الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله محمد ، صلى الله عليه
وسلم ،
أما بعد :
هذه مختارات ، انتقيتها من أجمل الكتب
التي قرأتها ، في اصلاح القلوب ، و تهذيب النفوس.
وهو كتاب (الرقة والبكاء ،
لابن أبي الدنيا)
أضعها بين أيديكم ، راجياً من الله -عز وجل- ، أن ينفعني وإياكم بها ،
وأرغب إلى الأحبة بنشرها ، في بقية المنتديات الإسلامية، ليعم نفعها بإذن
الله.
وأبدأ على بركة الله ..
عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في
الضرع ،
ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد أبدا »
عن أبي ريحانة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
« لا ترى النار عين بكت من خشية الله ، ولا عين سهرت في سبيل الله »
عن الحسن ، قال :
« إن العينين لتبكيان ، وإن القلب ليشهد عليهما بالكذب
، ولو بكى عبد من خشية الله لرحم من حوله ، ولو كانوا عشرين ألفا »
عن جعفر بن سليمان ، قال :
« وعظ مالك بن دينار يوما فتكلم ، فبكى حوشب ، فضرب
مالك بيده على منكبه وقال : « ابك يا أبا بشر ، فإنه بلغني أن العبد لا
يزال يبكي حتى يرحمه سيده ، فيعتقه من النار »
عن وهب بن منبه قال :
« البكاء من خشية الله تعالى مثاقيل بر ، ليس ثوابه
وزنا ، إنما يعطى الباكي من خشية الله ، والصابر على طاعة الله أجرهم بغير
حساب »
قال عبد الواحد بن زيد :
« يا إخوتاه ألا تبكون شوقا إلى الله ؟ ألا إنه من بكى
شوقا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه .
يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من النار ؟ ألا إنه من بكى خوفا من النار أعاذه
الله منها ،
يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من العطش يوم القيامة ؟ ألا إنه من بكى خوفا من
ذلك سقي على رءوس الخلائق يوم القيامة ،
يا إخوتاه ألا تبكون ؟ بلى ، فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا ، لعله
أن يسقيكموه في حظائر القدس مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصدقين
والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .
ثم جعل يبكي حتى غشي عليه»
قال شهر بن حوشب:
« لو أن عبدا بكى في ملأ من الناس لرحموا ببكائه »
عن مالك بن دينار ، قال :
« البكاء على الخطيئة يحط الذنوب ، كما تحط الريح الورق
اليابس »
قال عمر بن ذر :
« ما رأيت باكيا قط إلا خيل إلي أن الرحمة قد تنزلت
عليه »
عن أبي معشر ، قال :
رأيت عون بن
عبد الله في مجلس أبي حازم يبكي ويمسح وجهه بالدموع ،
ويقول : « بلغني أن النار لا تمس موضع الدموع »
عن أبي الجودي ، قال :
قال لي عمر بن عبد العزيز : يا أبا الجودي « اغتنم
الدمعة تسيلها على خدك لله »
قال سفيان بن عيينة:
« البكاء من مفاتيح التوبة ؛ ألا ترى أنه يرق فيندم ؟ »
عن حمزة الأعمى ، قال :
ذهبت أمي إلى الحسن ، فقالت : يا أبا سعيد ابني هذا قد
أحببت أن يلزمك ، فلعل الله أن ينفعه بك ، قال : فكنت أختلف إليه ، فقال لي
يوما : « يا بني أدم الحزن على خير الآخرة ، لعله أن يوصلك إليه ، وابك في
ساعات الخلوة ، لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك، فتكون من الفائزين » .
قال : وكنت أدخل عليه منزله وهو يبكي ، وآتيه مع الناس وهو يبكي ، وربما
جئت وهو يصلي ، فأسمع بكاءه ونحيبه ، فقلت له يوما : يا أبا سعيد إنك لتكثر
من البكاء فبكى ثم قال : « يا بني فما يصنع المؤمن إذا لم يبك ؟ يا بني إن
البكاء داع إلى الرحمة ، فإن استطعت أن لا تكون عمرك إلا باكيا فافعل ،
لعله يراك على حالة ، فيرحمك بها ، فإذا أنت قد نجوت من النار »
كان فرقد السبخي :
قد بكى حتى أضر به ذلك البكاء ، وتناثرت أشفاره ، فقيل
له في ذلك ، فقال : « بلغني أن كل عين بكت من خشية الله لا يصيبها لفح
النار يوم القيامة » ، قال : فكان يبكي ، ويبكي أصحابه
قال صالح المري:
للبكاء دواعي : الفكرة في الذنوب ، فإن أجابت على ذلك
القلوب ، وإلا نقلتها إلى تلك الشدائد والأهوال ، فإن أجابت على ذلك ، وإلا
فاعوض عليها التقلب بين أطباق النيران قال : ثم صاح وغشي عليه ، فتصايح
الناس من نواحي المجلس
كان أويس القرني :
يقف على موضع الحدادين ، فينظر إليهم كيف ينفخون الكير
، ويسمع صوت النار ، فيصرخ ، ثم يسقط ، فيجتمع الناس عليه ، فيقولون :
مجنون قال : وكان يأتي مزبلة بالكوفة قديمة ، فيصعد عليها ، فيجلس ، ثم
يبكي ، حتى تأتيه الشمس ، فينزل ، فيتبعه الصبيان حتى يأتي المسجد ، فيدخل
بكى عمر بن عبد العزيز :
فبكت فاطمة ، فبكى أهل الدار ، لا يدري هؤلاء ما أبكى
هؤلاء ، فلما تجلى عنهم العبر ، قالت فاطمة : بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم
بكيت ؟ ، قال : ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله : فريق في الجنة
، وفريق في السعير . ثم صرخ وغشي عليه
عن بكر بن عبد الله المزني :
أن أبا موسى « خطب الناس بالبصرة فذكر في خطبته النار ،
فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر ، وبكى الناس يومئذ بكاء شديدا »
عن سعد بن الأخرم قال :
« كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود فمر بالحدادين وقد
أخرجوا حديدة من النار ، فقام ينظر إليها ويبكي »
عن عبد العزيز بن علي الصراف
أن حسان بن أبي سنان قدم له سكر من الأهواز ، فربح فيه
مالا كثيرا ، فدخل عليه قوم من إخوانه يهنؤونه بذلك ، فوجدوه في ناحية
الحجرة يبكي ، فقالوا : يا عبد الله هذه نعمة من الله عليك ، ففيم البكاء ؟
قال : « إني خشيت والله أن يكون ذلك سكرا ، فاستدراجا ، وإني أستغفر الله
من نسياني ما ذكرني به ربي ، ومن غفلتنا عن ذلك »
قال سفيان :
كان عمر بن عبد العزيز يوما ساكتا وأصحابه يتحدثون ،
فقالوا له : ما لك لا تتكلم يا أمير المؤمنين ؟ قال : « كنت مفكرا في أهل
الجنة كيف يتزاورون فيها ، وفي أهل النار كيف يصطرخون فيها » ثم بكى
قال مكحول :
« أرق الناس قلوبا أقلهم ذنوبا »
قال أبو عبد الله البراثي :
« لا تندى العين حتى يحترق القلب ، فإذا احترق القلب
تلهب شعله ، فهاج إلى الرأس دخانه ، فاستنزل الدموع من الشؤون إلى العين
فسجمته »
قال أحمد بن سهل:
قال لي أبو معاوية الأسود : يا أبا علي « من أكثر لله
الصدق نديت عيناه ، وأجابته إذا دعاهما »
عن ابن عمر ، أنه :
كان إذا أتى على هذه الآية ( ألم
يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) بكى حتى يبل لحيته
البكاء ،
ويقول : « بلى يا رب »
قال ابن أبي ذئب:
حدثني من شهد عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة ،
« وقرأ عنده رجل ( وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين
دعوا هنالك ثبورا ) ،
فبكى حتى غلبه البكاء وعلا نشيجه ، فقام من مجلسه ، فدخل بيته ، وتفرق
الناس »
عن معتمر ، قال :
صلى بنا أبي ، فقرأ سورة ق في صلاة الفجر ، فلما انتهى
إلى هذه الآية ( وجاءت سكرة الموت بالحق) غلبته
عبرته ، فلم يستطع أن يجوز ، فركع
قرأ الحارث بن سويد :
( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
) ( ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ، فبكى ثم قال
: إن عذاب الآخرة لشديد
عن مقاتل بن حيان ، قال :
صليت خلف عمر بن عبد العزيز ، « فقرأ :
( وقفوهم إنهم مسئولون ) فجعل يكررها لا يستطيع
أن يجاوزها ، يعني : من البكاء
قال عبد الأعلى بن أبي عبد الله
العنزي :
رأيت عمر بن عبد العزيز خرج يوم الجمعة في ثياب دسمة ،
ووراءه حبشي يمشي ، فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي ، فكان عمر إذا انتهى
إلى الرجلين قال : « هكذا رحمكما الله » ، حتى صعد المنبر ، فخطب ، فقرأ :
( إذا الشمس كورت ) ، فقال : « وما شأن الشمس ؟
» ، ( وإذا النجوم انكدرت ) حتى انتهى إلى (
وإذا الجحيم سعرت ) ( وإذا
الجنة أزلفت) فبكى ، وبكى أهل المسجد ، وارتج المسجد بالبكاء ، حتى
رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه
عن الشعبي ، قال :
سمع عمر بن الخطاب ، رجلا يقرأ : (
إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ) ، فجعل يبكي حتى اشتد بكاؤه . ثم
خر يضطرب . فقيل له في ذلك فقال : « دعوني ، فإني سمعت قسم حق من ربي »
عن عبد الله بن عمرو ، قال :
« لو أن رجلا ، من أهل النار أخرج إلى الدنيا ، لمات
أهل الدنيا من وحشة منظره ، ومن ريحه . قال : ثم بكى عبد الله بكاء شديدا »
قال أبو زيد ، شيخ بمكة:
رأيت عمر بن عبد العزيز يبكي على المنبر ، ما يستطيع أن
يتكلم من شدة البكاء
قال أبو جعفر الضرير :
قال لي صالح بن عبد الكريم :
بكى الباكون للرحمن ليلا ... وباتوا دمعهم ما يسأمونا
بقاع الأرض من شوق إليهم... تحن متى عليها يسجدونا
قال : فجعلت أرددها عليه ، فبكى ، حتى قلت : الآن تخرج
نفسه
قال محمد بن عبد الله الزراد :
صليت إلى جنب رياح القيسي ، فكنت أسمع
وقع دموعه على البواري مثل الوكف : طق طق
كان أبو عمران الجوني:
إذا سمع الأذان ، تغير لونه ، وفاضت عيناه
كان علي بن حسين :
إذا توضأ اصفر ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يعتادك
عند الوضوء ؟ فيقول : تدرون بين يدي من أريد أن أقوم ؟
كان عطاء السليمي :
إذا فرغ من طهوره ارتعد وانتفض ، وبكى بكاء شديدا .
فقيل له في ذلك ، فقال : « إني أريد أن أتقدم على أمر عظيم ، إني أريد أن
أقوم بين يدي الله »
قال حماد بن زيد:
بكى أيوب مرة ، فأخذ بأنفه وقال : « إن هذه الزكمة ربما
عرضت » وبكى مرة أخرى ، فاستكنى بكاءه ، فقال : « إن الشيخ إذا كبر مج *»
مَج : لَفَظَ الماء ونحوه من فمه وطرحه
وألقاه
ذكر أن أبا السيل
كان يتحدث ، أو يقرأ ، فيأتيه البكاء ،
فيصرفه إلى الضحك
وعظ الحسن يوما :
فنحب رجل ، فقال الحسن : « ليسألنك
الله يوم القيامة ما أردت بهذا
قال حماد بن زيد:
بكى أيوب مرة ، فأخذ بأنفه وقال : إن هذه الزكمة ربما عرضت » وبكى مرة أخرى
، فاستكنى بكاءه ، فقال : إن الشيخ إذا كبر مج *
* مَج : لَفَظَ الماء ونحوه من
فمه وطرحه وألقاه
ذُكر أن أبا السيل :
كان يتحدث ، أو يقرأ ، فيأتيه البكاء ، فيصرفه إلى
الضحك
وعظ الحسن يوما :
فنحب رجل ، فقال الحسن : ليسألنك الله يوم
القيامة ما أردت بهذا
ذكر عصام الرملي :
أن الحسن ، حدث يوما ، أو وعظ ، فنحب رجل في
مجلسه ،
فقال الحسن : « إن كان لله فقد شهرت نفسك ، وإن كان لغير الله هلكت »
قال حماد بن زيد:
ذكر أيوب يوما شيئا ، فرق ، فالتفت كأنه يتمخط .
ثم أقبل علينا فقال : إن الزكام شديد على الشيخ
عن الأعمش ، قال :
بكى حذيفة في صلاته ، فلما فرغ
، التفت ، فإذا رجل خلفه فقال : لا تعلمن بهذا أحدا
قال الحسن بن الربيع :
كان ابن المبارك إذا رق ، فخاف أن يظهر
، ذلك منه ، قام ، وربما أخذ في حديث آخر
عن محمد بن واسع ، قال :
لقد أدركت رجالا ، كان الرجل يكون رأسه
ورأس امرأته على وساد واحد ، قد بل ما تحت خده من دموعه ، لا تشعر به
امرأته . ولقد أدركت رجالا ، كان أحدهم يقوم في الصف فتسيل دموعه على خديه
، لا يشعر به الذي إلى جنبه
عن معمر ، قال :
بكى رجل إلى جنب الحسن ، فقال : قد كان
أحدهم يبكي إلى جنب صاحبه فما يعلم به
قال محمد بن واسع :
إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة ،
ومعه امرأته ، ما تعلم به
كان حسان بن أبي سنان :
يحضر مسجد مالك بن دينار ، فإذا تكلم مالك بكى
حسان حتى يبل ما بين يديه ، لا يسمع له صوت
عن سلمة بن سعيد ،
عن بعض رجاله ، أن زيادا ضحك ذات يوم حتى علا صوته ، ثم قال : أستغفر الله
. وبكى بكاء شديدا فقال له جلساؤه بعد ذلك المجلس : ما رأينا أصلح الله
الأمير بكاء في إثر ضحك أسرع من بكائك بالأمس قال « إني والله ذكرت ذنبا
أذنبته ، كنت به حينئذ مسرورا ، فذكرته ، فبكيت خوفا من عاقبته ثم بكى أيضا
»
قال محمد بن الحارث :
وكان قرابة لرياح القيسي قال : كنت أدخل عليه المسجد
وهو يبكي ، وأدخل عليه بيته وهو يبكي ، وآتيه في الجبان وهو يبكي فقلت له
يوما : أنت دهرك في مأتم ؟ قال : فبكى ، ثم قال : « يحق لأهل المصائب
والذنوب أن يكونوا هكذا »
نظر حذيفة المرعشي :
إلى رجل وهو يبكي فقال : « ما يبكيك يا فتى ؟ » قال :
ذكرت ذنوبا سلفت فبكيت . قال : فبكى حذيفة ثم قال : « نعم يا أخي فلمثل
الذنوب فليبك » ثم أخذ بيده ، فتنحيا ، فجعلا يبكيان
كان الضحاك بن مزاحم:
إذا أمسى بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : « لا أدري
ما صعد اليوم من عملي »
كان رجل من بلعنبر قد لهج بالبكاء ،
فكان لا تراه إلا باكيا قال : فعاتبه رجل من
إخوانه يوما فقال : لم تبكي رحمك الله هذا البكاء الطويل ؟ فبكى ثم قال :
بكيت على الذنوب لعظم جرمي وحق لكل من يعصي البكاء فلو كان البكاء يرد همي
لأسعدت الدموع معا دماء ثم بكى حتى غشي عليه ، فقام الرجل عنه وتركه
قال رجل ببعض بلاد الشام في بعض السواحل :
« لو بكى العابدون على الشفقة حتى لم يبق في
أجسادهم جارحة إلا أدت ما فيها من الدم والودك دموعا جارية ، وبقيت الأبدان
يبسا خالية ، تردد فيها الأرواح إشفاقا ووجلا (من يوم تذهل فيه كل مرضعة
عما أرضعت ، لكانوا محقوقين بذلك ثم غشي عليه »
سمع أبو جعفر القارئ ،
في جوف الليل وهو يبكي ويقول : ابك لذنبك طول
الدهر مجتهدا إ ن البكاء معول الأحزان لا تنس ذنبك في النهار وطوله إن
الذنوب تحيط بالإنسان ويبكي بكاء شديدا ، ويردد ذلك
قال يزيد الرقاشي :
إذا أنت لم تبك على ذنبك ، فمن يبكي لك عليه بعدك ؟ قال
: ثم يبكي صالح ويقول : يا إخوتاه ابكو على الذنوب ، فإنها ترين القلوب حتى
تنطمس ، فلا يصل إليها من خير الموعظة شيء
عن قبيصة ، قال :
كانت عينا مالك بن مغول رطبة جدا وكان يقال في
ذلك الزمان : إنه طويل البكاء قال : وربما رأيته يحدث والدموع على لحيته
جارية
قال كلاب بن جري:
رأيت شابا ببيت المقدس قد عمش من طول البكاء ،
فقلت له : يا فتى كم تكون العين سليمة على هذا ؟ فبكى ثم قال : كما شاء ربي
فلتكن ، وإن شاء سيدي فلتذهب ، فليست بأكرم علي من بدني إنما أبكي رجاء
الفرح والسرور في الآخرة ؛
وإن تكن الأخرى فهو والله شقاء الآخرة ، وحزن الأبد ، والأمر الذي كنت
أخافه وأحذره على نفسي ، وأني أحتسب على الله غفلتي عن نفسي ، وتقصيري في
حظي . ثم غشي عليه
ذكر معاذ بن زياد التميمي:
أن فتى ، من الأزد بكى حتى أطلع بصره فعوتب في ذلك فقال
:
ألم يرث البكاء أناس صدق ... فقادهم البكا خير المعاد ؟
ألم يقل الإله : إلي عبدي ... فكل الخير عندي في المعاد ؟
والله لأبكين دائم الدنيا ، فإذا جاءت الآخرة فعند الله
أحتسب مصيبتي في تقصيري
قال مالك بن مغول:
بكى أسيد الضبي حتى عمي ، وكان إذا عوتب على البكاء ،
بكى وقال : الآن حين لا أهدأ ؟ وكيف أهدأ وأنا أموت غدا ؟ والله لأبكين ،
ثم لأبكين ، ثم لأبكين فإن أدركت بالبكاء خيرا فبمن الله علي وفضله ، وإن
تكن الأخرى ، فما بكائي في جنب ما ألقى ؟
قال : وكان ربما بكى حتى يتأذى به جيرانه من كثرة بكائه
عن عبد الرحمن بن أسلم ، عن أبيه ، قال :
كان عمر بن عبد العزيز قد بكى حتى أثرت الدموع بوجهه
قال مالك بن دينار :
يا إخوتاه والله لو ملكت البكاء لبكيت أيام الدنيا »
قال : وكان قد بكى حتى اسود طريق الدموع في خده
عن الربيع بن خثيم :
أنه كان يبكي حتى تبل لحيته من دموعه ، ثم يقول :
أدركنا أقواما كنا في جنوبهم لصوصا
قال سليم النحيف :
رمقت عتبة ذات ليلة بساحل البحر ، فما زاد ليلته تلك
حتى أصبح على هذه الكلمات وهو قائم ، وهو يقول : « إن تعذبني فإني لك محب ،
وإن ترحمني فإني لك محب . فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر »
كان يزيد الرقاشي :
يبكي حتى يسقط ، ثم يفيق ، فيبكي حتى يسقط ، ثم يفيق ،
فيبكي حتى يسقط ، فيحمل مغشيا عليه إلى أهله وكان يقول في كلامه : إخوتاه
ابكوا قبل يوم البكاء ، ونوحوا قبل يوم النياحة ، وتوبوا قبل انقطاع التوبة
، إنما سمي نوحا صلى الله عليه وسلم أنه كان نواحا ، فنوحوا معشر الكهول
والشباب على أنفسكم
قال : وكان يتكلم والدموع جارية على لحيته وخديه
قال عبد الواحد بن زيد:
لو رأيت الحسن إذا أقبل لبكيت لرؤيته من قبل أن يتكلم
ومن ذا الذي كان يرى الحسن فلا يبكي ومن كان يقدر يملك نفسه عن البكاء عند
رؤيته ؟ ثم بكى عبد الواحد بكاء شديدا
عن سهيل بن عبد الله القطعي ، قال :
صلى بنا مالك بن دينار العصر ، فلما سلم عض على إصبعه ،
فلم تزل عيناه تدمعان حتى غابت الشمس
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر :
قلت ليزيد بن مرثد : ما لي لا أرى عينك تجف ؟
قال : وما مسألتك عنه ؟
قلت : عسى الله أن ينفع به .
قال : يا أخي « إن الله قد توعدني إن أنا
عصيته أن يسجنني في النار . والله لو لم يتوعدني أن يسجنني إلا في الحمام
لكنت حريا أن لا تجف لي عين »
قالوا ليزيد بن أبان الرقاشي :
ما تسأم من كثرة البكاء ؟ فبكى ثم قال : « وهل يشبع
المرضع من الغذاء ؟ والله لوددت أني أبكي بعد الدموع الدماء ، وبعد الدماء
الصديد ، أيام الدنيا ، فإنه بلغنا أن أهل النار يبكون الدماء إذا نفدت
الدموع ، حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت فما حق امرئ لا يبكي على نفسه في
الدنيا وينوح عليها ؟ » قال : وكان يقول : « ابك يا يزيد على نفسك قبل حين
البكاء ، إنما سمي نوحا صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان ينوح على نفسه . يا
يزيد من يصلي لك بعدك ؟ ومن يصوم يا يزيد ؟ ومن يضرع لك إلى ربك بعدك ؟ ومن
يدعو ؟ » فكان يعدد على هذا ونحوه ، ويبكي ويقول : « يا إخوتاه ابكوا أو
بكوا أنفسكم ، فإن لم تجدوا بكاء فارحموا كل بكاء »
قال إسماعيل بن ذكوان :
كان يزيد الرقاشي إن دخل بيته بكى ، وإن شهد جنازة بكى
، وإن جلس إليه إخوانه بكى وأبكاهم . فقال له ابنه يوما : يا أبه كم تبكي ؟
والله لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا البكاء فقال : ثكلتك أمك يا
بني وهل خلقت النار إلا لي ، ولأصحابي ، ولإخواننا من الجن أما تقرأ يا بني
: ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) ؟ أما تقرأ يا
بني : ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران )
؟ فجعل يقرأ عليه حتى انتهى إلى : ( يطوفون
بينها وبين حميم آن ) قال : فجعل يجول في الدار ويصرخ ويبكي ، حتى
غشي عليه فقالت للفتى أمه : يا بني ما أردت إلى هذا من أبيك ؟ فقال : والله
إنما أردت أن أهون عليه ، لم أرد أن أزيده حتى يقتل نفسه
قال عبد النور بن يزيد بن أبان الرقاشي :
كان أبي يبكي ويقول لأصحابه : ابكوا اليوم قبل الداهية
الكبرى ابكوا اليوم قبل أن تبكوا غدا ابكوا اليوم قبل يوم لا يغني فيه
البكاء ابكوا على التفريط أيام الدنيا
قال محمد بن يزيد بن خنيس :
ما رأيت أحدا قط أسرع دمعة من سعيد بن السائب . إنما
كان يجزئه أن يحرك ، فترى دموعه كالقطر
قال صالح المري :
قلت لعطاء السليمي : ما تشتهي ؟ فبكى ثم قال : أشتهي
والله يا أبا بشر أن أكون رمادا لا تجتمع منه سفة أبدا في الدنيا ولا في
الآخرة » قال صالح : فأبكاني والله ، وعلمت أنه إنما أراد النجاة من عسر
يوم الحساب
قال عبد الله بن رجاء :
بكى يزيد الرقاشي أربعين عاما لا يكاد ترقأ له دمعه
فكان إذا قيل له ذلك قال إنما الأسف على أن لا أكون تقدمت في البكاء
عن مالك بن دينار ، قال :
لو ملكت البكاء لبكيت أيام الدنيا . ولولا أن يقول
الناس مجنون لوضعت التراب على رأسي ، ثم نحت على نفسي في الطرق والأحياء ،
حتى تأتيني منيتي ثم بكى
قال إبراهيم بن صبح البراد :
دخلنا على المغيرة أبي محمد ، وكان إذا تكلم بكى وأبكى
، فقال : « يا إخوتاه ابكو وبكوا هذه الأعين والقلوب ، فإن الحزين غدا
مسرور ، والباكي ضاحك ، والخائف آمن ، وطويل السغب في الدنيا طويل الشبع في
الآخرة ، وطويل الظمأ طويل الري عند الله . ألا فتخيروا واختاروا ، واتقوا
أن تغبنوا فتهلكوا » قال : ويبكي ، ويبكي الناس
قال مضر أبو سعيد التادبي :
ما تلذذت لذاذة قط ، ولا تنعمت نعيما أكثر عند من بكى
حرقة
عن مالك بن مغول ، قال :
مر رجل بعامر بن عبد قيس وهو جالس في طريق وهو يبكي ،
فقال : يا عامر ما يبكيك ؟ قال : شيء ما أبكاني ، عجبت من ليلة تمخض
صبيحتها يوم القيامة . وكان إذا أصبح خرج إلى طريق من الطرق ، فإذا رأى
الناس قد خرجوا إلى حوائجهم ، والناس يذهبون يمينا وشمالا ، فيقول : يا رب
غدا الغادون في حوائجهم ، وغدوت أسألك المغفرة
قيل لعمر بن عبد العزيز :
ما كان بدو إنابتك ؟ ، قال : أردت ضرب غلام لي ، فقال :
يا عمر اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة
مر رجل بعامر بن عبد قيس وهو جالس في طريق وهو
يبكي ، فقال : يا عامر ما يبكيك ؟ :
قال : شيء ما أبكاني
، عجبت من ليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة
. وكان إذا أصبح خرج إلى طريق من الطرق ، فإذا رأى
الناس قد خرجوا إلى حوائجهم ، والناس يذهبون يمينا وشمالا ، فيقول : « يا
رب غدا الغادون في حوائجهم ، وغدوت أسألك المغفرة
عن عبد الله بن عمر قال :
« رأيت عمر بن الخطاب البكاء ، وهو يصلي ، حتى سمعت
خنينه ، من وراء ثلاثة صفوف »
قال مقاتل بن حيان :
« صليت خلف عمر بن عبد العزيز ،
فقرأ : ( وقفوهم إنهم مسئولون) ، فجعل يكررها ،
لا يستطيع أن يجاوزها »