|
س / السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته ،،،
فضيلة الشيخ: بعض الأزواج والزوجات يضعون أرقاما سرية لهواتفهم النقالة
وحواسبهم الشخصية . فيلجأ الآخر إلى محاولة فك تلك الأرقام لمعرفة الأسرار التي
يخفيها الطرف الآخر فهل هذا جائز شرعا ؟ وهل يعتبر من التجسس على الآخر ؟
الجــواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله !
في الغالب أن داعي التجسس سوء الظنّ ، فيكون الفاعل
لذلك قد ارتكب – في الغالب - محظورين مؤكدين بالنص ، لا محظورًا واحدًا : الظنّ
الآثم والتجسس .. وقد وردت النصوص الشرعية بالنهي عن تجسس المؤمنين على بعضهم
بعد الأمر باجتناب الظنّ الآثم الذي هو أكثر الظنّ ، فقد قال الله عز وجل : (
يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظنّ إن بعض الظنّ إثم ولا تجسسوا ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إيَّاكم والظنّ فإنَّ الظنّ أكذب الحديث ،
ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا
تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ) رواه الشيخان واللفظ لمسلم ، ففيه التحذير
من الظنّ وبيان كونه أكذب الحديث ، وفيه النهي عن التحسس والتجسس ، وقد فسره
شراح الحديث بأنَّ التحسس بالحاء : الاستماع لحديث القوم ، والتجسس بالجيم :
البحث عن العورات أو التفتيش عن بواطن الأمور ، وأكثر ما يقال في الشرّ ، وقيل
: التجسس بالجيم : أن تطلب الأخبار الغائبة والأحوال لغيرك فيكون متضمنا معنى
الغيبة أيضا ، والتحسس بالحاء أن تطلبه لنفسك ؛ كما أن فيه النهي عن التباغض
الذي يؤدي إليه التجسس غالبا
ومما قد يغفل عنه من يتجرأ على هذا السلوك المشين : أنَّ الجوالات النسائية لا
تكاد تخلو من رسائل خاصة بين النساء ، مما لا يجوز له الاطلاع عليه ولو أذنت
الزوج لزوجها بالاطلاع عليه ؛ لحق المرأة الغريبة عليه التي تراسلت مع زوجه في
أمور تُعد من حديث المجالس الخاصة ؛ فبأي حق يطلع على رسائل امرأة غافلة ربما
جاء فيها ما يسوغ بين النساء مما لا ترتضي النساء اطلاع الرجال عليه ، لما فيه
من توسع في الحديث الخاص والمزاح ونحو ذلك, وكذلك الحال بالنسبة لتجسس المرأة
على هاتف زوجها .
وعلى كل حال ، فهذه النصوص من الكتاب والسنة وغيرها مما جاء في النهي عن تتبع
العورات ، صريحة في النهي عن تجسس المؤمنين على بعضهم ، ومن ذلك الأزواج ، فلا
مُخرِج لهم عن دلالة النهي في النصوص.
ومما يؤسِف أنَّ بعض النّاس يظنّ أن عقد النكاح يبيح ما لم يبحه الشرع به من
المحرمات والخصوصيات ، وهذا تصور فاسد ، فعقد النكاح عقد انتفاع لا يجوز به إلا
ما جوزه الشرع ، وما بقي يكون على أصل المنع ؛ ومثله ظنّ بعض الآباء جواز ظلمه
لولده وتساهله في تجاوز حدوده في تربيته ، مع أن الله تعالى قد جعل حمايتهم من
مسؤوليته التي يُسأل عنها بالسؤال عن رعيته ، وقد حرّم سبحانه الظلم على نفسه
وجعله محرما بين عباده ؛ فليحذر المسلم من تجاوز حدوده اغتراراً بالأعراف
الفاسدة والسلوك الخاطيء .
وقد يقول بعض الناس إنه يشك في زوجته لأمور ثبتت لديه ، وهنا يقال له يجب
الانتقال إلى باب آخر وهو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدرجة
التي يقتضيها الحال ، وفي حدود الرعوية الشرعية على الزوج ، على نحو ما ورد في
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رآى
منكم منكرا فليغيّره بيده ) . فإن ضاقت الأمور عن حلول شرعية يبقى معه عقد
النكاح ، فقد جعل الله من أسباب الفرقة الشرعية ما تبقى معه صيانة الحرمات
والتخلص من الآثام ، علما أن هذا هو آخر الحلول من طرف كلٍّ من الزوجين ، بطلاق
أو خلع أو فسخ
.
وفي المسألة تفاصيل في تطبيق النصح والإصلاح وكيفية معالجة بعض المواقف ، ينبغي
أن يستشار فيها بخصوصها من كان على دراية بمعالجة مثل هذه الإشكالات ، نسأل
الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من كل سوء ، والله تعالى أعلم .