•
السلام عليكم ..
•
هكذا فقط .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، غير أني لم أعد أطيق تقطيب
هذا الجبين أبدًا !
•
ماذا تريديني أن أفعل ؟ هل تريدني أفتعل الأنس ، وأتمثل الفرح ، وأنا أتعس
الناس نفسًا ، وأضيقهم صدرا ؟
•
لا لا لم أتصور أن صدرك مملوء بالهم إلى هذه الدرجة .
•
هذه هي المشكلة .
•
أي مشكلة تقصد ؟
•
أقصد أنه حتى أنت يا أعز الأصدقاء لا تملك أن ترجع السكينة إلى فؤادي ،
والطمأنينة إلى نفسي .
•
ما الأمر يا صاحبي ؟
•
لقد طال خريفي ، وأحرقني لهيب الصيف ، ومللت انتظار إطلالة الربيع على أرضي
المقفرة .
•
الذي يسمعك يقول بأنك تعيش على كوكب آخر غير هذه الأرض !
•
لقد اختصرت عليّ الطريق ، وأحسنت الوصف .
•
هذا تشاؤم ، وإلا فمن ذا لا يصاب بالغموم ؟
•
غير أن الغموم عندي طاب لها المقام ، فألقت عن ظهرها عصا التسيار .
•
إنني أشعر أنك تبالغ في كلامك كثيرًا .
•
ولذا فإني سألوذ بالصمت ، وأكتم الوحشة ، وأدعوك إلى الصبر على تقطيب هذا
الجبين العابس .
•
لا أقصد هذا ، وإنما ..
•
أرجو أن تعذرني في إنهاء الموضوع بهذه الطريقة التي أراها غاية في السذاجة ،
ولكني أجد نفسي مشدود الأعصاب ، ضيق النفس .
•
حتى متى يا صاحبي ؟
•
حتى أجد الدليل إلى السعادة التي مازالت شمسًا في سمائي ، أرهقني انتظار
إشراقها .
•
ماذا تعني بالسعادة التي تنشدها ؟
•
أريد أن تأمن نفسي ، وتخمد ثورة الهموم في قلبي ، أليس لي حق أن أبتسم كما
يبتسم الناس ، وأهنأ كما يهنئون ، وأنام كما ينامون ، وتورق الخضرة في أرضي
بعد الجدب ، ويزهر روضي بعد القفر ، حتى متى تفرّخ الهموم في صدري ، ولا أجد
لي من يخفف من لهيبها ، وإلى أي عمر أحتسي الوحشة مرًا شرابها ، ومنغصًا
عيشها ، لقد سئمتها الساعات تمر على قلبي كأمثال الجبال الراسيات .
•
لقد أذبت حشاشة فؤادي ألمًا وحسرة على حالك المرير ، الآن لا أستطيع أن ألقي
بالملامة عليك ، وكيف ألومك ونحن نعيش في عالم يعج بالمنكرات ، ويتفنن في عرض
الفتن ، ويقدس المادة ، وتعبث أهواؤه بالعقول ، حتى غدا الحليم فيه حيران .
•
ثم ماذا يا رفيق الدرب !! أتراني أجد في جعبتك مفتاحًا للسعادة ؟
•
السعادة كنز عظيم ، مودع في صندوق ثمين ، غير أنه محكم غاية الإحكام ،
ومفتاحه الذي تسأل عنه له أسنان كغيره من المفاتيح ، غير أنها دقيقة ، تحتاج
إلى مراعاة وتيقظ .
•
أنت بذلك تزيد الأمر تعقيدًا .
•
الأمر كذلك يا أخي لو لم يكن لنا هادٍ ومرشد .
•
ماذا تعني ؟
•
أما ترى ما يصنع الاضطراب النفسي ، والفراغ الروحي بشباب الغرب والشرق ، مع
أنهم عن شهواتهم لا يمنعون ، وعن رغباتهم لا يصدون ، فأنت ترى الآلاف منهم
تقودهم همومهم إلى المخدرات ، ومنها إلى الهلوسة والهذيان ، ومن ذلك كله إلى
الانتحار والعياذ بالله .
•
نعوذ بالله من الهمّ ، ومن خاتمة لا ترضي الله تعالى .
•
إذن لعلك أدركت أن السبب الأقوى في نجاة المسلمين في غالبهم من عواقب القلق
والوحشة : هو أن لهم طريقًا اختطه الله لهم ، ووعد من سار عليه منهم بطيب
الحياة في الدنيا والآخرة .
•
أرى أنوار الفرج تشع على شفتيك .
•
بل إنها شعت ببزوغ شمس هذه الشريعة المباركة على الخلق أجمعين ، أما قرأت
قوله تعالى :
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
الآية : (97) ، من سورة : النحل ..
•
يا له من وعد أكيد من قادر على الوفاء .
•
إن كثيرًا من الناس اليوم وخصوصًا الشباب الذين هم هدف الفتنة ومرتعها الخصب
، تراهم يبحثون عن مخرج من ضوائقهم النفسية ، ولا أراهم يصلون له إلا أن
يفلحوا في العثور على المخرج الرباني الذي أرشدنا الله إليه في قوله :
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
من الآيتان : (2) ، و (3) ، من سورة الطلاق ..