|
السؤال :
أعيش في أوربا وسئلت عن الأدلة المانعة في إمامة المرأة،
فأرجو منكم أن تسعفوني بها، وجزاكم الله خيراً.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد ..
فأولاً : الأصل أنّ نصوص القرآن والسنة تخاطب الرجل والمرأة على السواء ،
فالمرأة كالرجل في الأحكام الشرعية إلا ما دلّ الدليل على تخصيصه بأحدهما .
ومما يدل على أصل التساوي في الأحكام الشرعية ، قول النبي _صلى الله عليه وسلم_
: " إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ " رواه أبو داود وغيره ، وصححه
غير واحد من أهل العلم بالحديث .
ومما يدل على تخصيص كل من الجنسين بأحكام ينفرد بها عن الآخر ، النصوص الشرعية
الواردة في بيان هذه الأحكام ؛ فمن الأمور المقرّرة في الشرع الحنيف أنَّ لكل
من الجنسين أحكام تخصّه ، لما بينهما من الفروق الخَلْقية البدنية والعاطفية
والوظيفية ؛ ومما جاء في ذلك : اختصاص الولايات والقيادات بالرجال دون النساء
في الجملة , ولذلك كانت النبوة والرسالة من وظائف الرجال دون النساء , واختصهم
الله عز وجل بالعبادات الشاقة , كالجهاد , والمنتظمة الظاهرة العلنية ، التي
تتطلب حضوراً متكرراً كالجمع والجماعات .
والله _عز وجل_ هو الذي خلق وقدّر ، فجعل التفاضل من سننه في الكون ، ولكنه من
عدله سبحانه لم يؤاخذ المكلّف بنقص لا يَدَ للمكلّف فيه ، بل نهى _سبحانه_ عن
تمني ما لم يقدِّره لأحدٍ من ذلك، ومنه ما فضّل به أحد الجنسين على الآخر إذ
قال : "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا
اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيماً " (النساء/32) أي : لكل من الجنسين نصيب من العمل، فاطلبوا
الفضل بالعمل ، لا بالتمني ؛ لأنَّ ما وقع أمر محتوم لا يفيد فيه التمني ،
ولأنه يقتضي السخط على قدر الله ؛ فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي فضلهم
الله بها على النساء ؛ واسألوا الله من فضله يعطكم .
وثانياً : الإمامة التي وردت في سؤالك غير محدّدة ، والمسألة من الناحية
الفقهية على أقسام ؛ وأظنك تريد الإمامة في الصلاة ؛ وإمامة المرأة لغيرها في
الصلاة : إمَّا أن تكون للنساء ؛ وإمَّا أن تكون للرجال .
فأمَّا إمامتها للنساء ففيه خلاف بين أهل العلم والراجح أنَّها مشروعة ؛ لما
ورد عن عائشة _رضي الله عنها_ أنَّها ( كانت تؤم النساء ، تقوم معهن في الصف )
، وما ورد عن أم سلمة _رضي الله عنها_ أنَّها كانت تؤم النساء في رمضان وغير
ذلك من الآثار التي احتج بها أهل العلم هنا .
وأمَّا إمامة المرأة للرجال فممنوعة غير مشروعة ؛ لأدلة كثيرة ، منها :
1) قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " رواه
مسلم ، فمتى وُجِد رجل لم يجز للمرأة أن تؤمّ ؛ لأنَّ المرأة غير داخلة في لفظة
(( القوم )) فلا يشملها هذا الخطاب ؛ كما في قول الله _عز وجل_ : "يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً
مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ
"(الحجرات11) فقد قسم الله _تعالى_ المجتمع إلى قسمين هما : الرجال وذلك في
قوله ( قوم ) ، والنساء في قوله ( نساء ) ، وعلى هذا فلا تدخل المرأة في عموم
هذا الحديث .
وأما ما روي من أن أم ورقة بنت نوفل استأذنت النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن
تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها ؛ فمع أنَّه قد ضعفه عدد
من أهل العلم بالحديث ، إلا أنَّه على فرض صحته قد جاء مفسراً في رواية أخرى من
رواياته . وقد نبّه إلى ذلك ابن قدامة _رحمه الله_ في (المغني) .
2) قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة " رواه
البخاري وغيره . والإمامة في الصلاة من الولايات الدينية ، وإنما ورد الاستثناء
في صلاة المرأة ببنات جنسها ، ويبقى الحكم على أصل المنع فيما عداه .
3) أنَّ إمامة المرأة للرجال يترتب عليها مخالفة لعدد من النصوص الواردة في
أحكام صلاة المرأة ، من مثل قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : "خير صفوف الرجال
أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " رواه مسلم ، فكيف
يشرع لها أن تكون في موقع يتقدم شرّ صفوف النساء ، وتكون بين يدي الرجال ؟
وقوله _صلى الله عليه وسلم_ : " من رابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح
التفت إليه ، وإنما التصفيق للنساء " رواه الشيخان ؛ فكيف تؤم الرجال وتكبر
وتركع وترفع وتسجد وتجلس وتقوم وتقرأ أمام الرجال وتخطب بين أيديهم وأمام
نواظرهم ، وهي منهية عن تنبيه الإمام بالجملة التي ينبها بها الرجال وهي (
سبحان الله ) ؟ وحديث : (( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ،
وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها )) رواه أبو داود وغيره وصححه غير
واحد من أهل العلم بالحديث ؛ فكيف يحث الشرع على صلاتها في مخدعها ثم يشرع لها
أن تتقدم إماما في الصلاة بالرجال ؟
فكل هذا مما لا يتفق مع أصول التشريع الكلية فيما يتعلق بأحكام المرأة وسترها
والحرص على نقائها وعفتها ، وافتتان الآخرين بها .
4) أنَّه لم ينقل إلينا نحن المسلمين ولو مرّة واحدة أنَّ امرأة كانت تؤم
الرجال ، لا في عهد الصحابة _رضي الله عنهم_ ولا في عهد من جاء بعدهم من
المسلمين، مع أننا وجدنا في بعض بلاد المسلمين مساجد خاصة بالنساء تؤمهن فيها
نساء منهن .
ونصوص علماء الإسلام في عدم جواز ذلك كثيرة جداً ، وقد صرّحوا بأنَّ الرجل لو
صلّى خلف امرأة مؤتماً بها لم تجزئه صلاته ووجب عليه إعادة الصلاة .
وعلى هذا سار المسلمون على مرّ العصور ، حتى نفّذ بعض المتآمرين على الإسلام
خطتهم المعلنة في تغيير أحكام الدين ، فوقع ما وقع في أحد الكنائس الأجنبية من
إمامة امرأة بجمع من الرجال والنساء ، ومما يكشف التآمر : أذان امرأة أخرى بهم
حاسرة الرأس متبرجة المظهر ؛ ولكن المسلمين بحمد الله قد ردّوا على ذلك ونبذوه
برفضهم السماح لتنفيذ تلك المؤامرة في مساجدهم ، وتحدث الناس أن بعضهم من
النصارى العرب جاؤوا لتكثير سواد هؤلاء القوم بعد أن نبذهم أهل الإسلام ، ولم
يحتضن تلك الشرذمة سوى الكنيسة ، وهذه من حكم الله في فضحهم فله الحمد والمنّة
.
هذا والله _تعالى_ أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .