الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ
الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ([1]).
وفي لفظ: «تعوذوا»، وهي في صحيح البخاري.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من أربع:
جهد البلاء:
والمعنى: الحالة الشاقة.
وقد فسرها ابن عمر رضي الله عنهما بقلة المال وكثرة العيال، وهذا من باب
التفسير بالمثال.
وقيل: الحالة التي يبتلى بها الإنسان، أي: شدة المشقة.
ودرك الشقاء:
يجوز بسكون الراء والفتح أفضل.
والمعنى: أعوذ بك من أن يدركني شقاء في الدنيا أو الآخرة.
والشقاء والشقاوة ضد السعادة.
والشقاء يكون في الدنيا والآخرة..
والشقاء يطلق على أمور، منها:
1/ الإعراض عن الشرع:
قال تعالى: }قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا{، أي: غلبت علينا
الشقاوة الناشئة عن الظلم والإعراض عن الحق، والإقبال على ما يضر، وترك ما ينفع
2/ المعصية:
قال تعالى-عن عيسى عليه السلام-: }وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا{. أي:
عصيا.
فالمعصية تجر إلى الشقاء، قال تعالى: }ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا{.
3/ الحرمان من إجابة الدعاء:
قال تعالى –عن إبراهيم عليه السلام-: }وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ
بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا{. أي: وأدعو ربي مخلصًا، عسى أن لا أشقى بدعاء ربي،
فلا يعطيني ما أسأله.
وقال –عن زكريا عليه السلام-: }وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا{. أي:
محروما عن إجابة الدعاء.
والشقاء في الآخرة بدخول النار.
والعاصم من ذلك اتباع كتاب الله، قال تعالى: }فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا
يَضِلُّ وَلا يَشْقَى{.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.
وسوء القضاء:
وفي دعاء الوتر الذي رواه أهل السنن: «وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ».
وشماتة الأعداء:
والشماتة الفرح بالمصيبة.
ولا يصح لأحد أن يشمت بأحد، ففي جامع الترمذي قال صلى الله عليه وسلم :
«لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ؛ فَيُعَافِيَهِ اللَّهُ
وَيَبْتَلِيَكَ»([2]).
وفي القرآن قول هارون لموسى عليهما السلام: }فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ{
([3]).
أي: لا يفرح الأعداء بما تفعل بي.
وهي تشتمل على درس مهم لنا: أنه مهما احتد الخلاف بيننا فلا ينبغي أن نشمت
أعداءنا فينا.