أعتقد أنه لا يمكن فهم ما يجري في لبنان دون قراءة لما يحدث في المنطقة
بشكل عام , والأهداف والمخططات المطلوب تنفيذها معلنة أو غيبر معلنة ,
والوظائف المنوطة بكل طرف فاعل , بدءا من العلاقات الأمريكية –
الإيرانية , ونقاط التقاطع والتجاذب بينهما , ومرورا بالعلاقات العربية
الأمريكية التي بلغت حد وجود كول بالقرب من الشواطيء اللبنانية في نفس
الوقت الذي كان الزعيم الإيراني نجاد يتنقل في بغداد بالقرب من المنطقة
الخضراء ! ويتجول في ضواحي العاصمة العراقية في ظل الاحتلال مختارا من
يقابله ، وتزامنا مع انعقاد لقاء وزاري عربي في الجامعة العربية التي
كانت تبحث الأزمة اللبنانية وحصار غزة ، ومرورا أيضا بما جرى قبل وبعد
القمة العربية التي عقدت في العاصمة السورية دمشق , وما اكتنفها من
إشكالات وملابسات حول العلاقات العربية – العربية , وتصريحات وزير
الدفاع الأمريكي الأخيرة , التي خففت من احتمالية وقوع الحرب بين
واشنطن وطهران, وان لم تستبعد – التصريحات- وقوعها في مكان آخر ! وكأنه
يشير إلى احتمال تأجج هذه الحرب على غير الأراضي الإيرانية ، وانتهاءا
بالتهدئة في غزة , التي قامت مصر فيها بدور الوساطة , ونالت رضا وقبول
الفصائل الفلسطينية , وزيارات وزيرة الخارجية الأمريكية للكيان
الصهويني .
كما لا يمكن قراءة الأحداث الأخيرة في لبنان , دون النظر فيما أعلن من
قبل من مخططات من مثل : الشرق الأوسط الكبير وآليته : الفوضى الخلاقة !
وأدواته الصهيونية وفي مقدمتها الكيان الصهيوني ، ومثل : الخطة
الخمسينية لآيات قم ، وآليته : الهلال الرافضي وليس الشيعي ، وأدواته
الرافضية وفي مقدمتها حزب إيران اللبناني ..
كما لا يمكن قراءة اجتياح حزب حسن نصر الله – الوكيل الشرعي لخامنئي
كما تصفه وثائق الحزب الرسمية - لبيروت الغربية وبعض المناطق السنية
واستعراض القوة المسلحة , دون قراءة لإعلان قرارات لم تأخذ صفتها
الرسمية –وفق تصريح السنيورة - من جانب الحكومة اللبنانية , ودون حساب
لأثر هذه القرارات وانعكاساتها ( المتوقعة ) على الوضع الهش في الداخل
المتمثل في حكومة تتأرجح وجيش ضعيف وتكتلات موالاة غير متجانسة ، ووجود
بعض القيادات ذات السمعة السيئة والماضي الأسوء ، وغياب الدعم المشهود
لشخصيات وقيادات لبنانية أكثر نزاهة وولاء للأمة الإسلامية والعربية
وإيمانا بخطورة تنامي الحزب الإيراني اللبناني ليس على لبنان فحسب بل
على العالم العربي باعتباره الجناح العربي لإيران ، الذي يعرف كيف
يتلاعب بمشاعر الجماهير العربية ، ولا سيما مع امتلاكه آلة إعلامية
خاصة وأخرى منثورة في عدد من الوسائل الإعلامية العربية ولا سيما ذات
الحضور الجماهيري .
والمتأمل لواقع سير الأحداث التي تنطلق بروح طائفية إيرانية - وإن نفى
قادتها - يجد تأجيجا للصراع في لبنان الشام , وأحداثا دامية يقوم بها
الحوثيون في اليمن السعيد , ونبرة تهديدات للحكومة اللبنانية واليمنية
في ذات الوقت , الأمر الذي قد يلقي بآثاره على المنطقة بأسرها , ويعطي
إرهاصات لمستقبل قد يحمل مفاجآت ، ربما تساهم في اكتمال دائرة الهلال
الرافضي وفق الخطة الخمسينية لآيات قم ، وفي ظل غياب الرؤية العربية
الموحدة والحلول الحاسمة .
وفي نفس الوقت يجد المتأمّل فيما يظهر من أحداث : تهدئة إيرانية
أمريكية في الحرب الإعلامية ، ونقلا للاهتمام إلى مناطق أخرى بعيدة عن
المفاعلات الإيرانية ، وتحويلاً للحديث الأمريكي الصهيوني عن الهدف
ذاته إلى الحكومة السورية في تزامن واضح مع بدايات الحدث ، صاحبته
تصريحات كورية عاضدة ، وقصور نظر فيما ظهر من تجاوب عربي !
وهنا يثور سؤالان كبيران :
الأول : هل ثمة تقاطع في المصالح بين إيران واليمينيين الجدد في
الحكومة الأمريكية ؟
والثاني : هل الحضور العربي ممثلا في جامعة الدول العربية يقوم بواجبه
الإسلامي والقومي ؟
أما ألأول ، فأعتقد أن ما مضى الإشارة إليه من أحداث وتفاعلات ، يجيب
بوضوح عن هذا السؤال ، ويكشف وجود حاجة لدى الطرفين لتحريك الأحداث
وتوظيفها لتحقيق الأهداف المشتركة وغيرها ، وأن ميدان السباق الجديد
يبدأ من لبنان ليس إلا . تحركه يد لجس نبض ، لتتجاوب معه اليد الأخرى
تجاوبا قد لا يخدم اللاعبين ، يظهر فيه أن اليد التي امتدت لجس النبض
ربما وصلت إلى القلب !
وأمَّا الثاني : فمن المؤسف أن الحضور العربي يبحث في الحلول الظاهرية
لمشكلة عميقة ، وإن أدرك بعض أطرافه عمق المشكلة إلا أن الاختلاف
العربي يجعل دائرة الاتفاق في الشكل الظاهري ليس إلا ، وهو ما يوقف
التفكير في الحل عنده .
إنَّ الحزب اللبناني الإيراني لن يتحول إلى حزب لبناني ما دام زعيمه
وكيلا شرعيا للإيرانيين ، وما دام يرفض أي تعويض عن الدعم الإيراني
بدعم مشروط بتحقيق الأهداف الوطنية للبنان ، خاصة بعد أن خاض اشتباكات
مع الجيش الصهيوني ، ظهر فيها بثوب البطل على حساب الدولة اللبنانية
والشعب اللبناني , وصار يمارس وظيفة (دولة داخل الدولة) باختزال الدولة
اللبنانية في قوته العسكرية ، وشبكة اتصالاته الخاصة ، وخطب زعيمه
السياسية الملتهبة التي ينخدع بها بعض العرب ومنهم بعض القيادات السنية
اللبنانية , وسيطرة بعض رموزه في غفلة من الحكومة على مواقع خطيرة لا
يصح عقلا أن يصل إليها إلا من يتصف بالعقل الرزين والوطنية الصادقة .
فالحزب الإيراني اللبناني لا يريد المشاركة في الحكم كما أكّد زعيمه في
خطابه الأخير , وإنما يسعى لحكم لبنان دون مشاركة من أحد , وإن تعاون
مع بعض الفرقاء لتحقيق مآربه ، وهو ما ألمح إليه زعيمه من قبل إثر
اشتباكاته مع الجيش الصهيوني ، بأنّ من يجب أن يحكم لبنان هو من يحمي
لبنان ومن يقدر على حماية لبنان ، في تجاهل واضح لوقوف اللبنانيين معه
ووقوف بعض الدول العربية في دعم لبنان ليتعافى من آثار تلك الحرب على
البنية التحتية التي أعادت لبنان إلى سنوات ماضية ، والمؤسف أن يعزز
طموحاته دعم غير محدود من إيران ، وضعف الأكثرية السنية واللبنانية
الوطنية , التي يعمقها الانقسام بينهم , وغياب الخطط بعيدة المدى
لتدارك خطورة تنامي هذا الحزب الإيراني اللبناني .
والحل السياسي المعقول في هذه المرحلة يقتضي السعي الحثيث في إعادة
التوازن للقوى اللبنانية الفاعلة , للوقوف في وجه هذه المخططات , ونعني
بذلك دعم ومساندة أهل السنة في لبنان , دعما حقيقيا مشهودا بينهم ، لا
دعما يسمعون به ولا يرونه كما عبّر بعض أعيانهم المخلصين , لأنهم طرف
لبناني أصيل ، وهو طرف أساسي في المعادلة اللبنانية من ناحية , ومن
ناحية أخرى يشكلون عمقا استراتيجيا للدول الإسلامية في مواجهة المخططات
الإيرانية والصهيونية , خاصة أن هناك أغلبية ضعيفة مهزوزة , وهذا يكون
بدعم أعيان السنة المخلصين في لبنان ممن لم يتلوثوا بولاءات أجنبية غير
إسلامية .
وبهذه المناسبة أتمنى أن يتداعى عقلاء السنة في لبنان إلى مؤتمر يبحثون
فيه الحلول الآنية والمستقبلية للحفاظ على هويتهم الإسلامية السنية
وحقوقهم الوطنية ، وأن يلتقوا مع غيرهم من اللبنانيين المدركين لخطورة
الحزب الإيراني اللبناني بجميع أطيافه ، من الشيعة وغيرهم ، للوصول إلى
تفاهمات مشتركة ؛ تكفل إعادة لبنان إلى منظومته العربية والإسلامية ،
التي تتعالى على التجاوب مع المخططات الأجنبية التي تستهدف تفتيت الأمة
الإسلامية والعربية والحفاظ على الكيان الصهيوني والمدّ الرافضي في
نهاية المطاف ولو في المصالح المشتركة لأعداء الأمة .
وإذا كانت إيران لا تجد حرجا في دعمها غير المحدود لحزب الله ، فإن على
الدول العربية التي تدرك خطورة المد الرافضي أن لا تجد حرجا في دعمها
لعمقها الاستراتيجي السني في لبنان ، وأن تعلن احتضانها للقاءات
المقترحة ، فإن مثل هذه الخطوات مهمة للمساهمة في إعادة التوازن
المطلوب في الواقع اللبناني ، والله الموفق .