السؤال :
خلاصة فتواكم حول عورة المرأة للمرأة، أنها من السرة إلى الركبة ما لم تخش
الفتنة
فما عورة المرأة بالنسبة لمحارمها ؟ لا سيما وأن بعض العلماء يقول: إنها تظهر
أمام محارمها –وربما قالوا أمام النساء- ما يظهر غالبا ، كالوجه والكفين
والذراعين والساقين ، ويذكر بعض العلماء أن عورة المرأة للمرأة كعورتها أمام
محارمها، فما الدليل الذي استند إليه من ذهب إلى ذلك؟
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
أخي الكريم .. في الجواب - الذي تشير إليه - قيد لم يتضمنه اختصارك ! فالذي
ذكرتُه هو أنَّ عورة المرأة المسلمة التي يجب سترها أمام المرأة المسلمة هي ما
بين السرَّة والركبة ، سواء كانت قريبة أم بعيدة ، كعورة الرجل أمام الرجل .
وهذا إنَّما هو ذكرٌ للقدر المتفق عليه من حكم العورة - المذكور - بين العلماء
وإن شذّ عنهم بعض أهل الظاهر ، والذي أبدأ به الجواب عند الاقتضاء ؛ وقد جاء
تمام الجواب في العبارة التالية منه : " وعلى كلٍ فينبغي التنبه إلى أنَّ
المرأة المسلمة مطلوب منها الاحتشام والتحلي بالحياء ، فلا تكشف أمام النساء
إلا ما جرت العادة بكشفه أو دعت الحاجة لكشفه ؛ ويتأكد هذا الأمر أمام الكافرات
، وفي المجتمعات التي توجد فيها فاسقات ، ولا سيما في هذا الزمن الذي انتشرت
فيه الوسائل التي يتيسر معها لأهل الشر والفجور تصوير النساء على غِرّة .
وقد نصّ الفقهاء - رحمهم الله - على أنه يجب على المرأة أن تتحجب عن المرأة
والمحرم متى كان يُخاف منه الفتنة . ومن يعرف شيئاً من حقيقة ما يعرف بالإعجاب
بين الفتيات والنساء يدرك معنى كلام الفقهاء رحمهم الله " .
ويدخل في ذلك كل لباس ينافي الستر أو يثير كوامن الفتنة كالبنطال الضيق واللباس
الحاسر أو الشفاف ونحوه .
ومن مواضع الإجماع في مسألة حدود نظر المَحْرَم : تحريم نظر المَحْرَم إلى
محرمه بشهوة مطلقا ، وكذلك عند خوف الاشتهاء .
وأمَّا ما يجب ستره عند المحرم فالأصل فيه قول الله تعالى : (وَلَا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ ) ، و المراد بالزينة هنا – والله تعالى أعلم - مواضع الزينة التي
توضع الزينة عليها عادة ، كالوجه واليدين والذراع ونحو ذلك ، لأن الزينة نفسها
كالقرط والسوار - مثلا - لا حرج في رؤية الرجال لها لو وضعتها صاحبتها في مكان
من الأرض – مثلاً - يراه الرجال ، وكما لو عرضتها للبيع .
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في كتابه القيم أحكام القرآن مبيناً أن المراد
بالزينة مواضعها المعتادة من بدن المرأة : " فاقتضى ذلك إباحة النظر للمذكورين
في الآية إلى هذه المواضع ، وهي مواضع الزينة الباطنة ؛ لأنه خص في أول الآية
إباحة الزينة الظاهرة للأجنبيين ، وأباح للزوج وذوي المحارم النظر إلى الزينة
الباطنة . وروي عن ابن مسعود والزبير : القرط والقلادة والسوار والخلخال " (
3/317) .
ولا يدخل في ذلك ما لم تجر العادة بكشفه عند أهل الإسلام قبل اختلاطهم بالأجانب
، وإن وضعت عليه الزينة في هذا العصر ، ويشتد الأمر حرمة إن كانت الزينة في
ذاتها محرمة كالوشم الذي بدأ ينتشر بين الفتيات تقليداً للأجنبيات من الإفرنج
ومن تشبه بهم ، وكذلك ما جاء على خلاف الفطرة السوية ، ككشف الصدر مثلا ، وهو
أمر يستنكره العقلاء من البشر ؛ فإنَّنا نجد القوانين الأجنبية في البلاد
الإباحية تمنع خروج المرأة أمام الناس من غير ستر لهما مثلا .
وقد سبق أن ذكرت في بعض المقالات - إفحاماً لأهل الباطل - حكم محكمة فرانكفورت
بصحة قرار فصل موظفة من أحد البنوك ، لأنها كانت تلبس لباساً يكشف جزءاً من
صدرها أثناء العمل .
وقبل مدة يسيرة أكّد البيت الأبيض ضرورة احترام قوانين الملابس المحتشمة ! فمنع
البيت الأبيض السماح لدخول غير المحتشمين والمحتشمات – وفق مفهومهم الغربي –
والتشديد في منع انتعال الصندل ! وكذلك ( الشورتات والجينز ) والقمصان الرياضية
! ويشمل المنع من لا يمنعون كممثلي وسائل الإعلام ! وذلك بغض النظر عن الظروف
المناخية !! وهي من بقايا الفطرة التي تنحتها في نفوسهم الليبرالية المقيتة .
ومما يشهد لأهمية إخفاء ما عدا ذلك مما ليس محلاً للزينة المعتادة عند أهل
الإسلام ممن لم تنحرف فطرهم ، وتتلوث أذواقهم ، قول الله تعالى : (وَإِذَا
بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، فلم يفرق سبحانه وتعالى بين من كان من الأطفال
أجنبياً أو ذا رحم محرم ، إلا أن أمر ذوي المحارم أيسر شأنا كما في الآية
السابقة فيجوز إبداء مواضع الزينة المعتادة لهم . وقد ورد عن ابن مسعود رضي
الله عنه أن رجلاً سأله : أستأذن على أمي قال : نعم ، أيسرك أن تراها عريانة ؟
وكذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه في رجل سأله عن الاستئذان على الأخت
. وروي نحو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه مرسل .
وأمَّا الدليل الذي استند إليه هؤلاء ، فجملة من الأدلة منها تأويل الآية
السابقة على معنى ما رأوه ، لما روي في ذلك من أحاديث لا تخلو من نقدٍ لمتن أو
استدلال .
والمسألة مبحوثة في كتب الفقه والتفسير وشروح الأحاديث وغيرها .
والله تعالى أعلم .