تساءل بعض أساطين السياسة وأرباب الفكر الأمريكان في بلادة قاهرة وسذاجة سافرة
عن سبب كرهنا لهم ، فيقولون : لماذا تكرهوننا ؟!
ويتصدَّى للجواب عليهم بعض قادة الفكر لدينا وأرباب الرأي عندنا ، لأنكم فعلتم
بنا ، وصنعتم لنا ، فأيديكم الغادرة ، وأساليبكم الماكرة في كلِّ شبر من أرضنا
المسلمة ، فأنتم سبب مآسينا ، ومبعث أحزاننا ، ومنطلق آلامنا ، فاليتامى
يلعنونكم ، والأرامل يدعون عليكم ، والأطفال يشتمونكم ، فقد سرقتم الأموال ،
ودنستم العرض ، وسلبتم الأرض ، وفعلتم من الأفاعيل ما يستحي منها قائدكم الأكبر
، ورائدكم الأخطر ؛ الشيطان اللعين ، نعوذ بالله منكم ومنه !
واسمحوا لي أن أحاول الإجابة عليهم ، والرد على سؤالهم بشيء من الإيجاز
والإعجاز ..
أما الإيجاز فلأن كرهي لهم وحقدي عليهم لا يمكنني أن أعبر عنه في مقال قصير ،
فالكره كبير وكثير بطول مكرهم بنا وحقدهم علينا وبغضهم لنا ..
أما الإعجاز فلأني سأذكر ما يتوارى بعض دعاتنا عن ذكره ، ويخاف بعض رموزنا من
سرده ، غافلين أو متغافلين أو مغفلين عن ذكر الحق الذي ندين الله به ، ونتقرب
إلى الله تعالى بوجوده في قلوبنا ـ على تقصيرنا وضعف إيماننا ـ
وإن تعجب ، فعجب ما تراه من عداوة أعداء الله لنا ، وإعلانهم بها ، لا يُخاتلون
فيها أو يتوارون بها ، فهم يجاهرون بالكره والبغض بقولهم وبفعلهم ـ وما تخفي
صدورهم أكبر ـ ونحن كطيور النعام ، نحمل غصن الزيتون ، ونُربي حمائم السلام ،
طمعاً في رضاهم عنا ، وحلمهم علينا ، وعدلهم معنا ، والواقع يشهد بما تتغافل
عنه العيون ، وتتصامم عن سماعه الآذان ، وإلى الله المصير !
* فنحن
نكرههم لأن كره ـ يهود ونصارى أمريكا ـ دين نتقرَّب به إلى الله تعالى ، وعمل
صالح نطمع من الله قبوله في ميزان حسناتنا ، فأوثق عُرى الإيمان ؛ الحب في الله
والغض في الله ...
قال تعالى :[ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم
أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ]
* نكرههم
لأن الله تعالى يكرههم ويبغضهم ، أفلا نكره من يكرهه الله ؟!
* نكرههم
لأنهم تعدوا على مقام الألوهية ، وأساءوا على جناب الربوبية ، فنسبوا لله تعالى
من صفات النقص والسوء ما الله تعالى منزهٌ منه ، ومقدَّس عنه ، كنسبة الصاحبة
والولد .
قال تعالى :[ وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك
قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا قاتلهم الله أنَّى يؤفكون . اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا
إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ]
* ونكرههم
لأنهم نسبوا لله ما يتنزه بعضهم عن نسبته إلى نفسه ، وما يتعفف أن يوصم به أو
يوصف ببعضه ، قال تعالى :[ ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم
الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون ]
فنسبوا البخل لله تعالى :[ وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلَّت أيديهم ولعنوا
بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ... ] !
ونسبوا له الفقر سبحانه :[ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن
أغنياء . سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ]
لعنهم الله بما قالوا !
* ونكرههم
لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ، وما ليس لهم به علم ، فقالوا :[
الله ثالث ثلاثة ]
قال تعالى :[ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد
وإن لم ينتهوا عما نُهوا عنه ليمسنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم ]
* ونكرههم
لأنهم كفروا بنبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحسدونا عليه ،ويرون أنا أهون
من أن يبعث الله فينا نبياً منا يوحى إليه من السماء ، فكفروا وكذَّبوا
واستكبروا .
قال تعالى :[ ولئن أتيت الذين أُوتُوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ...]
وقال تعالى :[ ما يودُّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنزَّل
عليكم من خير من ربكم ....]
* ونكرههم
لأنهم حرَّفوا كُتب الله تعالى المنزلة عليهم كالتوراة والإنجيل ، ونسبوا لله
تعالى ما لم يقله أو يأمر به ، فكتبوا بأيديهم المحرِّفة ما أمرتهم به عقولهم
المنحرفة ، وقالوا : هذا من عند الله ، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلا ،
فبئسما يشترون !
قال تعالى :[ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم
يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ]
* ونكرههم
لأنهم نبذوا التوراة والإنجيل وراء ظهورهم ، وبدَّلوا نعمة الله كفراً ، وجحدوا
آية الله نُكراً ، وكذّبوا رسل الله فُجرا ، كأنهم لا يعقلون !
قال تعالى :[ قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما
أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أُنزل إليك من ربك طغياناً وكفرا فلا
تأس على القوم الكافرين ]
* ونكرههم
لأن أيديهم ملطخة بدماء أشرف خلق الله تعالى من أنبيائه ورسله وأوليائه
والصالحين من عباده المؤمنين على مدى التأريخ
قال تعالى :[ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم
وفريقاً تقتلون ]
وقال تعالى لهم :[ فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ]
* ونكرههم
لأنهم كذبوا بكتابنا المقدس والمنزه من التحريف والتبديل والتعديل ( القرآن
الكريم ) وجحدوا به ، وحاولوا إطفاء نوره والتعرض لقدسيته ، والتأريخ يشهد ،
والوقائع تنطق ، والله متم نوره ،ولو كره المشركون !
قال تعالى :[ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره
الكافرون ]
* ونكرههم
لأنهم تعدوا على أنبياء الله تعالى ، برفع بعضهم فوق منازلهم التي أنزلهم الله
كعقيدتهم في عيسى المخلِّص ( كما يزعمون ! ) عليه السلام ، وإساءتهم الأدب مع
بعضهم بنسبة السوء إليهم كالزنا وغيره ، ولو أنهم نسبوا ذلك لأحيائنا لما
رضيناه منهم ، فكيف بنسبته لأشرف الخلق وأعظم البشر ـ عليهم السلام .
قال تعالى :[ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ...]
* ونكرههم
لأنهم حاولوا إطفاء نور هذا الدين ، واجتثاثه من جذوره ، وإخماد جذوته ، حسداً
من عند أنفسهم ، بالمكر والكيد ، والحرب والصد ، وما أملته عليهم شياطينهم من
وسائل الإغراء والإغواء ، فويل لهم مما يفعلون !
قال تعالى :[ قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أُنزل
إلينا وما أُنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ]
* ونكرههم
لأنهم يكرهوننا ، ولن يرضوا عنا ، مهما تنازلنا عن مبادئنا ، وتغافلنا عن
مصالحنا ، وألسنتهم تنطق ، وواقعهم يشهد ، ووقائعهم تُبين عما يجري منهم في حبل
الوتين ، قال تعالى :[ قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ]
قال تعالى :[ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ...]
وقال تعالى :[ هاأنتم أُولاء تحبونهم ولا يُحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا
لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن
الله عليم بذات الصدور ]
* ونكرههم
لأنهم يودون لو أننا مثلهم في كفرهم ، حسداً لنا على ما أكرمنا ربنا من الإيمان
به ، والتوفيق لشرعه ، والتسديد على ملَّة التوحيد والهدى .
قال تعالى :[ وودوا لو تكفرون ]
وقال تعالى :[ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ]
وقال تعالى :[ ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً
من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ..]
* ونكرههم
لأنهم أخرجونا من ديارنا ، وحابوا أوليائنا ، وكادوا بديننا ، وكفروا بما جاءنا
من ربِّنا ، قال تعالى :[ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله
ربكم ..]
* ونكرههم
لأنهم يريدون إضلالنا عن الهدى ، وغوايتنا عن السبيل ، وانحرافنا عن المنهج
الأصيل ، لنكون مثلهم في ضلالهم وغوايتهم ، كالحيران بلا دليل !
قال تعالى :[ ودَّت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلونكم ..]
* ونكرههم
لأنهم لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذِمَّة ، ولا يرعون لنا عهداً ولا ميثاقاً ،
فلا قيمة لنا عندهم ، ولا منزلة لنا في موازينهم ، لأننا خلقنا ـ بزعمهم ـ
لنكون عبيداً أرقاء نسعى في خدمتهم والقيام على مصالحهم ...
قال تعالى :[ ... ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله
الكذب وهم يعلمون ]
* ونكرههم
لأنهم يرون أنفسهم خيراً منا ، وعلى سنن أهدى من سننا ، فهم يرونا من الكفار
ومن وقود النار ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه ، ونحن أعداء الله وخصماؤه ..
قال تعالى :[ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ]
وقال تعالى :[ وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً
وما كان من المشركين ]
وقال تعالى :[ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ....]
* ونكرههم
لِما يفعلون في أبناء أمتنا من تقتيل وتنكيل ، فقد رمَلوا نساءنا ، وقتلوا
رجالنا ، ويتموا أطفالنا ، وانتهكوا أعراضنا ، ودنسوا مقدساتنا ، واستباحوا
حرماتنا ، وسلبوا أموالنا ، وغير ذلك مما يطول وصفه ، ويصعب حصره ..
على أن كرهنا لهم وبغضنا إياهم لا يمنعننا أن نلتزم بالأحكام الشرعية في
التعامل معهم ، بل نعدل معهم ، ونطبق شرع الله فيهم ، ونحفظ لهم حقوقهم ، ولا
نتعدَّى عليهم ، أو نسيء إليهم إلا بما قررته الشريعة الخالدة والدين القويم .
قال تعالى :[ ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ]
وفي كل الحالات والمناسبات ، لا نتعامل معهم على أساس ما في قلوبنا ، بل كما في
شرعنا ، ملتزمين بالأحكام ، فهذه رحمة الإسلام ، دين الله الخاتم الذي لا يقبل
من أحد غيره . قال تعالى :[ إن الدين عند الله الإسلام ]
وقال تعالى :[ ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
الخاسرين ]
والله ولي الصالحين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والحمد لله رب العالمين …….