• تتخلّف بعض الأعمال، وتشح المبادرات من جراء الجهل وخفاء الفائدة، إذ كيف
ينطلق المرء بلا دراية، أو يحرث أرضاً لا يعرفها...!
• ومن ثم يتقاصر عمل الإنسان بسبب فقدان العلم والوعي ولذلك قالوا: فاقد الشيء
لا يعطيه...!
• فأعط من العلم والمعرفة جَمْعا، لتعطَ من الخير وحسن العمل نفْعا، واتعب على
نفسك لتلقَ بعد ذلك ثمارها، وتجنِ حصادها..!
• وفِي هذا دليل أن العلم سائق للخير والإبداع، والجهل مانع من المواصلة
والاستيعاب ، ولو لم يكن من شرور الجهل إلا هذا لكفى ،،،، قال العلامة ابن
القيم رحمه الله ( الجهل شجرة تنبت فيها كل الشرور ).
• وكم من مشاريع مجتمعية تفرقت بسبب الفقدان المعرفي لمنسوبيها، فلا تثرّب على
من لا يتفاعل ويحمل هم القضايا والشؤون المهمة، إذا قلت الخبرة، وضعف الاستعداد
المعرفي والعقلي..!
• وللفائدة: العلم يرسخ المعلومة، ويثبت العقيدة، ويحمل الوجدان على الاعتقاد
والعمل، ويشرح النفس للمشاركة، وإذا شاركت تم ذاك بقناعة وفَقاهة ومَلاءة...!
وسوى ذاك مصبوغ بالتقصير والجهل، وكثرة الاستفسارات ...!
• فهو عاجز فكريا وعلميا واجتماعياً وحواريا، وفِي حالته يقول العلماء ( لا
أدري ) ( الله أعلم )، وحذروا من التطاول والتجاوز، والتوقيع بلا علم ، حتى قال
أبو الدرداء رضي الله عنه: ( من ترك لا أدري أُصيبت مَقاتله ) .
• وفِي ذلك من الحرج الاجتماعي ما لا يخفى، ونظرات الناس المشفقة لمن تكلم فكشف
عن جهله، أو جاء بالعجائب ، وقد قالوا: ( من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب ).
فهو بين خيارين إما العجائب، أو اللوذ بالصمت وعدم التفاعل...! من تحلى بغير ما
هو فيهِ/ فضحته شواهد الامتحانِ...!
• وكيف يتفاعل معك، من لايؤمن بجدواك ، أو جدوى مشروعك، ولو كانت خدمات مجتمعية
راقية، أو مصالح محلية متينة، أو مسائل علمية عميقة ...!ففاقد الشيء لا
يعطيه،.!
• وفاقد التخصص في قضية ما لا يصلح للمشاورة فيها، لانعدام الخبرة والفهم، ولذا
قد يشير بالخطأ ومقدمات التعثر...!
• ومن ثم العلم المبدئي يمنح القدرة على العمل والمسارعة والإنتاج ، وانعدامه
ضعف في العمل وخسارة في الوقت والمشروع المراد تنفيذه...!
• وحينما يجتمع مختصون بجهلة، أو غير مختصين، لن يصلوا إلى صيغة نهائية في
العقل والاستنتاج والتطبيق ، للتفاوت والفقدان .
• وقد يشعل الفقدان حب الكلام أو التصدر، أو المشاركة ، والتمسك بالرأي، فتقع
الواقعة والصاعقة، التي تدمر المشروع والمبادرات من جذورها .
• ومن هذا الباب قال الإمام الشافعي رحمه الله :( ما جادلتُ عالماً إلا وغلبته
، وما جادلني جاهل إلا غلبني ). والسبب استعسار تفهيمه، ورفضه الآفاق الأخرى،
وعدم القابلية للاقتناع ..!
• ومع صنف الجهال، الناقدون بلا علم، والمتعقبون
بلا دراية، إلا محاولة تسجيل موقف ، أو التماس العثرات بلا مسوغات.،! فهم من
فئات فاقدي الشئ ، وقد تتعب كثيرا في إقناعهم بمستواهم ومحتواهم...!
• وكل ائتلاف تشاوري بلا تقارب عقلي وعلمي مصيرة إلى الفشل والضياع، وعدم
الاتفاق، بسبب فقدان أدوات المعرفة الأولى، والتي من شأنها تحسين مجريات
الحوار، والخروج بنتيجة مرضية ونافعة للجميع .
• وفِي ظل طغيان المناصب والرتب الإدارية والاجتماعية على الحياة الحديثة صار
من الصعب الاتفاق ، وحرص كل فرد على التصدر والتزعم، وتكريس الأنانية، وفِي
الحديث الصحيح: ( وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) .
• وذلك المُعجَب المبالغ، غالبا لا يبالي بالآخرين، ويتناسى جهله أو تقصيره
وعدم درايته، ويحاول الاقتحام والتجاسر في مواطن لا يحسنها، ورحم الله امرءاً
عرف قدر نفسه، وفِي القرآن الحكيم ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) سورة
النجم . ومن أطايب حكم المتنبي: ولكن تأخذ الآذان منه...على قدر القرائح
والعلومِ...!
• ولو تقيّد كل إنسان بما يحسن ويدري، لأنتج ونفع لأن قيمته وجدواه في ذلك، ومن
حِكم الخليفة الراشد علي رضي الله عنه الروائع، بعد الكتاب والسنة: ( قيمةُ كل
امرئ ما يحسنه ). ولأثمر ذلك التأدب والانضباط، واكتفى الناس بالأصول والمعالم،
وله رائعة أخرى: ( العلم نقطة كثّرها الجاهلون ).
• ولا تنفك حياتنا من معلقين جهلة، ونقاد مغلقين، لا هم لهم إلا مجرد التعقب
والتعليق بلا ثمرة ولا إنتاج، ولو آثروا الصمت لحازوا الحكمة ، واستبدلوا
أنفسهم بعاملين ذوي دراية وإتقان واتساع ... !
• ويُفترض استدامة التعلم والاطلاع، والمغامرة المعرفية في البحث والتفتيش وعدم
الاكتفاء برتبة محرجة، أو شهادة عقيمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما
العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلّم ). ومن درر العلامة ابن المبارك رحمه
الله :( لا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل ).
والله الموفق....