|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الناس أجمعين ، وعلى آله
الطاهرين ، وصحبه الصادقين .. أما بعد ؛
نشرت صحيفة (ألوان) –حفظ الله أهلها – بالعدد (4085) ، الصادر في يوم الاثنين
22 من ذي الحجة 1428هـ مقالاً بعنوان : ( تهنئة النصارى بأعيادهم من البر) ،
لفضيلة الشيخ الدكتور / يوسف القرضاوي –عافاه الله وشفاه وحفظه ورعاه - .
ولي ملاحظات تتعلق بهذا المقال ، وهي لا تحط من مكانة الشيخ القرضاوى رعاه الله
، وهي :
أولاً :
قال وفقه الله : ( أجيز تهنئتهم إذا كانوا مسالمين للمسلمين ) .
والإمام ابن القيم رحمه الله حكى الاتفاق على حرمة هذه التهنئة ، قال رحمه الله
:" وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم
بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهنأ بهذا العيد ، ونحوه . فهذا
إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ،
بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر ، وقتل النفس ،
وارتكاب الفرج الحرام ، ونحوه . وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا
يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله
وسخطه ، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات ،
وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء ؛ تجنباً لمقت الله وسقوطهم من
عينه " [أحكام أهل الذمة (1/441)] .
إذاً فهذه مسألة متفق عليها ليس لأحد بعد ذلك أن يحدث قولاً مغايراً ، ولو كان
فيها خلافٌ لاعتذرنا لمن قال بذلك ، ولكنَّ المسألة محل اتفاق بين العلماء .
ثم إني أسأل سؤالاً : لو زنا زيدٌ أو شرب الخمرَ بكرٌ فهل يجوز لي أن أهنأه
بذلك ؟ لا شك أن الجواب : لا . لماذا ؟ لأنَّ من باشر منكراً فإنه يُنكر عليه
ولا يهنـأ به ، ولو قيل بتعزيته بدلاً عن تهنئته لكان أولى !
والأعياد من الدين ، فما من دين إلا وهو مشتمل على بعض الأعياد ، ولهذا قال
النبي صلى الله عليه وسلم : :« إن لكل قوم عيداً ، وإنَّ عيدنا هذا اليوم - ليوم الأضحى- » [
أخرجاه في الصحيحين ] . ولا شكّ أن دين النصارى باطل ، قال تعالى :{ إِنَّ
الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران :19] ، وقال :{ وَمَن
يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا} [آل عمران :85] ، وقال المصطفى حبيبنا صلى الله عليه وسلم
:« وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ
بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» [أخرجه مسلم]
.. أقسم صلى الله عليه وسلم وهو الصادق بدون قسم .
فدين النصارى باطل ، والأعياد من الدين ، ولا يجوز أن يُهَنَّأ أحدٌ بباطل ،
فكيف تسوغ تهنئة النصارى بعيدهم ؟!
ثانياً :
جاء في المقال الذي نشر في الصفحة الثانية عشرة :" وتهنئتهم من البر الذي لم
ينهنا الله عنه ، بل يحبه ، كما يحب الإقساط إليهم ". ثم ذكر الشيخ –وفقه الله
– الآية :{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الممتحنة :8] .
وأقول :
أ/ الشيخ حفظه الله ينص على أنّ الله يحب تهنئتهم ، والله يقول :وَاللّهُ لاَ
يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة :205] . وكل معصية فهي من الفساد . قال الطبري رحمه
الله في تفسيرها :" والله لا يحب المعاصيَ" [جامع البيان (4/243)] .
ومن أنواع المعاصي أن يُهنَّأَ عبد بمعصية أو إقامة شعائر الكفر .
ب/ أليس قد قال الله تعالى :{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا
مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا 72} [الفرقان :72] ؟ وقد نقل القرطبي
المالكي عن ابن عباس وغيره أنّ الزور أعياد المشركين . فهل يتناقض القرآن
الكريم ؟ في آية يمدح الله عباده بعدم شهود أعياد المشركين ، وفي أخرى يخبر
بحبه لتهنئتهم ؟ هذا لا يمكن . إذاً المراد بالبر الإحسان إليهم ، ومن الإحسان
زيارتهم ، والترفق بهم ، ودعوتهم إلى الإسلام ؛ لتخليصهم من عذاب الله ،
وتعزيتهم بدون دعاء لميتهم بالمغفرة ، والتصدق عليهم ..وغير ذلك كثير . وليس من
البر أن نشهد أو نهنئ بعيدهم ؛ لأنّ الذي أمر بالبر مدح على ترك ذلك وكلام الله
لا يتعارض ، وقد قال تعالى :{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ
مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:
82] .
ج/ ماذا يقول الشيخ حفظه الله في أن يذهب مسلم للصلاة مع جاره النصراني في
الكنيسة ويردد أنّ عيسى ابن الله ؟ لا أشك أنه لا يبيح مثل هذا ، بل ويحكم بكفر
من فعله ..
لماذا لا يعده براً ؟ وقد أمر الله بالبر ؟ إذاً البر أن تحسن إليهم بغير معصية
الله . وقد سبقت الإشارة إلى أنّ التهنئة بالأعياد معصية لله .
ثالثاً :
استدل الشيخ – حفظه الله – بقول الله تعالى :{ وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ
فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]، ولا إخال أنَّ
أحداً يخفى عليه معنى الآية : أنّ من سلّم علينا بتحية رددنا السلام عليه بمثله
أو بأفضل منه .
وليس مراداً : أنّ النصراني إذا هنأ مسلماً بعيده فإنّ المسلم يهنئه ، فالقرآن
لا يُضرب بعضه ببعض .
أرأيت أيها القارئ الكريم : لو قال لك نصراني سلامٌ من ابن الله عليك ؟ فهل
يسوغ أن ترد عليه بقولك : وعليك سلام ابن الله ورحمته وبركاته ؟ الجواب : لا .
لماذا؟ لأنه لا يسوغ لنا أن نجاري أحداً في معصية الله . فكذلك وإن هنأنا
بعيدنا فإننا نقبل تهنئته ، ونحسن إليه بالبر ، ولا نهنئهم بعيدهم .
رابعاً :
دعا فضيلة شيخنا إلى تسميتهم بالمواطنين بدلاً عن أهل الذمة .
والذي أريد أن ألفت النظر إليه أنّ نصارى اليوم لم يقل عالم واحد إنهم من أهل
الذمة . لن تجد واحداً سماهم بأهل الذمة ، لماذا ؟ لأن الذمي من يدفع الجزية ،
هذه لا خلاف فيها ، لا وجود لأهل الذمة في يومنا هذا ، والكفار على أربعة أقسام
:
القسم الأول : الكافر المحارب ، الذي اجتمعنا معه في معامع القتال ومواقع
النزال .
الثاني : والذمي ، وهو من يدفع الجزية لولي أمر المسلمين كل عام .
الثالث : المعاهد ، وهو من كان بيننا وبينه عهد لمدة معينة أو مطلقة ، كالذين
عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين بصلح الحديبية .
الرابع : المستأمِن الذي أُعطي أماناً من مسلم أو دولة .
ولا أظن أنّ شيخنا يغفل عن هذا ، ولعله خطأ طباعي ، والعلم عند الله .
في الختام :
أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
.
مهران ماهر عثمان
خطيب مسجد خالد بن الوليد بأركويت 63
qqoopp231@gmail.com