|
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
كيف حالك شيخي الفاضل
يوجد ملحد أو مسيحي أراد مني أن أثبت له أن القرآن لا يحتوي لا كلمات لا معنى
لها ،
و كان يقصد بتلك الأحرف مثل سورة يس و القرآن
على حسب قوله ان أحرف " يس" هي مجرد أحرف لا معنى لها و جائت من عبث
استغفر الله العظيم
و أردت من فضيلتك بعض من الدلائل التي تثبت أن هذه الأحرف اعجاز عملي لكي يصدق
هذا المسيحي و لعلي أكون سبب في هدايته للدين الإسلامي
أرجو الرد للأهمية
و في الختام السلام
أخوكم
أقول مستعيناً بالله العظيم :
ورد في القرآن الكريم تسع وعشرون سورة ا فتُتِحَت بحروف هجائية تُقرأ مقطعةً
بأسمائها هكذا : ألف – لام – ميم .. و كان منها ما افتتح بحرف واحد مثل : ص – ق
– ن .
و منها ما افتتح بحرفين مثل : طه – يس .
و منها ما افتتح بثلاثة أحرف مثل : ألم .
و منها ما افتتح بأكثر من ذلك مثل : كهيعص .
و ليس لهذه الحروف في اللغة العربية سوى مسمياتها التي ينطق بها في الكلمات
المركبة . و لم يرد من طريق صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -بيان للمـراد منها , و لذلك
اختلف أهل العلم فيها اختلافاً كثيراً , و هذه الأراء على كثرتها و تنوعها ترجع
إلى رأيين اثنين :
أولاً : أنها جميعاً مما استأثر الله به و لا يعلم معناه أحد سواه و هذا رأي
كثيرمن سلف هذه الأمة .
ثانياً : أن لها معنى , و ذهبوا في معناها مذاهب شتى نُثِرت في كتب التفسير و
لعل أقرب هذه الآراء إليَّ هي : أن هذه الأحرف ما هي إلا زيادة في التحدي
بالقرآن , بمعنى أن هذه الأحرف ليست مادة غريبة عليكم و لا مجهولة لكم , و رغم
هذا فأنتم لا يمكن أن تأتوا بمثلها مما يدل على أن هذا القرآن ليس من صنع البشر
إنما هو من عند الله تعالى , قال عز و جل : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ
مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ
وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
(البقرة:23)
و قال أيضاً : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88) .
و يقال عزو جل: ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ
مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود:13)
( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ
* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء:192-193-194 )
و يدل قو لـه تعالى : ( نزل به الروح الأمين) .
دلالة قطعية على عدة أمور عدة منها :
1- أن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى و نزل به الروح الأمين و هو جبريل
عليه السلام فأوحاه للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
2- أن هذا القرآن هو من عند الله عز و جل و ليس فيض من نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غير
ذلك مما تقول طوائف من الفلاسفة و الملحدين و أمثالهم .
و قد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء عن بعض معاني الآيات مثل (
حم - ألم – ألمص – حم – عسق ) ( الفتوى رقم 6395) فأجابت بما يلي :
فيه آراء للعلماء , و الراجح أنها ذكرت هذه الحروف – و الله أعلم – في أول
السور التي ذكرت فيها , بياناً لإعجاز القرآن , و أن الخلق عاجزون عن معارضة
بمثله , هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها , و هذا هو
الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله و ارتضاه أبو الحجاج المزي رحمه
الله .
و اعلم أخي الفاضل : أننا نبين الحق كما هو فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
والله الهادي إلى سواء السبيل .
قال تعالى في محكم التنزيل : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ
نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ
كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً)
(الكهف:29).
فنحن يا أخي لا نملك إلا هداية الدلالة لمن في قلبه نور ، فنبين لـه الحق
فيهديه الله , و أنت بِّين لهذا السائل الحق كما هو و اسأل الله لـه الهداية و
لا تحزن إن لم يؤمن , فإن آمن فلله الحمد و المنة على هدايته و لك الأجر و
الثواب لقاء هذا العمل الجليل , و إن لم يؤمن فا الله جعلك حجة عليه في الموقف
العظيم .
و أختم مقالتي هذه بكلام نقلته من كتا ب الفوائد المشوِّق إلى علوم القرآن وعلم
البيان لابن قيم الجوزية رحمه الله , حيث قال : ( روي أن يهودياً في مجلس
المتوكل فأحسن الكلام , و ناظر فعلم أنه من حملة الإعلام و ناضل فتحققوا أنه
مسدد السهام فدعاه المتوكل إلى الإسلام فأبى و أقام بفرط الإ باء على مذهب
الآباء بعد أ ن بذل له المتوكل ضروباً من الأنعام و صنوفاً من الرفعة والاكرام
و راجعه في ذلك مرة بعد أخرى فلم يزده ذ لك إلا طغياناً و كفراً فغاب عنه مدة
ثم دخل إلى مجلسه و هو يعلن الإ سلام و يدين دينه فقال لـه المتوكل : أسلمت ؟
قال : نعم . قال : ما سبب إسلامك ؟ فقال : لما قطعت من عنقي قلادة التقليد و
صرتُ من رتبة الاجتهاد إلى مرتقى ما عليه مزيد نظرت في الأديان و طلبت الحق حيث
كان فأخذت التوراة فنظرت فيها و تدبرت معانيها و كتبتها بخطي و زدت فيها و نقصت
و دخلت بها السوق و بعتها فلم ينكر أحد من اليهود شيئاً , و أخذت الانجيل و زد
ت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئاً , و
زدت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئاً , و
أخذت القرآن و قرأته و تأملته فإذا : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لـه لحافظون )
فكتبت و زدت فيه و نقصت و دخلت السوق و بعته فنظر فيه المسلمون فعرفوا المواضع
التي زدت فيها و نقصت , و ردوا كل كلمة إلى موضعها و كل حرف إلى مكانه , فعلمت
أنه الحق لتحقيق وصفه بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من
خلفه تنزيل من حكيم حميد فآمنت به و صدَّ قت ما جاء به .
و الله الهادي