|
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين ، وعلى آله
وصحبه أجمعين ، أما بعد ؛
فقد نُشر مقال للدكتور يوسف الكودة بجريدة الرأي العام ، يوم الجمعة 3/6/1427 ،
وفق : 30/6/2006م ، بعنوان : الواقي الذكري يقلل من خطر الفاحشة .
وسبق أنْ أرسلتُ هذا الردَّ لذات الصحيفة يوم الاثنين 5/6/2006م ، ولكنه لم يجد
طريقه إلى النشر ، وهذا مما يُؤسف له ، ولكن مما يثلج الصدر أنَّ الساحة مليئةٌ
بالإصدارات التي تُعنى بدحر مثل هذا الهراء ؛ فنشر التعقيبات والردود الهادفة
يجب أن يكون شعيرةً لا شعاراً !!
ولي مع مقال د. الكودة الوقفات التالية :
أولاً :
حرَّمت الشرائع كلُّها : الإسلامية واليهودية والنصرانية جريمة الزنا ، وبينت
شريعتنا الإسلامية ما يترتب عليه من المفاسد العظام ، وعلى رأسها أنها جريمة
تقود إلى سفك الدماء، فلا غرو من أنْ تجد الاقتران بين الزِّنا والقتل في
موضعين من القرآن : (الفرقان:68) ، و(الممتحنة : 12) . وفي سورة الإسراء أُودعت
آية الزنا بين آيتي القتل (الإسراء:31 و 33) وذلك " لأن الزِّنا نوع من القتل ؛
فإنه يضيِّع الأنساب ومن ضاع نسبه فهو ميت حكماً "[روح المعاني للألوسي
(15/17)] . ولأنَّ من دُنِّس فراشه بهذه الجريمة لا يهدأ بالُه –في الغالب- إلا
بعد قتل طرفيها ، ولأنَّ المرأة التي وقعت في أوحالها وتحرك ابنُ الحرام في
أحشائها ربما تخلصت منه قبل تمام أمده أو بعد خروجه .
ثانياً :
وضعت الشريعة الإسلامية تدابير سامية للوقاية من هذه الفاحشة ؛ فأمرت بما من
شأنه أن يستأصل شأفتها : كالصيام، والتكافل، والنكاح، والحجاب، والاستئذان، وغض
البصر، والقرار للنساء في البيوت ...
ونهت عما من شأنه أنْ يدني منها : كالخمر، والتبرج، والخلوة، والاختلاط، وسفر
المرأة بلا محرم، والخضوع بالقول ...
فكان الأجدر بيوسف الكودة أن يشير إلى هذه التدابير القرآنية بدلاً من أن يأتي
بما من شأنه أن يسهل الوقوع فيها.
ثالثاً :
إذا تدبرنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( لم تظهر الفاحشة في قوم قط ،حتى يعلنوا بها ،
إلاَّ فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا))
[خرَّجه ابن ماجه ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم(4019)]
أقول : إذا تدبرنا هذا الحديث نجد أنَّ من لا ينطق عن الهوى رتَّب انتشار
الأمراض – وما الإيدز إلا واحداً منها- على انتشار الزنا، وليس على الزنا بدون
واقي . فيقيني أنَّ من خلق هذا الفايروس قادر على أن يبطل مفعول هذا الواقي ،
وقادر على إيجاد غيره مما لا يؤثر الواقي في تقليل الإصابة به ؛ فانتشار
الأمراض نتيجة حتمية من انتشار الفاحشة سواء اتُخذ الواقي أم لم يُتخذ .
فما للكودة قد غفل عن هذا ؟
رابعاً :
ما اعتمد عليه يوسف :
((الزنا بلا واقي يساوي زنا وانتشاراً للمرض، والزنا به يساوي زنا بلا مرض)) .
ورتب على ذلك أن ارتكاب أدنى المفسدتين بتفويت أعلاهما مقتضى العقل .
أقول : نِعْمَ الدليلُ وبئس الاستدلال ..
أما نعم الدليل فلأنَّ ما قرره قاعدة عظيمة من القواعد الفقهية .
وأما بئس الاستدلال فلأن الاستدلال بهذه القاعدة لا تُسعف زعمَه ، يُجلي ذلك
أمران :
الأول : ما سبق تقريره من أنَّ انتشار الأمراض لا بد أن يقع ما دام الزنا
واقعاً ، سواء استعان العاهرون بالواقي أم لم يفعلوا ، كما هو مفاد حديث الصادق
المصَدَّق المصدوق .
الثاني : لأنَّ انتشار الواقي يفضي إلى انتشار الفاحشة .
فتصير صورة المسألة كما يلي :
((انتشار الواقي = زنا أكثر = أمراض أكثر ))
خامساً :
إذا عُلم ذلك – استناداً للحديث آنف الذكر- فكيف يسوغ لنا أن ننادي بهذا البلاء
!؟
أما قال الله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19] .
فهذا فيمن يحب –بقلبه- إشاعتها، فكيف بمن يؤصِّل – بقلمه- لما من شأنه أن
يكثِّرها .
ولا أشك أن الدكتور أخطأ في تقدير الأمور وليس ممن يروج للفاحشة ، ولكن استعمال
القواعد الفقهية في غير موضعها مما يوقع في عظائم المدلهمات .
سادساً :
أما علم يوسف الكودة أن هذا الواقي تعتريه أمور تجعله بلا جدوى ..
فالواقي قد يكون مثقوباً ، وقد يؤدي الاحتكاك إلى إيجاد تقب به ، وقد ينخلع في
لحظة نشوة بحيث لا يشعر المرء به .
واقرأ على هذا الرابط كلام المختصين من أهل الطب في ذلك :
http://www.meshkat.net/new/contents.php?catid=6&artid=7326
سابعاً :
وفي الختام على الكودة أن يتقي الله ، فقد قال في محكم تنزيله :{ وَلاَ تَقْفُ
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء :36] .
وظني أنه سيرجع عن هذا الرأي إذا تأمل حديث ابن ماجه السابق ، فهذا حال من
يُعظم سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم وحال من ينصرها .
سائلاً الله العلي أن يهدينا لأرشد أمورنا ، والله من وراء القصد .
كتبه :
مهران ماهر عثمان .
خطيب مسجد خالد بن الوليد بأركويت (63)
qqoopp231@hotmail.com