الخطبة الأولى :
عباد الله : بشراكم جميعاً بشهر الصيام ، أهله الله علينا وعليكم بالأمن
والإيمان ، والسلامة والإسلام ، وجعله الله علينا وعلى المسلمين شهر بركة وخير
ومغفرة للسيئات ورفعة في الدرجات ، ولقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يبشر
أصحابه بقدوم رمضان ، يقول أبو هريرة رضي الله عنه ، كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يبشر أصحابه ويقول : قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم
صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنان،وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ،
وفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم .. أخرجه أحمد والنسائي ،
يقول ابن رجب رحمه الله: يقول بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس
بعضهم بعضاً بشهر رمضان .ا.هـ .
أهلاً وسهلاً بالصيام *** يا حبيباً زارنا في كل عام
قد لقيناك بحب مفعم *** كل حب في سوى المولى حرام
فأقبل اللهم ربي صومنا *** ثم زدنا من عطاياك الجسام
لا تعاقبنا فقد عاقبنا *** قلق أسهرنا جنح الظلام
عباد الله : شهر رمضان موسم عظيم للمحاسبة ، وميدان فسيح للمنافسة ، تصفو فيه
النفوس من دواخلها ، وتقترب فيه القلوب من خالقها ، تفتح فيه أبواب الجنة ،
وتغلق أبواب النار ، وتصفد الشياطين ، وتكثر دواعي الخير وأسباب المثوبة ،
فيأيها المتقون الصائمون : فتشوا عن المحتاجين من أقربائكم ، والمساكين من
جيرانكم ، والغرباء من أخوانكم ، أشركوهم معكم في رزق ربكم ولا تنسوا برهم
وإسعادهم ، يقول الشافعي رحمه الله : أحب للصائم الزيادة في الجود في شهر رمضان
اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل
كثير منهم فيه بالعبادة عن مكاسبهم .ا.هـ .
عباد الله : رمضان فرصة للتنويع بين العبادات ، واستذكار العديد من الأذكار
الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والدعوات ، وما على راج الهداية ، وطالب
الرشد والسعادة إلا أن يعقد العزم على طرق عبادات لم يعتد على أدائها في
رمضانات سابقة .
أيها المسلمون : اعتاد بعضنا في رمضان على أداء عبادات معينة كالصيام والقيام
وقراءة القرآن ، وهناك عبادات أخرى قد تفضل عليها في الأجر إما لمكانتها أو
لهجر الناس لها ، وإتيان تلك الطاعات في مثل هذه الأيام إحياء لها وتذكير للناس
بتنوع العبادات وتعددها لمن أراد الزلفى من الله سبحانه ، ومن تلك العبادات :
عيادة المرضى ، وزيارة المقابر ، والصلاة على الجنائز ، والعبادات المتعدية
كإطعام الطعام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس الخير .
أيها المسلمون : في شهر رمضان يكثر المؤدون للصلاة وبخاصة صلاة النوافل
كالرواتب والتراويح والقيام ، وهذا الإقبال فرصة للتنويع بين الأدعية والآثار
والصفات الواردة في الصلاة ، فهناك العديد من أدعية الاستفتاح وهناك أنواع
للتشهدات ، هذا فضلاً عن الأدعية الواردة في الركوع والسجود وختام الصلاة ومن
اطلع على سبيل المثال على كتاب حصن المسلم وهو كتاب معروف ومتداول وجد مصداق ما
ذكر آنفاً ، يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : العبادات الواردة على
وجوه متنوعة تفعل مرة على وجه ، ومرة على الوجه الآخر ، فهنا الرفع ورد إلى حذو
المنكبين ، وورد إلى فروع الأذنين ، وكل سنة ، والأفضل أن تفعل هذا مرة وهذا
مرة ليتحقق فعل السنة على الوجهين ، ولبقاء السنة حية ، لأنك لو أخذت بوجه
وتركت الآخر مات الوجه الآخر ، فلا يمكن أن تبقى السنة حية إلا إذا كنا نعمل
بهذا مرة وبهذا مرة ، ولأن الإنسان إذا عمل بهذا مرة ، وبهذا مرة صار قلبه
حاضراً عند أداء السنة بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه يكون فاعلاً له
كفعل الآلة عادة ، وهذا الشيء مشاهد ، ولهذا من لزم الاستفتاح بقوله " سبحانك
الله وبحمدك " دائماً تجده من أول ما يكبر يشرع .. "سبحانك الله وبحمدك" من غير
شعور لأنه اعتاد ذلك لكن لو كان يقول هذا مرة ، والثاني مرة صار منتبهاً ، ففي
فعل العبادات الواردة على وجوه متنوعة فوائد :
1/ إتباع السنة ،، 2/ إحياء السنة ، 3 / حضور القلب . ا هـ رحمه الله رحمة
واسعة.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا يا رب العالمين .
الخطبة الثانية :
عباد الله : يقول الحسن البصري رحمه الله : إن الله جعل شهر رمضان مضماراً
لخلقه ، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا
، فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون
. ا.هـ .
أيها المسلمون : إذا كان الأمر كذلك فلماذا نخسر رمضان؟ لماذا يمر علينا ولا
نتزود منه بالتقوى ؟ لماذا يدخل ويخرج ولا نقاوم فيه الهوى ؟ ألم نعلم مزياه
وندرك فضائله ؟ ألم نعلم أنه شهر التوبة والمغفرة ومحو السيئات ؟ ألم ندرك أنه
شهر العتق من النار وموسم الخيرات ؟ ألم نعلم أن أوله شهر رحمة وأوسطه مغفرة
وآخره عتق من النار ؟ ألم نعلم أن فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد
حرم ؟ فما بالنا عباد الله ترغم منا الأنوف ونخسر ولا نستفيد ؟ ما بالنا نصر
على الإضاعة والتقصير والتفريط ؟
أيها المؤمنون : قارب الثلث الأول من رمضان على الرحيل ، مضى الثلث بما أودعناه
من خير أو شر ، ولئن كنا فرطنا فيه وقصرنا ، فإن ما بقي أكثر مما فات ، بقيت
عشر المغفرة ثم عشر العتق ، بقيت ليلة القدر وليلة توفية الأجر ، فلنر الله من
أنفسنا خيرا ، والله الله أن يتكرر شريط التهاون والتسويف ، أو تستمر دواعي
الكسل والتفريط ، فلقيا الشهر مرة أخرى غير مؤكدة ، ورحيل الإنسان منتظر في أية
لحظة .
من يرد تلك الجنان *** فليدع عنه التوان
وليقم في ظلمة الليل *** إلى نور القرآن
وليصل صوماً بصوم *** إن هذا العيش فان
إنما العيش جوار الله *** في دار الأمان
عباد الله صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه .