|
الخطبة الأولى :
لقد حل بساحة المسلمين ضيف كريم ، وموسم عظيم، موسم تفتح فيه أبواب الجنان ،
وتغلق فيه أبواب النيران ، وتسلسل فيه الشياطين ، موسم تضاعف فيه الحسنات ،
وتغفر السيئات ، وتقال العثرات ، فطوبي لمن أدركه وخرج منه بأوفر الحظ والنصيب
[وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو
حَظٍّ عَظِيمٍ] {فصِّلت:35}.
عباد الله : يا من منَ الله عليهم بادراك هذا الشهر الكريم وهم في صحة وعافية
وأمن، احمدوا ربكم على هذه النعمة واشكروه على هذه المنة ، وتذكروا من كان معكم
في رمضان المنصرم من الأخوة والأخوات ، والأقارب والأحباب ، أين صاروا عند دخول
هذا الشهر؟وماذا كان شانهم؟
منهم من فارق الحياة فهو الآن تحت أطباق الثرى ، ومنهم من يرقد على فراش المرض
لا يستطيع صياما ولا قياما، ونحن لا نزال نتمتع بالصحة والأمن والعافية فلله
الحمد أولا وآخر.
أيها المسلمون: في ختام شهر رمضان من كل عام يتحسر بعض الناس على أوقات ضيعوها،
وعلى عبادات قصروا فيها ، وعلى مكاسب ونفائس في هذا الشهر غفلوا عنها ، واليوم
يعود إليهم شهر الصيام من جديد لينظر في حال الصادق منهم وغير الصادق .
هاهو الشهر يعود من جديد فأين المشمرون فيه إلى الباقيات الصالحات ؟
هاهو الشهر يعود من جديد فهل من مبتعد فيه عن الخطايا والموبقات ؟.
عباد الله : لنحمد الله أن بلغنا شهر الصيام ، وليشد بعضنا عضد بعض ، فمن كان
منا مقصراً عاهدناه بالنصح ، ومن كان منا محافظاً زدناه ثباتاً بعد تثبيت الله
له ، [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ
لَمَعَ المُحْسِنِينَ] {العنكبوت:69}.
أيها المسلمون: إن خير ما يتقرب به العبد إلى ربه في شهر الصيام وفي غير شهر
الصيام فرائض الله التي افترضها على عباده ، قال صلى الله عليه وسلم : قال الله
تعالى : وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه .
عباد الله : إن من الملاحظ في شهر رمضان خاصة عناية الناس بأنواع من النوافل
والمستحبات يكثر الحرص عليها في هذا الشهر كقراءة القرآن ، وبذل المال
للمحتاجين والفقراء ، وإطعام الطعام ، وغيرها من صور البر والإحسان التي نرجو
أن يجعلها الله سبحانه خالصة لوجهه الكريم .
إلا أن الملفت هو أن هذه الصور المتنوعة من النوافل يقابلها تقصير وتفريط من
قبل بعض الناس في فرائض الله وواجباته كإهمال للصلاة ، وهضم للحقوق ، وعصيان
للوالدين وغير ذلك من الفرائض التي لا تجد لها مكاناً ولا رعاية حتى في شهر
الصيام .
أيها المسلمون : لئن يأتي المرء يوم القيامة في ميزان حسناته بأدائه الفرائض
والواجبات خير له من أن يكثر من المستحبات ويفرط في الواجبات ، وإلا ماذا
يستفيد من فرط في الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ؟ ولو كان
يختم القرآن ، ويطعم الطعام ، ويصل الأرحام .
ألا فلنحرص عباد الله على فرائض الله وليكن شهرنا هذا شهر إصلاح وتقويم لما فسد
أو نقص في تلك الفرائض والواجبات .
ما أجمل أن يحاسب المرء نفسه في هذا الشهر على الخشوع في الصلاة وعلى سننها
القبلية والبعدية وعلى أذكارها المشروعة .
وما أحسن أن يبدأ المرء شهره بصفحة جديدة تمسح ما سلف وكان من التقصير والعصيان
في حق الأقارب والجيران .
وما اسعد من اغتنم شهره في إصلاح الباطن وتقويمه وتطهيره فإنه لا ينفع مع فساد
الباطن صلاح الظاهر .
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا يا ربنا .
الخطبة الثانية
عباد الله : كم أدركنا من رمضان وودعناه كما استقبلناه ، والحال هي الحال ،
والله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، أين نحن من قوم إذا
سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة ، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوه ،
وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والإبصار ؟ أفما لنا فيهم أسوة ؟
رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر ، كل قيام لا
ينهي عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه لا بعدا ، وكل صيام لا يصان عن قول
الزور والعمل به لا يورث صاحبه إلا مقتا وردا .[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] {البقرة:183}.
ألا فصلوا وسلموا على الهادي البشير ..