العدوان على الدين
الإسلامي وثوابته
و فنون الدفاع عنه و المحافظة عليه
الدكتور مسلم محمد
جودت اليوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا يوافي نعمه و يدفع عنا نقمه ، و
الصلاة و السلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله إمام الرحمة و
الملحمة - صلى الله عليه و سلم - و بعد :
كثر في الآونة الأخيرة جرائم الاعتداء على الدين الإسلامي ، و ثوابته بشكل
لم يعرف له مثيل من قبل .
فقد حاول بعض أعداء الدين نشر قرآن محرف بين المسلمين بحجة قراءة أهل البيت
إلى تدنيسه و حرقه ، فكان لابد للأمة الإسلامية و وولاة أمورها من العلماء
الربانيين ، و الحكام الراشدين من الدفاع عن دين ربنا و ثوابته أمام هذه
الهجمات الشرسة من أعداء الأمة الداخليين و الخارجيين الظاهرين و المتحفين
بلباس النعاج أو الذئاب والثعالب .
لذلك أحببت أن أبين لمن يهمه الأمر من أفراد الأمة و أحزابها وولاة أمورها
بضرورة الدفاع عن الدين الإسلامي القويم و ثوابته .
كما أحببت أن أظهر و اذكر بفنون الدفاع عنه و المحافظة عليه لمن أراد ذلك
خوفا من الله تعالى و خوفا على نفسه أولاده وعرضه ، لأن بعد هذه الاعتداءات
سيكون هناك تطاول على الكراسي و العروش بالهدم و التغيير و التدنيس .
فهل تقوم الأمة وولاة أمرها بواجب الدفاع عن الدين ، وثوابته قبل فوات
الأوان ،،،،،، أتمنى ذلك .
عرف علماء الشريعة الدين بأنه : وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة
باختيارهم المحمود إلى الصلاح في الحال ، والفلاح في المآل ) [1]
و عليه فإن أي وضع أو إضافة بشرية سواء كان من العقل أو الهوى أو غيرهما و
إن أطلقوا عليهم مسميات مزهرة ، و ملونة بألوان زاهية لا يمكن أن نطلق عليه
حقيقة ديناً .
قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من
الخاسرين ) .[2]
إن الإنسان مهما بلغ من العلم و الفهم و القوة لا يستطيع صناعة دين أو
شريعة إلا وفيه كثير من الشهوات و الضلالات و الانحرافات التي تؤدي في
نهاية المطاف إلى الهلاك المحقق .
والحقيقة أن الدين الإسلامي الحنيف مصلحته العليا فوق جميع المصالح ، لأن
الدين ضروري لحياة الجماعة ، و الأفراد في الدنيا ، و الآخرة .
والحقيقة أن الحفاظ على الدين الإسلامي الحنيف وثوابته مصلحة عليا فوق جميع
المصالح ، لأن الدين ضروري لحياة الأفراد و الجماعة في الدنيا و الآخرة .
وفي هذه السطور سأحاول بيان طرق و أساليب و فنون المحافظة على الدين
الإسلامي الحنيف و ثوابته ، و مصالحه المتفاوتة ما بين مرتبة الضرورة إلى
مرتبة الحاجة و التزيين و التحسين .
و كل مرتبة من هذه المراتب درجات تكمل السفلى منها العليا ، و أصلها الذي
تقوم عليه هو : الإيمان بالله تعالى .
و سأبين مقامات تلك المراتب و فنون المحافظة على الدين الإسلامي وثوابته ،
و ابدأ بالإيمان بالله و باليوم الآخر :
لقد جاء أمر الإيمان بالله تعالى و اليوم الآخر إلى جميع المكلفين ، و هو
الأصل الذي لا يصح و لا يعتبر أي عمل أو اعتقاد إلا إذا كان مستندا عليه .
وقد جاء القرآن الكريم بطرق شتى لإرشاد أصحاب العقول الرشيدة إلى الحقائق
الكبرى من الإيمان بالله و اليوم الآخر .
لقد جعل الله تعالى طريقين واضحين سهلين ليصل بهما الإنسان إلى معرفة
الحقائق الكبرى .
أحدهما العقل : الذي خلقه الله تعالى و جعله قوة نامية إذا ما تخلص من
الهوى ، فيدرك حقائق العالم المحسوس ، و فوق قوة العقل و نمائه .
أما الطريق الثاني فهو طريق الوحي : الذي جعله الله تعالى لإدراك ما لا
يستطيع إدراكه من أمثال عالم الغيب و ما وراء عالم الشهادة ، فقد دعا
القرآن الكريم الإنسان إلى الإيمان بالله و الحياة الآخرة و غير ذلك من
الحقائق الغير محسوسة و سلك إلى ذلك طرقاً عديدة .
إن الإيمان بالله هو أصل الدين و الإنسان يصل إليه بهداية من الله عن طريق
إرشاد الوحي للعقول بشتى الأدلة ، وإن القرآن الكريم في أدلته و إرشاده
يسلك طرقا عديدة ليجد كل من له عقل ما يناسبه من الحجج ، و البراهين ،
ولا يترك كبيرة ولا صغيرة من أجزاء الكون إلا أشار إليها و نبه العقل
عليهما ، و توجد فيه أنواع من الأدلة التي تسمى بالأدلة الجدلية أو
المنطقية . و القرآن يظل ينتقل بالإنسان من جزء إلى جزء حتى يأخذ بناصية
عقله ، و يقوده إلى الحقيقة الكبرى و هي الإيمان بالله خالق هذا الوجود .
وبذلك يوجد الدين ، فبالإيمان الصادق يوجد الدين و أفضل مصالح الدين ما كان
شريفا في نفسه رافعا لأقبح المفاسد جالبا لأرجح المصالح ، وقد سئل عليه
الصلاة والسلام أي الأعمال أفضل فقال : ( إيمان بالله ) فجعل الإيمان أفضل
الأعمال لجلبه لأحسن المصالح ، ودرئه لأقبح المفاسد مع شرفه ، وشرف متعلقة
، ومصالحه ضربان : أحدهما عاجلة ، وهي إجراء أحكام الإسلام و صيانة النفوس
و الأموال .... إلخ .
و الثاني : أجله هو خلود الجنان ورضا الرحمن .[3]
و بعد هذا نرى بيان طرق المحافظة على مصلحة الدين من جانب العدم ، و هي
أربعة :
الأول – شرعية الجهاد في سبيل الله تعالى بالأنفس و الأموال .
ثانياً – مشروعية قتل المرتدين و الزنادقة .
ثالثاً – محاربة الابتداع في الدين و معاقبة المبتدعين .
رابعاً – تحريم المعاصي ، ومعاقبة من يقترفونها .
أولا – في مشروعية الجهاد في سبيل الله :
بعث الله سبحانه وتعالى محمد – صلى الله عليه وسلم – ليدعوا الناس إلى
سبيله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة .
فقال جل وعلا : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي
أحسن ) سورة النحل ، الآية 125.
إلى أن أكد الله الحجة عليهم ، وبلغهم رسوله الكريم الرسالة فتمادى من
تمادى ، فأيد الله سبحانه و تعالى دينه و نصر رسوله بافتراض الجهاد في
سبيله عليه و على من آمن به ، فقال سبحانه و تعالى : ( كتب عليكم القتال
وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئاً وهو شر
) . سورة البقرة ، الآية 216.
ما هي علة وجوب جهاد الكفار الكفر أم الحرابة ؟
أ - أجمع أهل العلم على أن الله تعالى أمر المسلمين بقتال الكفار ، وإن
الأمر للوجوب ، وأنه فرض على الكفاية إلا في حالات قليلة فيتعين ، وإن حكم
القتال قائم وباق إلى قيام الساعة كلما وجد سببه و الداعي إليه ، وأن
المقصود من شرعية الجهاد المحافظة الدين و ثوابته . وإعلاء كلمة الله
وإزهاق قول وفعل الكافرين .
ب – بعد أن أجمع أهل المعلم المعتبرين بوجوب قتال الكفار اختلفوا في العلة
الباعثة على الأمر بوجوب مقاتلة الكفار فهل وجب قتالهم من أجل كفرهم أم أنه
وجب لأجل حرابهم .[4]
فذهب الجمهور إلى أن العلة هي الحرابة . وذهب الإمام الشافعي ، وبعض أصحاب
الإمام أحمد إلى أن مجرد الكفر هو العلة .[5]
الباعث على قتال الكفار بالنسبة للمجاهد :
القتال يقع لأشياء كثيرة منها الممدوح و المرغوب مثل : القتال لتكون كلمة
الله هي العليا .
وآخر مذموم ، كقتال الرياء و الغضب .
عن أبي موسى قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ،
ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قاتل
لتكون كلمة الله هي العليا ، فهو في سبيل الله ) .[6]
و المراد بكلمة الله ، دعوته إلى الإسلام ، و يحتمل أن يكون المراد بذلك
أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبباً في قتاله طلب إعلاء كلمة الله
فقط ، يعني لو أضاف سبباً من الأسباب المذكورة أخل به وصرح الإمام الطبري
بأنه لا يخل إذا حصل ضمناً ، لا أصلاً ، ومقصوداً [7].
الثاني – مشروعية قتل الزنادقة والمرتدين :
الردة هي : كفر المسلم وتكون بصريح القول أو بلفظ يقتضي الكفر كجحده ما علم
من الدين بالضرورة ، كتحريف القرآن وقذف أمهات المؤمنين بالفاحشة ، و القتل
بغير حق ، أو بفعل يستلزم الكفر التزاماً بيناً كإلقاء مصحف أو جزء منه في
القذر ، وكل فعل يقصد به الاستخفاف بكلماته و شريعته [8]و ثوابته .
و المرتد يستتاب ثلاثة أيام من يوم الردة عليه ، بدون تعذيب . فإن تاب يخلى
سبيله و إلا قتل بالسيف .[9]
أما الزندقة : فهي إسرار الكفر و إظهار الإسلام ، و اتفق أهل العلم على
قتله إن لم يتب ، واختلفوا فيما إذا تاب هل تقبل توبته أم لا ؟ .
فذهب أبو حنيفة ، و أحمد في أظهر الروايتين عنهما إلى أنها لا تقبل.
وهذا يوافق مذهب الإمام مالك ، فإنه القائل بعدم قبول توبته إلا إذا جاء
تائبا قبل الإطلاع على كفره .[10]
ومن المتفق عليه أن المقصود من قتل الزنادقة هو المحافظة على مصلحة الدين و
أبنائه و حمايتهما من عبث العابثين .
و الزنادقة طائفة لا يخلو منهم عصر من العصور أو زمن من أزمان الطيبة أو
غير ذلك . ففي عصر الإسلام الأول كانت طائفة المنافقين الذين أفاض القرآن
بكشف أحوالهم و مكائدهم و لعل أخطر تلك المكائد هي حادثة الإفك .
فأنزل الله تعالى قرآنا يتلى صباح مساء ، فقال جل وعلا : { إِنَّ الَّذِينَ
جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ
هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)} [النور :
11] .
و في العصور التالية للعصر الأول ، ظهرت طائفة الزنادقة الذين حاولوا الكيد
للإسلام بأي وسيلة متاحة لمحاربة الإسلام و المسلمين .
وفي عصرنا الحالي طائفة من الملاحدة الذين جاسوا ديار الإسلام فسادا ،
فتعاونوا مع كل عدو للإسلام والمسلمين للنيل من دين الله تعالى و أتباعه
الشرفاء .
الثالث : محاربة الابتداع في الدين ، ومعاقبة المبتدعين :
عرف الإمام الشاطبي - عليه رحمة الله تعالى - البدعة فقال : أما معنى
البدعة في الشرع : فهي عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ،
يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى .[11]
و الحقيقة أن الابتداع في الدين هو أخطر سلاح لهدم الدين ،و ثوابته و
الانحراف بمقاصده تبعا للهوى ، و الشهوات ، أو الثقة برشاد العقل ، و
الاغترار به ، والخروج عن دائرة ما حدده الشرع .
و إذا كان الأمر على هذه الخطورة ، فما هي العقوبة الزاجرة لأهل البدع و
الابتداع لحماية الدين من الهدم و التشويه و حفاظا على أركانه و ثوابته و
شعائره و مقاصده من الطمس ، والانحراف بأحكامه وقواعده عما وضعت من أجله .
أهل العلم متفقون على معاقبة المبتدع ، و عقوبته تكون بالتعزير ، بيد إنهم
اختلفوا في مقدار تلك العقوبة .
فبعض أهل العلم وصل بها إلى حد القتل ، و بعضهم يقف بها دون أدنى حد و هو
أربعون جلدة ، و بعضهم يجعل العقوبة تبعاً لما تتركه البدعة من مفاسد
متعدية أو قاصرة ، و بذلك تختلف بتفاوت مراتب المبتدعين بحسب الإسرار و
الإعلان ، فالولي الأمر سعة - بحسب ما أرى – في اختيار العقوبة للقضاء على
أهل البدع و مفاسدهم ، و إن وصلت إلى القتل ، و الله اعلم .
رابعاً – تحريم المعاصي و معاقبة من يقترفونها :
الإسلام جاء لنشر الخير و الفضيلة بين الناس ، فلا يصح أن يترك الرذيلة و
رجالاتها و ترتع و تفسد في المجتمع ، لذلك حرم الله تعالى قتل النفس بغير
حق ، و حرم الزنى و شرب الخمر و قذف المحصنات ، و رتب على كل فعل من
هذا عقوبة محددة رادعة للفاعل الجاني ، و شافية لقلوب وصدور المؤمنين .
و قد كلف ولاة الأمور بحراسة الشريعة و حمايتها بإقامة الزواجر التي تردع
الخارجين على حدود الله تعالى و أحكامه القويمة و قواعد دينه و مبادئه
المستقيمة .
كما كلف المجاهدين بالدفاع عن الدين بكل الأسلحة و فنون ، و أصناف الجهاد
جهاد الحرب و جهاد الكلمة .
و بهذه الطرق التي بينت بعضا منها يحافظ على دين الله تعالى ، و ثوابته
فعلى أهل الإيمان الوقوف بجانب كل من يدافع عن دين الله تعالى بكل ما أوتي
من خير مادي أو معنوي ، و الله المستعان .
---------------------
[1] - المرآة في الأصول ، ج1/ 11 .
[2] - سورة آل عمران ، الآية 85 .
[3] - جوامع العلوم ، ص 21 و ما بعدها .
[4] - رسالة القتال لابن تيمية ، ص117.
[5] - رسالة القتال لابن تيمية ص 117.
[6] - سنن ابن ماجة برقم 2783 ، ج2/ 931 و قال عن الشيخ اللألباني حديث
صحيح .
[7] - نيل الأوطار ، ج7/227.
[8] - الشرح الكبير للدرديري ، ج4/301.
[9] - فتح القدير و الهداية ، ج4/386 .
[10] - حاشية ابن عابدين ، ج3/408 . و الشرح الكبير للدرديري ، ج4/306.
[11] - الاعتصام للشاطبي ، ج1/31.