الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا يوفي نعمه ، و يدفع عنا نقمه ، و الصلاة
، و السلام على إمام المرسلين إمام الرحمة ، و الملحمة ، و على آله ،
وصحابته ، و من سار على دربه ، و بعد :
إن المسلمين يتعرضون لكثير من الفتن ، و الهزات و النكبات ، فما إن تنتهي
نكبة إلا و تتلوها أخرى ، و ما يكاد المرء ينسى آلامها ، و آثارها حتى يفجع
بمحنة جديدة أكثر هولاً ، و أشد خطرا .
و المسلمون و حكامهم ، و كثير من علمائهم ، و مثقفيهم في غفلة لا مثيل لها
، لا توقظهم المصائب ، و لا تفيدهم العبر شغلتهم شهواتهم ، و أهمتهم دنياهم
التي غدت كلها مادية ، أو شهوانية يسعوا وراءها بكل جهد وقوة .
و الدين الذي يجب أن يكون المحرك الأساسي في كل جهد ، أو نشاط أصبح ضعيفا
هزيلا في كثير من أفراد هذه الأمة و محركاتها . حتى أصبح اهتمام المسلمين
بإخوانهم خارجا عن نطاق تفكيرهم ، و اهتماماتهم بعد أن كان على غاية من
الأهمية .
بل أن أكثر العلماء قد عجزوا عن تقديم شيء من الدعم المادي ، أو المعنوي
لمن يتهددهم الأخطار نظرا لارتباط كثير منهم بالحكام المهزومين أو بمنهجهم
الانهزامي الذي يتمثل بالمظاهر العبادية فقط من عبادة ، و تراتيل و خطب
جوفاء تكون لمن أراد أن ينام و تغط في نومه سكون و سكينة .
أين أمرهم بالمعروف ، و نهيهم عن المنكر ، و أين قولهم للحق ، و الصدع به و
أين انشغالهم بأمور المسلمين ، و شؤونهم لقد وضعوا كل هذا خلف ظهورهم
لحرصهم على أرزاقهم التي يظنون أنها بأيدي أسيادهم ، و كفى بهذا خطأ وبعدا
عن الله منهجه القويم .
كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يتحدث للمسلمين عن أحوال و شؤون
إخوانهم في الخطب ، و المجالس ، فلو أن امرأ أصابه مرض ، أو حلت به مصيبة
وسط الصحراء وصل خبره إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فأمر أصحابه
الكرام -رضوان الله عليهم - أجمعين بمساعدته و نصرته .
وهكذا كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يشارك بعضهم بعضا و يهتم بعضهم
البعض بالآلام و آمال مصدقا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( مثل
المؤمنين في توادهم ، و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر البدن بالسهر و الحمى ) رواه الشيخان .
و اليوم تحل النوازل ، و المصائب بالمسلمين فتهدد كيانهم و تقضي على الكثير
منهم ، ونحن في شغل عنهم لا نعلم عنهم إلا القليل ، و لا ننشغل في مصائبهم
، و لا نمد لهم يد العون و المساعدة المطلوبة كما يحدث لإخواننا في
الفيلبين الذين يلاقون الأمرين من القتل و التشريد و الفقر الممنهج ، دون
أن ينتصر لهم أحد من إخوانهم إن هذا لشيء عجيب حقا .
لقد أسرع إخواننا مسلمو الفيلبين للجهاد في جميع حروبنا مع أعدائنا ( سواء
مع إسرائيل أو غيرها ) أما نحن فلن نبال بمصيبتهم ، و كأنهم على كوكب آخر ،
و المصيبة الكبرى أننا نتعاون مع أعدائهم ، و خصومهم بكل ود ، و إخلاص و هم
يقتلون إخواننا و يشردونهم لا لشيء إلا لأنهم من أهل القبلة .
فأردت بعد الذي شاهد و سمعت عندما كنت في الفيلبين كمدير لمعهد لتخريج
الدعاة ، أن أذكر المسلمين بواجبهم الشرعي لنصرة إخوانهم المسلمين في
الفلبين ، و أخذ العبرة من هذا ، فإن ما يصيبهم كبير ، و نحن في غفلة عنهم
، وعن مصائبهم .
فأين تقع الفيلبين ، و ما عدد المسلمين فيها ، و ما هي مشاكلهم حتى نذكر
إخواننا بهم فيمدوا يدا العون ، والمساعدة لهم و لآمالهم ، فيحققوا ما
يستطيعون تحقيقه من النصرة و تخفيف الآلام عنهم ؟ .
تقع الفيلبين في منطقة جنوب شرقي آسيا ، وتعد جزءاً من أرخبيل الملايو الذي
يضم أندونيسيا ، وماليزيا ، و سنغافورة ، والفيليبين . ويبلغ عدد جزر
الفيليبين 7100 جزيرة ، بل إن عدد هذه الجزر وينقص يوميا حسب المد و الجزر
.
تبلغ مساحة الفيليبين ما يقارب من ثلاثمائة ألف كيلو متر مربع ، ويبلغ
امتدادها من الشمال إلى الجنوب 1800 كم . وتنقسم هذه الجزر الكثيرة إلى
ثلاثة أقسام رئيسية ، فتقع جزيرة لوزون في الشمال وهي أكبر الجزر ، وتليها
في المساحة جزيرة ميندناو وتقع في القسم الجنوبي الذي يضم مجموعة أخرى من
الجزر يطلق عليها أرخبيل صولو .
أما القسم الأوسط فيعرف باسم فيسايا ويضم مجموعة كبيرة من الجزر .
ويبلغ عدد سكان الفيليبين أكثر من تسعين مليون نسمة ، وهم في زيادة مستمرة
تزيد على المليون سنوياً و نسبة المسلمين منهم أكثر من 16%.
ويتألف السكان من عناصر جنسية مختلفة ، بيد أن العنصر الغالب هو العنصر
الماليزي وكان يطلق عليه اسم اندويوس وفي العصور الحديثة جاء إلى البلاد
الصينيون ، والاسبان ، والأمريكان فنشأ نتيجة التزاوج ما يطلق عليه اسم
المستيزوس ويوجد كذلك مجمعة صغيرة من السود تدعى : نغريتوس يعيشون في
الغابات و على الجبال في المناطق النائية .
ومن أهم مناطق المسلمين في الفيلبين تقع في القسم الجنوبي في الجزر الآتية
:
1- جزر صولو : تشكل شريطا من الجزر يزيد عددها على المئات وعاصمة هذه الجزر
مدينة جولو .
ويدين معظم السكان في هذه الجزر بالإسلام ، ويعملون – أعانهم الله تعالى –
في صيد السمك ، كما يعمل بعضهم بالزراعة . وفي جزيرة جولو تأسست أول سلطنة
إسلامية على يد الشريف أبي بكر الملقب بالهاشمي .
وتكاد تكون هذه الجزر كلها خضراء ، إذ لا تجد بقعة فيها دون نبات سواء أكان
طبيعيا أم زراعة .
ولقد خربت الحرب الدائرة اليوم بين المسلمين و الحكومات الصليبية أكثر هذه
الجزر بالقصف المدفعي من البر و البحر و الجو ، فهدمت المباني ، والمؤسسات
، والمساجد ، ولم يبق من مساجد مدينة جولو مثلا سوى عدة مساجد بعد أن كانت
تعج بها . وانتقل كثير من الأهالي إلى الغابات و الأماكن النائية ، حتى أن
المعاهد ، و المدارس أضحت في تلك الجهات المعزولة ، ويعيش الآن في حالة
بائسة تحاربهم القوات الصليبية و الفقر والتجاهل الإسلامي .
2- جزيرة بالاوان : معظم سكان الجزيرة من المسلمين ، وقد نال سكان الجزيرة
ما نال بقية مناطق المسلمين من خراب و تدمير و إبادة و إحراق للمزارع ،
ونهب للممتلكات ، و لا يزال هذا القتل و التشريد بحق المسلمين إلى اليوم و
لا أحد يهتم لأحد إخواننا ، و الله المستعان .
3- جزيرة مينداناو : و هي ثاني كبريات جزر الفيلبين بعد لوزون و تبلغ
مساحتها 140 ألف كم2 و أكثر سكانها من المسلمين و إن هجروا و أبدوا من
المناطق الشرقية بسبب الغزو الصليبي للمسلمين .
و بعد أن أوردت جميع هذه المعلومات للمسلمين - أفراداً و مؤسسات حكومة و
أهلية - لمد يد العون لإخوانهم ، و للتحقيق بعض أحلام ، و آمال هذا الشعب
والمظلوم ولعل أهمها ما يلي :
أ- الحكم الذاتي للمسلمين في مناطقهم بحيث يضمن لهم دينهم ، و جميع
الضروريات التي تحفظهم .
ب- الدعم المادي و المعنوي المتمثل بفتح الجامعات لمختلف العلوم و خصوصا
العلوم التي تربطهم بأمتهم .
ت- تكوين محاكم خاصة بمناطق المسلمين التي تطبق فيها الشريعة الإسلامية .
ث- تكوين نظام مالي واقتصادي خاص بالمسلمين يضمن لهم الاستقرار و العيش
الكريم .
ج- إنشاء سلطات أمن خاصة بالمسلمين في مناطقهم ومدهم بما يلزمهم من تدريب
و سلاح مناسب لذلك .
ح- تشكيل مجلس تشريعي و مجلس تنفيذي على أن يتم تشكيل المجلس التشريعي عن
طرق الانتخاب المباشر .
خ- كما يجب السعي لإطلاق سراح جميع الأسرى المسلمين لدى السلطة الفيلبينية
.
د- السعي لعودة جميع المهجرين إلى مناطقهم مع عودة أملاكهم وصرف التعويضات
المناسبة لذلك .
ذ- يجب عدم قبول أي سفير من السفراء الفيلبينيين لدى الدول العربية و
الإسلامية إلا إذا كان مسلما لمساعدهم على تكوين قيادات مسلمة لها معارف
عربية و إسلامية لدعم بلادهم و شرح أوضاعهم .
ر- إرسال الكوادر العلمية لتعليم المسلمين العربية و علوم الشريعة فهم
باشد الحاجة لهذا كما يجب قبول طلابهم في جامعاتنا بجميع الاختصاصات
اللازمة لبناء بلادهم و الدفاع عنها .
وفي الختام أود أن انوه أن لبعض السعوديين أياد بيضاء في مساعدة المسلمين
في الفيليبين ، فقد بنوا لهم آلاف المساجد ، و العشرات من المدارس ، و
المعاهد العلمية ، و قد خفروا لهم الآلات من الآبار ، و غيرها حتى كان يتم
توزيع الإعانات من أمثال اللحم ، و التمر و اللباس في الأعياد ، و غيرها من
المناسبات الإسلامية ، فيا ليت كثير من الشعوب الإسلامية حكومات و منظمات
أهلية و غير أهلية تمد لهم يد العون كما يفعل هؤلاء فبارك الله بكل من يمد
يد العون للمسلمين لبناء بلادهم و الدفاع عن حقوقهم .
خاص
بالحملة العالمية لمقاومة العدوان
( قاوم ) http://qawim.net