الحمد لله رب العالمين حمدا
كثيرا يوافي نعمه ، و يدفع عنا نقمه . والصلاة و السلام على إمام المرسلين
نبي الرحمة و الملحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله سلم ، بعد :
وهذه دراسة واقعية حاولت من خلالها أن أعري حزب من أشد الأحزاب خطورة في
عالمنا العربي ، حزب استغل كل شيء يقدر عليه أو يمكن استغلاله .
استغل العباد ، و الموارد و الأفكار بل حتى الأديان ، و كل ما يستطيع
استغلاله للبقاء ، و الاستمرار .
و قد أطلقت عليه الحزب الأوحد ، لأنه لا يريد أن يشاركه أحد في أي شيء لا
في السلطة و لا في السلطان .
و عليه سوف نبحث في النقاط التالية :
أولا – الحزب الأوحد ، والمشاركة السياسية .
ثانيا – الحزب الأوحد ، و الشرعية السياسية .
ثالثا – الحزب الأوحد ، و التكامل القومي .
و الله الموفق ، و به ثقتي
أولا – الحزب الأوحد ، و المشاركة السياسية :
أعتقد أن من مهام الأحزاب بشكل عام التمثيل السياسي لمختلف أصناف الشعب
لتنظيم مصالحهم ، و الدفاع عنها .
و ربما تصاغ تلك المهام في شكل أكثر وضوحا و تحديدا لتشمل :
اختيار العناصر القيادية للمناصب الحكومية و العامة ، و وضع المناهج و
البرامج للحكومات للتحقيق المصالح الاجتماعية من خلال تلبية مطالب مختلف
الأحزاب ، و التوفيق بينها .
هذا من حيث الفلسفة أو النظرية ، أو بما يجب أن تكون عليه الأحزاب بشكل عام
.
بيد أن الأمر يختلف جذريا في البلدان الضائعة ، و الشعوب المستغلة في
عالمنا العربي التي تزعم تلك الأحزاب أنها تريد التنمية و التحديث ، و هي
في الحقيقة تسعى لتنمية نفسها ، و قياداتها على حساب الشعب ، و قوته و
حريته و ثرواته المادية و المعنوية .
فالأحزاب المسيطرة على السلطة في عالمنا العربي تستغل كل شيء لحساب تنمية
سلطها و سيطرتها ، فهي تستخدم كافة المنجزات التكنولوجية المتاحة للسيطرة و
القهر و الاستغلال في كل الدولة ، و مؤسساتها في المدارس ، و الجامعات ، و
المصانع ، و المشروعات التجارية و السياحية ...... إلخ .
فأصبح المواطن المسكين يشعر بالغربة ، و الاغتراب و هو في بلده ، و وطنه
الأمر الذي قد يخلق الحاجة الماسة إلى هوية جديدة ، و ولاءات جديدة أيضا
تكسبه ما فقد .
مما قد يفتح الباب على مصراعيه إلى الصراع العنيف في المجتمع ، و جميع
طبقاته وخصوصا لدى الطبقة الفقيرة التي ازداد عدد أعضائها بشكل مفزع ، و
مخيف .
و رغم كل هذا نجد أن الطبقة - ( الذين لا يبلغ تعدادهم إلا بعدد اليد
الواحدة على الأغلب ) - المسيطرة ترفض الإصلاح الحقيقي للحفاظ على ما لا
يمكن الحفاظ عليه إلا بهذا النهج في الاستغلال و الاستعباد لجميع طبقات
الشعب و مقدراته و ثرواته .
و السؤال المهم في هذا المقام ، ما هي العوامل والأسباب التي تمنع الطبقة
المسيطرة من الإصلاح الحقيقي ؟ :
الحقيقة أن هناك عوامل ، و أسباب كثيرة تمنع الفئة المسيطرة على مقدرات
الأمة من أي خطوة حقيقية للإصلاح منها :
أ- العامل القيمي الذي تتبناه النخبة المسيطرة على مقدرات البلاد و العباد
:
هذه النخبة تنظر إلى الإصلاح الحقيقي للبلاد على اعتبارها نوعا من التهديد
المباشر لسلطانها ، و كيانها ، و استمرارها . فأي إصلاح سيؤدي بوجهة نظرها
و منهجها إلى الإطاحة بها لأنها لم تزرع إلى الشوك لشعبها و مناهضيها.
ب- العامل الثاني ، فهو متصل بالعامل الأول بشكل مباشر الذي يتمثل
بالتصالح ، و مشاركة المعارضين للنظام القائم .
فليس من المتصور أن تسمح تلك الفئة المسيطرة على مقدرات البلاد ، و العباد
بالسماح لأي جماعة ، أو حزب أو مؤسسة مدنية بالظهور العلني ، أو حتى المخفي
، و إلا كان القمع هو الاستجابة المتصورة لظهور أي معارضة حقيقية للنظام ،
و سلبياته و أركانه .
ج – أما العامل الثالث : فهو ذو طابع سيكولوجي :
يتضمن بأن النخب الجديدة في الطبقة – إن صح التعبير - المسيطرة على مقدرات
البلاد تجد صعوبة شديدة في تقاسم القوة أو السلطة حتى لو كان بشكل جزئي .
فأي تنازل أو تقاسم سعني – بحسب تصوره – أن أيام بقائهم في السلطة أصبح
معدودا . مما يعني أنه يجب التمسك بالسلطة بكاملها حتى لو كان على حساب
حريات ، و حقوق معظم فئات الشعب ، لأن هذا يضمن لهم البقاء ، و الاستمرار
في السلطة ، و القوة .
وقد تضطر أمثال هذه السلطة إلى تشكيل بعض الأحزاب الشكلية للمشاركة
المحدودة في السلطة دون أي سلطان حقيقي ، فهي قد تعطيهم بعض الوزارات غير
السيادية من أمثال وزارة الثقافة و الرعاية والشباب لكي تدور في فلك النظام
، فيردد أفعاله و أقواله .
و عادة قيادة الحزب الأوحد تستخدم ، و تستغل الحزب ، و جميع أعضائه و
أفكاره جنبا إلى جنب مع القوة القمعية للدولة لتحقيق أهدافها المبتورة و
الأنانية .
ومن المهم الإشارة إليه فيما يتعلق بالمشاركة الفعلية لأعضاء الحزب الأوحد
الحاكم ، فالنظام عادة لا يسمح لجميع أعضائه بالسعي الجاد للتطوير ، و
التحديث إلا في حدود ما يضمن له السلطة ، و السيطرة الكاملة فمن لم يدور في
فلكه فالعزل و التغيب القصري في المرصاد .
و في الحالات النادرة التي يسمح في بالمشاركة الكاملة ، فهو إما أنه لا
ينظر لهذه المشاركة على أنها تهديد خطير لبقاء نظامه ، أي أنه يعتبر نظامه
، و كيانه أقوى من أي تهديد قد يتعرض له النظام و أركانه من خلال هذه
المشاركة الهامشية الشكلية .
من ناحية ثانية هناك اختلاف بين النظم الحزبية المختلفة في قدرتها على
تحقيق المشاركة .
ففي نظام الحزب الأوحد لا يمكن للقوى الاجتماعية الجديدة المشاركة في
النظام السياسي إلا من خلال الدخول لهذا الحزب ، أو الدوران في فلكه نفاقا
أو مرغما للقمة العيش أو طمعا في سلطان بال .
وبذلك تتسم السبل التي يتيحها أمثال هذا النظام بالبساطة ، وعدم التعقيد و
محدودية الطرق المتاحة لاستيعاب القوى الاجتماعية الجديدة أو المهمشة .
كما يمكن لقادة هذا النظام ممارسة درجة عالية جدا من السيطرة على تعبئة
الجماعات الجديدة فيه ، و لكنهم لا يخضعون لضغوط تنافسية من أجل اجتذاب
الجماهير ، و بالتالي ضمان استمرارهم في السلطة و الحكم .
و الملاحظ أن هناك ارتباط قوي بين قوة الحزب الأوحد ، واستمراره ، و بين
قدرته على اجتذاب قوى اجتماعية جديدة خصوصا من القوى المثقفة التي لا تحمل
أي التزام اتجاه الذات الإلهية أو الضمير الحي من أجل الحصول على الوظائف و
الفرص الوظيفية ، و التدرج بها ، و ربما القفز إن أمكن ذلك .
فالمثقف الذي لا يكون من أعضاء الحزب الأوحد لا يمكنه أن يعمل في أي جهاز
من أجهزة الدولة مهما كانت شهادته العلمية ، و اختصاصه الدقيق النادر المهم
للشعب ، و الوطن لتطويره و تحديثه .
على أن السعي المتزايد لدى الحزب الأوحد إلى استيعاب القوى الاجتماعية
باستمرار قد يحقق السيطرة الشمولية على جميع القوى الجماهيرية .
بيد أن ذلك سوف يؤدي لا محالة إلى إضعاف وحدة ، و انضباط أعضاء الحزب
الأوحد .
لذا فإذا ما عجزت قيادات الحزب عن استيعاب تلك القوى الاجتماعية الجديدة ،
أو المتزايدة ، فإما أن ينتهي نظام الحزب الأوحد ، وإما أن يستمر هذا
النظام معتمدا على القمع ، و معرضا في أي لحظة للانهيار ، و الاضمحلال في
مزبلة التاريخ .
ثانيا – الحزب الأوحد ، و الشرعية السياسية :
لا جرم أن جميع الأحزاب ، و الجماعات غير الدينية أو التي لا تتخذ من كتاب
الله تعالى و سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دستورا لا يمكن أن توصف
بالشرعية أبدا إلا تبريرا لأعمالها أو شراء لصفة المشروعية شراء قهر أو
اغتصاب .
و بناء على هذا ، فإن أمثال هذه الأحزاب تعاني مرضا مزمنا في الشرعية لا من
منظار أهل القبلة فقط ، بل حتى من منظار أركانها ، و أعضائها ، و مؤسسيها و
مناظريها .
فهي تشتري مناظريها شراء بالسلطة حينا ، و بالإرهاب حينا آخر ، ولا بأس
بالتعاون مع من يستطيع أن ينعق لصالحها ، أو يجد ذلك وفق المعايير المحلية
والعالمية .
و يا ليته يلبس العمة ، و يقول في بداية حديثه : ( بسم الله الرحمن الرحيم
) ما دام يشرعها ، و يدافع عنها ، و عن أهدافها ، و أساليبها و شرعية
استمراريتها ، و قمع و استغلال شعوبها .
ثالثا – الحزب الأوحد و التكامل القومي :
فمفهوم التكامل القومي بشكل عام يعني :
اندماج العناصر الاجتماعية ، و الاقتصادية ، و الدينية ، و العرقية ، و
الجغرافية في الدولة القومية الواحدة .
و هذا المفهوم ما بين الحزب الأوحد والتكامل القومي يتضمن عنصرين من حيث
النظرة لا التطبيق :
أولهما : قدرة الحزب الأوحد على السيطرة على جميع أقاليم البلاد الخاضعة
لسيادته .
ثانيهما : توافر مجموعة من الاتجاهات لدى أكثرية الشعب إزاء الأمة عموماً
لتشمل الولاء ، و الإخلاص لآمال الأمة القومية فوق الاعتبارات المحلية
الضيقة .
والحزب الأوحد عادة يستغل هذا أبشع استغلال للقضاء على مخالفيه بحجة الأمن
القومي للأمة ، فيبيع الأمة ومقدراتها بهذه الحجة ، وأمثالها .
وخلاصة ما قلنا و كتبنا يتبين لنا أن كابوس الأحزاب اللادينية وراكبها
الحزب الأوحد هو غول هذا الزمان القابع على صدور الأمة وتطلعاتها في النهضة
، والتحرر والتنمية ولا يمكن لأي أمة تريد التنمية والتحرر، و يتربع على
صدورها أفكار لادينية وحزب أوحد يستغلها وقيادات معدودة على أصابع اليد
الواحد .
فأي أمة تلك تريد أن تنهض و تتحضر و تتقدم ، وهذا الكابوس يتربع فوق صدرها
.