• كلنا نكره الابتلاء ونكره مرارته، وقليلٌ من يصبر عليه ويتحمل ضره ويحتسب
ثوابه..! سوى أنبياء الله وبعض الصالحين .
• اختار الله محمدا نبيا، فلا عجب أن يُمتحن ويُبتلى، ويعلم أمته كيفية التعامل
مع البلايا والمحن...!( إنما بعثتك لأبتليك وأبتليَ بك ) رواه مسلم رحمه الله .
• ولد يتيما عليه الصلاة والسلام ولم يلق أباه أمامه فاحتمل ذاك، وكفله جده ثم
عمه، وعوضاه شيئا منه، ولكنه صبر واحتسب وقاوم مرارات الحياة .
• وابتُلي بالفقر والعيش مع عمه وشاركه العمل، وأعف نفسه برعي الغنم( كنتُ
أرعاها على قراريطَ لأهل مكة ).
• وابتلي بميولات المجتمع وملاهي أهل مكة زمن الشباب، فحُبب اليه الخلاء وسلِمت
فطرته، وصانه ربه تعالى من ذاك كله .
• وابتلي بالدعوة ونذارة المشركين وابتدأ لوحده فأعانه الله ويسر أمره وبارك
مسيرته .
• وابتلي بالسخرية والاستهزاء أمام الناس على جبل الصفا ( تبا لك ألهذا جمعتنا
)؟! فاحتمل كلام عمه، وتحلى بالأناة والصمت الجميل . وتخيل أن يكذبك قريب لك في
فضاء من الناس...!!
• ولم يزل في معترك البلاءات حتى قيّض الله له أعوانا على الطريق وحواريين
يصبرون وينشرون دعوته...
• أوذي واعتدي عليه، وخنق في رقبته.. فقابل كل ذلك بصبر متين، وتحمل شديد.(
فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ). سورة الأحقاف .
• ومر على صحابته وهم في ساحات المعاناة فقال: ( صبرا آلَ ياسر فإن موعدَكم
الجنة )
• واشتكوا له شدة المشركين وأذاهم المستديم فقال لخباب رضي الله عنه: ( واللهِ
ليُتمنّ الله هذا الأمر....) ليريهم أن النصر لايجتنى بسهولة والصبر ضروري
لمواصلة الطريق، والثبات عمدة المسيرة والتأثير... ( وليُنصرن الله من ينصره )
سورة الحج .
• وذهب إلى (الطائف) فاستلموه سخريةً وأذى وبلاء وشقاء، حتى أدموا قدميه، وجاءه
(ملَك الجبال) يستئذنه لإبادتهم فيرفض ويقول: ( بل أرجو الله أن يُخرجَ من
أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ).
• ويتوعده أبو جهل بالمنع من الصلاة ودهسه بقدمه، لئن أعلن صلاته وضراعته إلى
الله فيقول الله له: ( كلا لا تطعه واسجد واقترب )سورة العلق. ويرد الله كيد
الطاغية في نحره ولا يرى إلا الملائكة ومحارق الموت...!( فليدعُ ناديه سندع
الزبانية) أي ملائكة العذاب .
• وحينما أِسري به في الإسراء والمعراج سخروا وتهكموا، فأراهم البراهين على
صدقه وحاججهم حتى رد كيدهم وكشف عوارهم.
• وطاردوه يوم الهجرة ووضعوا الجوائز للقبض عليه، فحماه الله في الغار، وأنزل
عليه سكينته ، وصانه من شر الفرسان ( إلا تنصروه فقد نصره اللهُ إذ أخرجه الذين
كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ) سورة التوبة .
• ولم يزل مطاردا جائعا حتى بلغه الله المدينة، ونجا من القوم الظالمين .
• وهنالك في المدينة ابتلي بتأسيس كيان إسلامي جديد فبنى المسجد، وشرع المؤاخاة
ليخفف من لأواء الحياة الجديدة لمهاجرين بلا مسكن ولا مال ولا استقرار، فتجاوز
العقبات بفضل الله .
• وحصلت المواجهه في بدر ، وبعدد قليل، أمام جيش أكثر عددا وعُدة، فثبت وأصحابه
حتى بلغهم الله النصر وقطع دابر المعتدين .( قد كَانَ لكم آية في فئتينِ التقتا
)سورة آل عمران.
• وكان ثمة المنافقون الذين يدسون له الدسائس، ويتآمرون على الدعوة فعاملهم
بالظاهر، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، وصبر على مكرهم وسخريتهم .
• وفي (غزوة أحد) أصيب في عاتقه وشُج وجهه وكُسرت رَباعيته، ولم يزل ثابتا
راضيا بما كتب الله، وخرج بعد ثلاث إلى (حمراء الأسد) لتأديب المشركين
المتوعدين بالاستئصال .
• وفيها قُتل عمه حمزة وخيرة صحابته رضي الله عنهم، وتألم ولكنه تجلّد، وعلم
أمته الرضا بالقضاء والقدر ، وأن النصر صبر ساعة، والعاقبة للمتقين .
• ولم يسلم من كيد اليهود ونقض العهود المعروف عنهم فأجلى وغزا وطهّر المدينة
من شرهم وبلائهم .
• وفي (صلح الحديبية) مُنع البيت هو وأصحابه، وصدوهم أن يطوفوا ويستمتعوا، وكان
وعدهم بالعمرة ورأى في ذلك رؤيا وشق عليهم، فصبر واحتمل فأنزل الله ( إنَّا
فتحنا لك فتحا مبينا ). سورة الفتح .
• وفي خَيْبَر تأخر فتحها، وحصلت خسائر في الجولات الأُول، إلى أن منّ الله
بالفتح على يد علي رضي الله عنه ، وأطعمته اليهودية سما لتقتله فعصمه الله، حتى
بلغ رسالته.
• ثم صوّب نحو مكة بعد نقض قريش للعهد، ودخلها منصورا سنة ٨ للهجرة، واتجه بعد
ذاك للطائف التي آذته في المرحلة المكية وردوه ردا قبيحا، وحاصرهم حتى استسلموا
وغنم الغنائم الجمّة، بعد جولة من الابتلاء والاغترار المبدئي ( ويومَ حنين إذ
أعجبتكم كثرتكم فلم تغنِ عنكم شيئا )سورة التوبة .
• وكان رأس المنافقين في المدينة مصدرا للأذى والإزعاج وتسبب في النيل من عرضه
في (حادثة الإفك الشهيرة)، فاحتمل المرارة، وقاسى الشدة حتى أنزل الله الفرج،
وحصحص الحق، وانكشفت القضية ( لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ) سورة النور .
• وسمع بتجميع الروم له في (تبوك) فتجهز واستعد غاية الاستعداد وحدد وجهته،
وهنالك قطع صحاري وقفارا، ومكث مدة، ولم يحصل قتال ونجم النفاق وتآمروا عليه،
ورد الله كيدهم في نحورهم .
• وحضرت ساعة وفاته ومكث أياما يشكو الحمى، وتعاظمت السكرات، واشتعلت الآلام،
فكان يقول:( اللهم خفّف علي سكرات الموت ) ( إن للموت لسكرات ) ولم تحل تلك
المتاعب عن الخروج للصلاة أحيانا، وتذكيرهم في اللحظات العصيبة ( الصلاةَ
الصلاةَ وما ملكت أيمانكم ).
• وفي كل ذلك درس وعبرة لكل مبتلى وصحيح، وعامل للدعوة وعاطل، وجاد ومقصر،
وشجاع ومتردد، ومقبل ومدبر.
• وأن أفاضل الناس يُبتلون ثم تكون لهم العاقبة( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا
أنهم كُذبوا جاءهم نصرنا فنُجي من نشاء ولا يُرد بأسُنا عن القوم المجرمين
)سورة يوسف.
• وأن في البلاء صقلا وتربية وتمحيصا وكشفا للنفوس والأتباع .( ولنبلونّكم حتى
نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم )سورة محمد.
• وهو امتحانُ ثباتٍ ورسوخ، من تجاوزه عز وتضاعف ثوابه، ومن تورط عليه المحاسبة
والتوبة، واستدراك الأمور قبل الاستفحال، والله ولي التوفيق.
• وفي تكاثر محنه عليه الصلاة والسلام عظة على عدم سلامة الطريق، وأن المصلحين
عرضة للتنكيد والتتغيص، والحل بالصبر والمواجهة ومجاهدة النفس والخصم( والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) سورة العنكبوت .
• وفيها أن الدعوة لا تحلو بلا صبر، وأن الابتلاء طريق للتمكين والنصر، كما قال
الإمام الشافعي رحمه الله( لا يُمكّن حتى يُبتلى ) والله يتولانا بفضله ورحمته
ويجعلنا من عباده الصابرين ..!