السؤال :
ماالحكم فى لبس النقاب (الحجاب) دون موافقة الوالد مع
اقتناعى التام بوجوبه، مع وجود خلافات كثيرة مع الوالد بسبب ذلك الموضوع ؟
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله :
أما بعد .. فجزاك الله خيرا على حرصك على الحق ، والالتزام بالشرع . وسؤالك
مختصر جدا ، وودت لو كان فيه بيان لسبب اعتراض والدك ؛ وعلى كل حال سأفترض بعض
الأمور ، وأفصل في الجواب على النحو التالي :
أولاً : هذه بعض الأمور المهمة في تأصيل الجواب على سؤالك - المختصر - عن حكم
لبس النقاب دون موافقة والدك ، وهي كما يلي :
1) طاعة الوالدين وبرهما من أعظم الطاعات ، وعصيانهما وعقوقهما من كبائر الذنوب
؛ ومن أعظم البر بهما : حب الخير لهما والحرص على هدايتهما ، وإنقاذهما من
الكفر إن كانا كافرين و الفسوق والعصيان إن كانا كذلك ؛ فضلا عن إعانتهما على
الخير والصلاح .
2) أن الطاعة للخلق إنما تكون في المعروف في الشرع ؛ فإذا أمر الوالد أو غيره
بما فيه معصية لله تعالى ؛ فلا طاعة له في ذلك ؛ لقول الله _عز وجل_ : {وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً
أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36 ؛ ولقول رسول الله
_صلى الله عليه وسلم_ : " َ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ
بِالْمَعْصِيَةِ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ " رواه
البخاري .
3) إذا خشي الإنسان على نفسه من الضرر إذا خالف من يأمره ؛ فإن المسألة تكون
مسألة استثنائية تحتاج إلى عرض سؤال مفصل ليمكن تقدير الضرر إن كان مما يبيح
المحظور أو لا ؛ وهي مسألة تتفرع عن قاعدة الشريعة في الموازنة بين المصالح
والمفاسد ؛ وهذا يرجع فيه إلى أهل العلم في كل مسألة بحسبها ، ولا يفتي فيه
الإنسان نفسه بنفسه من غير علم .
4) النقاب جزء من الحجاب المشروع ، الذي تستر به المرأة وجهها ، ويتخلله فتحة
أو فتحتان بقدر ترى منه المرأة طريقها وحاجتها ؛ ولا شك في مشروعية لبسه إذا
كان ساتراً لا زينة فيه ؛ وإنما منع لبسه شرعا للمحرمة فقط ؛ لقول النبي _صلى
الله عليه وسلم_ : ( ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين ) رواه
البخاري . فدل على أن لبس النقاب مشروع لغير المحرمة بعمرة أو حج ؛ وقد كان
النقاب معروفاً في عهد النبي _صلى الله عليه وسلم_ ؛ فإذا كانت المرأة في مجتمع
تلبس نساؤه النقاب المشروع فلا إشكال في لبسه مطلقا ما دام على الصفة المشروعة
.
5) النقاب المشروع هو الذي لا يبدو منه شيء من زينة المرأة ، لا في ذاته كأن
يكون مزركشاً ؛ ولا من خلاله ، كالكحل ، وبعض الوجنتين ؛ فما يبدو منه شيء من
وجه المرأة أو زينتها وإن سماه الناس الآن نقاباً ، إلا أنه يختلف عن النقاب
المشروع الذي كانت تلبسه النساء في العهد النبوي ؛ فلتتنبهي لهذا الأمر .
وانتشار النقاب - غير المشروع - الذي يظهر زينة المرأة ، هو الذي حمل بعض
العلماء في هذا العصر على عدم بالفتوى بجواز لبس النقاب .
6) الواجب على والدك - عفا الله عنه - عكس ما يريد منك ؛ فإن الأب المؤمن مأمور
بأن يأمر نساءه وبناته بلبس الحجاب المشروع ، ومنه ستر الوجه ؛ لقول الله _عز
وجل_ : " يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدْنِينَ عليهن من
جَلابِيبِهِنَّ " ؛ ولقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : ( والرجل راعٍ في أهله
ومسْؤُولٌ عن رعِيَّته ) رواه البخاري ؛ فكان المشروع في حق والدك هداه الله ،
أن يحمد الله _تعالى_ أن جعل من ذريته من يلتزم الحق امتثالا لأمر الله _عز
وجل_ .
ثانياً : بناء على ما سبق .. فلبسك للنقاب المشروع أمام الأجانب ، امتثال منك
لشرع الله _عز وجل_ ؛ وأمر والدك لك بتركه ، أمر بمعصية الله عز وجل ؛ وحينئذٍ
فلا طاعة له في هذا الأمر . فيجب عليك الاستمرار في المحافظة على دينك ومنه
لبسك للنقاب الشرعي ، وبرّ والديك بما لا معصية لله عز وجل فيه ، وإعانته على
الخير ؛ ومحاولة إقناعه- بكل وسيلة مشروعة مناسبة – للعودة إلى الحق ، ويمكنك
الإفادة في إقناعه من العقلاء الصالحين من قرابتك ؛ وعليك بالرفق في نصحه
وإرشاده ، فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول : ( إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ
يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ
، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ) رواه مسلم ؛ و أكثري من الدعاء والتضرع
إلى الله سبحانه أن يشرح صدر والدك للحق .
ولعل مما قد يعينك في كسب رضا والدك ، محاولة إقناعه بالحكم الشرعي ، بالتأكيد
على رجحان قول القائلين بأن جميع بدن المرأة عورة حتى الوجه والكفين . إن كان
اعتراضه لأجل شبهة في حكم المسألة ؛ وإليك بعض الإيضاح الذي قد يكشف اللبس في
المسألة عند بعض الناس :
الأول : أنَّ الفقهاء جميعا - على اختلاف مذاهبم - متفقون على أنَّ ستر الوجه
والكفين أفضل من كشفهما .
الثاني : أنَّ القائلين بأنَّ بدن المرأة كله عورة إلا الوجه والكفين ، يشترطون
لذلك شروطا يغفل عنها كثيرون ، منها :
1) أن لا يؤدي كشف الوجه إلى فتنة الرجال وإثارة الشهوة ؛ وكذلك الكفان بأن لا
يكونان فتنة في ذاتهما ؛ فإذا كان الوجه أو الكفان جميلان وملفتان بذاتهما وجب
سترهما . ومن هنا نص بعض هؤلاء الفقهاء على وجوب ستر وجه المرأة الشابة مطلقا ؛
لأنه لا يكاد يخلو من فتنة .
2) أن يخلوان من الزينة ؛ لأنها مظنة الفتنة وإثارة الشهوة ؛ ومن ذلك استعمال
المكياج وأصباغ التجميل ؛ فإذا كان الوجه قد زين بشيء من ذلك ، أو أن الكفين قد
زينا بصبغهما بشيء من الزينة أو بلبس شيء من الحلي كالخواتم ونحوها ؛ فإنه يجب
سترهما .
ثالثًا / أن الجمال والفتنة نسبيان ؛ فلا يمكن ضبطهما ؛ فقد يكون وجه امرأة ما
فتنا لشخص ، غير فاتن لآخر ؛ وهذا يؤكد أهمية ستر الوجه على كل حال ؛ بل ذكر
بعض الفقهاء أن على المرأة كبيرة السن أن تحتجب عند من يفتن بها ؛ ولكل ساقطة
لاقطة .
رابعاً / أن الأخذ بقول من أقوال الفقهاء لا يكون بمجرد الرغبة والتشهي ؛ بل
لابد أن يكون للأخذ به مسوغٌ شرعي ، وهذا .