن يكون مثقفا ]
ومعنى هذا أن من الأجانب من يعصمه الحياء [ قلت : أو يحذر القانون ] من
خلق الأكاذيب ، وأن فينا من تنقصه فضيلة الحياء . إننا نتحدث كثيرا عن
الوطنية ، والوطنية لا تقوم إلا على فكرة الوطن ، والوطن لا يحب إلا
حين يكون لنا فيه أصدقاء وأخلاء ...
أيها المغتابون النمامون ! أنتم أعداء الصدق والكرامة والوطنية ، وأنتم
أعداء أنفسكم لو تعلمون !
19/11/1931 "