جرائم الحرب في
غزة ما بين نظرية المعاهدات و استحالة التطبيق
الدكتور مسلم محمد
جودت اليوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، حمدا كثيرا يوافي نعمه ، و يدفع عنا
نقمه . والصلاة ، والسلام على إمام الرحمة والملحمة ، إمامنا و رسولنا محمد بن
عبد الله – صلى الله عليه وسلم – و بعد :
ما بين الفترة و الثانية يصعد الكيان الصهيوني عدوانه على إخواننا في قطاع غزة
، فيقتل عن عمد و إصرار الأطفال ، و النساء ، الشبان والشيوخ ، يهدم البيوت و
المنشآت المدنية و الحيوية .
كما يوجه العدو الصهيوني هجمات بربرية ضد الأماكن المدنية من مساكن مدنية ، و
مساجد و مدارس و جامعات ، و أمثالهم من المنشآت التي لا تساهم في أي عملية
حربية كانت .
كذلك يضرب هذا كيان بكافة الأسلحة الفتاكة جميع سكان غزة دون أن يرحم المرضى أو
الجرحى أو الأسرى بل يقوم ، و بشكل مباشر ، وعن سابق قصد و إصرار بالاعتداء على
الحياة ، و السلامة البدنية بالقتل ، و التشويه ، و المعاملة المتوحشة ، بل وصل
بهم الحال أن يقتلوا عن عمد المسعفين ، و الموظفين المتخصصين في إدارة
المستشفيات .
كما أنه يفرض حصاراً خانقاً منذ عدة سنوات على أهلنا في قطاع غزة ، فيمنعهم من
الحصول على الطعام الدواء ، و إعمار الأماكن التي تم هدمها بقصد إهلاك أكبر عدد
ممكن من سكان قطاع غزة دون أن يستطيع أحد في العالم العربي أو الإسلامي ، أو ما
يسمى بالعالم الحر أن يردع هذا العدوان بأي وسيلة كانت .
و هذا جزء يسير من الجرائم التي يفعلها عن عمد الكيان الصهيوني في حق أهلنا في
قطاع غزة ، و هذه الجرائم تعتبر انتهاكات واضحة للعديد من الاتفاقيات ، و
معاهدات الملزمة لإسرائيل ، و التي منها :
1- اتفاقية جينيف لعام 1949م ، و التي تعهدت بموجبها الأطراف المتعاقدة
على احترام هذه الاتفاقية و كفالة احترامها في جميع الأحوال .
2- اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية
معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر و الموقعة في جينيف
10-10-1980 م .
3- البروتوكول الأول بشأن الشظايا التي لا يمكن
الكشف عنها ، والموقعة في جينيف 10-10-1980 م .
4- المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل رقم 260 لسنة
1990 م وبروتوكولها الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة ، و
التي تدين الهجمات المباشرة على أماكن تواجد الأطفال من مثل المدارس ، و
المستشفيات .
نصت المادة الثالثة من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( في حالة قيام نزاع مسلح
ليس له طابع دولي في أرضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة ، يلتزم كل طرف في
النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية :
1- الأشخاص الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية
، فمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم ، و الأشخاص
العاجزون عن القتال بسبب عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب
آخر ، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية .......... تحظر فيما يتعلق
بالأشخاص المذكورين أعلاه ، و تبقى محظورة في جميع الأوقات و الأماكن :
أ- الاعتداء على الحياة و السلامة البدنية ، و بخاصة القتل بجميع أشكاله ، و
التشويه ، و المعاملة القاسية ، و التعذيب .
ب- أخذ الرهائن .
ت- الاعتداء على الكرامة الشخصية ، و على الأخص المعاملة المهينة و الحاطة
بالكرامة .
ث- إصدار الأحكام و تنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة مشكلة تشكيلا
قانونيا ، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة .
و تنص المادة 6 من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( تطبق هذه الاتفاقية بمجرد بدء
أي نزاع أو احتلال .... ) .
و نصت المادة 27 من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( للأشخاص المحميين في جميع
الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم ، و شرفهم و حقوقهم العائلية و عقائدهم الدينية و
عاداتهم و تقاليدهم . و يجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية و حمايتهم
بشكل خاص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد ، و ضد السباب و فضول الجماهير .
............ ) .
و نصت المادة 31 من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( تحظر ممارسة أي إكراه بدني
أو معنوي إزاء الأشخاص المحميين ، وخصوصا بهدف الحصول على معلومات منهم أو من
غيرهم ) .
و نصت المادة 32 من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( تحظر الأطراف السامية
المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة
للأشخاص المحميين تحت سلطتها . ولا يقتصر هذا الحظر على القتل و التعذيب ،
والعقوبات البدنية و التشويه و التجارب الطبية العلمية التي لا تقتقيها
المعالجة الطبية للشخص المحمي وحسب ، ولكنه يشمل أيضا أي أعمال وحشية أخرى ،
سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون ) .
و نصت المادة 33 من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( لا يجوز معاقبة أي شخص محمي
عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا . تحظر العقوبات الجماعية و بالمثل جميع تدابير
التهديد أو الارهاب . السلب محظور . تحظر تداير الاقتصاص من الأشخاص المحميين و
ممتلكاتهم .
و نصت المادة 53 من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( يحظر على دولة الاحتلال أن
تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات ، أو بالدولة أو
السلطات العامة ، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية ، إلا إذا كانت العمليات
الحربية تقتضي حتما هذا التدمير ) .
إن الكيان الصهيوني يقوم و بشكل متعمد ، و بشهادة العالم ، والأمم المتحدة
بتدمير الممتلكات الخاصة و العامة من أمثال مدارس الأنروا ، و المتشفيات و
غيرهما ، و دون أن يكون لتلك المنشآت أي دور في العلميات الحربية ضد الكيان
الصهيوني .
و نصت المادة 55 من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( من واجب دولة الاحتلال أن
تعمل ، بأقصى ما تسمح به وسائلها ، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية و
الامدادات الطبية ) .
و نصت المادة 59 من اتفاقية جينيف لعام 1949 م : ( إذا كان كل سكان الأراضي
المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية وجب على دولة الاحتلال أن تسمح
بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان و توفر لها التسهيلات بقدر ما تسمح به
وسائلها . ) .
إن دولة الكيان الصهيوني ، و من يتعاون معهم من الحكومات المتصهينة تقوم
بمحاصرة قطاع غزة منذ سنين و تمنع عنه المؤن الغذائية ، و الامدادات الطبية ، و
أدوات إعادة الاعمار .
و مما تقدم نرى أن الكيان الصهيوني قد قام بعدة جرائم بحق إخواننا في غزة وفق
اتفاقية جينيف لعام 1949 م .
كما قام بخرق كل العهود المواثيق الموقع عليها ، فاعتدى على المدنيين ، و
المرضى ، و الجرحى بالقتل ، و التشويه ، و المعاملة القاسية و التعذيب و
الوحشية ، دون أن يخاف محاكمة عادلة أو لوم لائم قادر على محاسبته .
و لعل أهم الجرائم ، و التي يمكن أن يحاسب عليها في عدوانه على قطاع غزة ما يلي
:
أولا- جرائم ضد الأشخاص المحميين :
1- القتل العمد ، و ذلك باستهداف المدنيين بما
فيهم الأطفال والنساء .
2- تعمد إحداث معاناة شديدة ، أو إلحاق أذى خطير
بالجسم ، أو بالصحة .
ثانياً - جرائم ضد الأملاك المحمية :
1- تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية كدور العبادة
، والمدارس و الجامعات .
2- قصف المساكن المدنية العزلاء من أي سلاح .
ثالثاً - جرائم ناتجة عن أسلحة و أساليب غير مشروعة :
1- استخدام أسلحة تقليدية ينتج عنها ضررا بليغا
بالسكان المدنيين و منشآتهم الحيوية .
2- استخدام أسلحة ينتج عنها جراح بليغة في جسم
الإنسان لا يمكن الكشف عنها بالأشعة السينية .
رابعاً - جريمة الإبادة الجماعية :
إن الحصار المفروض على قطاع غزة من الصهاينة ، وأعوانهم يقصد منه حرمان سكان
القطاع من الحصول على المطعم و المشرب و الدواء ، لإهلاك أهل القطاع كليا ، أو
جزئيا ، و هذا الفعل يعتبر جريمة إبادة جماعية بحق أهلنا في قطاع غزة .
و أمام هذه الحقائق الدامغة التي حصلت ، و تحصل في قطاع غزة يمكن لمن يريد أن
يقيم دعوة جنائية أن يثبت تلك الجرائم بوسائل عدة لعل أهمها :
1- شهادة ذوي الضحايا و الجرحى في غزة .
2- وسائل الإعلام المرئية التي تبث صور جرائم
الصهاينة ، وخصوصا الشبكات الإعلامية ذات المصداقية الدولية .
3- شهادات الطواقم الطبية العاملة في قلب الحدث ،
كالصليب الأحمر الدولي ، و الهلال الأحمر الدولي .
4- تقارير الخبراء و الأطباء ، و الفنيين
المختصين بالأسلحة المحظورة دولياً .
و بعد كل هذه المصادر لوسائل لإثبات جرائم العدو الإسرائيلي من يستطيع تحريك
الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ؟
الحقيقة أن العدو الإسرائيلي ليس طرفا في اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الدولية
، و بالتالي تعتبر المحكمة الجنائية الدولية غير مختصة إلا إذا طلب مجلس الأمن
من مدعي المحكمة الجنائية الدولية ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيلين ، و هذا
الأمر لا يمكن أن يتم ما دامت أمة الإسلام كغثاء السيل كثرة في العدد ، دون أي
وزن دولي لحماية شعبها ، و أمنها و حقوقها .
وعليه تعتبر كل الاتفاقيات و المواثيق الدولية حبر على ورق لا تساوي الحبر الذي
طبعت به ، لذلك يجب على أهل الإسلام و قادتهم المخلصين البحث عن طرق أخرى
لحماية شعبنا المظلوم في قطاع غزة ، و لعل من أهم تلك الأساليب الناجحة دعم
المقاومة بكل الوسائل لرد العدوان و استعادة الحقوق .