السؤال :
قلتم في مقالكم عن المعرفات العنكبوتية :
"و كذلك التسمي باسم من أسماء الله - تبارك وتعالى - أو صفة من صفاته ، التي
اختص بها - سبحانه - : الخالق ، أو القاهر أو ملك الملوك ، ونحو ذلك ؛ ومن أدلة
منعه قول الله عز وجل: ) هل تعلم له سميا ( ؛ فهو استفهام بمعنى النفي ، إذ
المعنى : لا سمي له ؛ فلا يجوز التسمي بأسمائه سبحانه ، و لا يجوز التكني بشيء
من ذلك بحال ، فلا يجوز التكني بأبي العزيز أو أبي البصير مثلا ؛ لقول الله -
عز وجل -) : لم يلد ولم يولد" ( .
فذكرت أنه لا يجوز التسمي بما اختص به سبحانه ، وفي الأمثلة على التكني بشيء من
أسمائه ذكرت مثالا على التكني بشيء لم يختص به سبحانه كـ )العزيز ، البصير (
فهل يحرم التكني بكل اسم لله سبحانه حتى لو لم يكن مختصا به كهذه الأسماء ) ذق
إنك أنت العزيز الكريم ) (هل يستوي الأعمى والبصير (أم المراد : أن يكون قصده
ونيته بالكنية الله سبحانه وتعالى، وما سواه جائز ؟
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
ما ذكرته من أمثلة صرفه السياق عن العَلَمِيَّة ، ومثله ما جاء في القرآن
الكريم من ذكر مقولة قوم هود ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) ، فليس اسما لعلم ،
وإنما جاء وصفا على سبيل التهكم ؛ والممنوع اسم العلم الذي تدخله الألف واللام
الدالة على الاستغراق ، فلا يسمى شخص : العزيز ، بخلاف التسمية بعزيز من غير
الألف واللام . والله تعالى أعلم .
السؤال :
في المقال ذاته ذكرتم التسمي بما فيه تزكية ، وثمة أسماء كثيرة يشتبه وجود
التزكية فيها في هذا الزمان ، مثل اسم: (إيمان) وثمة إشكال يرد على هذه النقطة
، فإذا كان التسمي بأسماء الأنبياء فاضلا ، فأين نذهب باسم النبي (صالح ) عليه
السلام ، هل يكون مع أسماء الأنبياء الفاضلة ، أم مع الأسماء التي فيها تزكية ؟
وكيف نخرجه مما فيه تزكية ، وإذا أخرجنا ألا نخرج ) برة ، وإيمان ، ونحوها ( ؟
وهل هو من باب المكروهات أم المحرمات ؟
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
النصوص الواردة في النهي عن هذه الأسماء جاء فيها التعليل لمعنيين رئيسين :
الأول : حماية المسلم من الإعجاب بالنفس والغرور والتكبر ، بما يتضمنه التسمي
بهذه الأسماء ونحوها من تزكية النفس ، وهو أمر لا يعلم حقيقته في العبد إلا
الله تعالى ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) ، وهذا صريح في نهي النبي
صلى الله عليه وآله وسلم عن اسم برّة : ( لا تزكوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل
البرّ منكم ) رواه مسلم .
والثاني : حماية المسلم من التطير أو التشاؤم ، وما يجلبه من سوء الظن بالله
سبحانه ؛ الذي قد يقع في حال الجواب عن الوجود بالنفي وما يتضمنه من بشاعة
الجواب التي قد تورث شيئاً من التطير والتشاؤم في النفس ، وهو ضد التفاؤل الذي
هو مقصود التسمي بهذه الأسماء ونحوها ؛ وهذا صريح في مثل قول النبي صلى الله
عليه وآله وسلم في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ( ولا تسمينّ غلامك
يساراً ولا رباحاً ، ولا نجيحاً ، ولا أفلح ، فإنَّك تقول : أثمّ هو ؟ فلا يكون
، فيقول : لا " رواه مسلم .
والمنع من التسمي بهذه الأسماء حمله أهل العلم على كراهة التنزيه لا كراهة
التحريم ؛ ومن صوارف النهي عن التحريم : حديث جابر رضي الله عنه : ( أراد النبي
صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى ... ) إلى قوله : ( ثم رأيته سكت عن ذلك
فلم يقل شيئاً ، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عنه ) ، قال
النووي رحمه الله : " فمعناه : أراد أن ينهى عنها نهي تحريم ، فلم ينه ، وأمّا
النهي الذي هو لكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية " ؛ كما أن
اختيار الأسماء من أمور الآداب الشرعية التي يُحمل النهي فيها على الكراهة .
وأمّا ما ورد من الترغيب في التسمي بأسماء الأنبياء فلا يعارض ما سبق لأمور :
منها : ترغيب الشارع في التسمي بها في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : (
تسموا بأسماء الأنبياء ...) رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما ، وصححه غير
واحد من أهل العلم ؛ فدل على المشروعية واستثنائها من النهي ، على فرض دخولها
فيه .
ومنها : وجود الفارق باختلاف العلة ، فالمعنى في التسمي بالأنبياء : رجاء
التأسي والاقتداء بهم في تعظيم الرب والانقياد للشرع ، والصبر على البلاء ،
ونحوه من المعاني ، التي يشير إليها حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، فإنّه
لما قدم نجران سألوه : فقالوا : إنكم تقرءون : ( يا أخت هارون ) ، موسى قبل
عيسى بكذا وكذا ؟ فلما قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأله عن ذلك ،
فقال : ( إنّهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم ) رواه مسلم .
والله تعالى أعلم .
السؤال :
سؤال ثالث في المقال ذاته :
عندما ذكرتم تسمية المدن بأسماء الأنبياء وأن بعض العلماء منع ذلك ، فما رأي
فضيلة الشيخ فيه ؟ وهل يدخل اسم مدينة الخليل في ذلك ؟
الجواب :
من المانعين لذلك شيخ الأزهر الشيخ العلامة / جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله
في جواب له على طلب نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي
بمصر في حينه ، بيانَ حكم تسمية قرى بنجر السكر بأسماء الأنبياء والرسل عليهم
السلام تيمنا بذلك . وهو جواب بناه الشيخ رحمه الله على قاعدة سدّ الذرائع ،
حماية لجناب الأنبياء ، لما في تسمية القرى بهم من تعريضها لما لا يليق بقدرهم
ومنزلتهم إذا اشتجر خلاف أو وقعت خصومة وسباب بين أهل وسكان تلك القرى ؛ وحتى
لا ينسب ما يقع فيها من منكرات وموبقات إلى النبي أو الرسول الذي تنسب إلى اسمه
القرية . وهي فتوى حرّرها في كتابه القيم : ( بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا
معاصرة :3/481-483 ) .
وهو رأي قوي ، ولا سيما أنَّ فيه سداً لذرائع الشرك ولا سيما في الديار التي
توجد بها أضرحة تزار زيارات شركية .
وأمَّا مدينة الخليل هذه المدينة المحتلة - حررها الله من رجس يهود وأعوانهم -
، وإن أطلق عليها الصليبيون ( إبراهام ) ، الذي هو اسم أبينا إبراهيم - عليه
الصلاة والسلام - وهذا اللفظ أعني ( إبراهام ) وارد في القرآن الكريم في قراءة
سبعية متواترة – إلا أنَّ هذه المدينة تسمى مدينة الخليل ؛ وهو اسم تاريخي قديم
فيقال : إنها سميت بهذا الاسم بعد توسع بنيانها في العصور القديمة ووصوله إلى
السفح الذي يُظن أنه مكان بيت نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
وعلى كل حالٍ فالشأن فيما يُستحدث من أسماء ، علماً أنَّ لكلمة ( الخليل )
معاني أخرى منها : الفقير . والله تعالى أعلم .