قال ابن القيم رحمه الله : فمن أعظم أسباب الموت
العام : كثرة الزنا ، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال ، والمشي بينهم
متبرجات متجملات ، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية ـ
قبل الدين ـ لكانوا أشد شيءٍ منعاً لذلك . أـ هـ . باختصار .
روى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال :
لما أقبل موسى في بني إسرائيل يريد قتال الجبارين ، سأل الجبارون بلعام بن با
عوراء أن يدعو على موسى فقام ليدعو فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه .
فقيل له في ذلك فقال : لا أقدر على أكثر مما تسمعون فقال لقومه : إني سأمكر لكم
وأحتال ، جمِّلوا النساء ، وأعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ،
ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها . فإن الله يبغض الزنا فإن وقعوا
فيه هلكوا ، ففعلوا فوقع بنو إسرائيل في الزنا فأرسل الله عليهم الطاعون ، فمات
منهم سبعون ألفاً .
إن العفة حجاب يمزقه الاختلاط ، وطريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة
والرجل الأجنبي عنها ، فللرجال مجتمعاتهم ، وللنساء مجتمعاتهن ، ولا تخرج
المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية .
وكل هذا لحفظ الأعراض والأنساب ، والبعد عن الريب والرذائل ، وعدم إشغال المرأة
عن وظائفها الأساسية في بيتها ؛ ولذا حرِّم الاختلاط ، سواء في التعليم أم
العمل ، والمؤتمرات ، والندوات ، والاجتماعات العامة ، والخاصة ، وغيرها ، لما
يترتب عليه من هتك الأعراض ، ومرض القلوب ، وخطرات النفوس ، وميوعة الرجال ،
واسترجال النساء ، وزوال الحياء ، وتقلص العفة والحشمة ، وانعدام الغيرة .
ولهذا فإن أهل الإسلام لا عهد لهم باختلاط نسائهم بالرجال الأجانب عنهن ، وإنما
حصلت أولُ شرارة قَدَحت للاختلاط على أرض الإسلام ، من خلال : " المدارس
الاستعمارية الأجنبية والعالمية " .
وقد عُلم تاريخياً أن ذلك من أقوى الوسائل لإذلال الرعايا ، وإخضاعها بتضييع
مقومات كرامتها ، وتجريدها من الفضائل ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز
الحكيم ـ
كما عُلِم تاريخيا أن التبذل والاختلاط من أعظم أسباب انهيار الحضاراتِ ،
وزوالِ الدول، ولهذا حُرِّمت الأسباب المفضية إلى الاختلاط ، وهتك سنة المباعدة
بين الرجال والنساء ، ومما حُرِّم في هذا الجانب :
• تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها ، " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان
الشيطان ثالثهما " خلوة السائق ، والخادم ، والطبيب ، وغيرهم .
• تحريم سفرِ المرأة بلا محرم . والأحاديث فيه متواترة معلومة . " لا يحل
لامرأة أن تسافر يوما وليلة إلى مع ذي محرم ".حديث صحيح
• تحريم دخولِ الرجال على النساء ، حتى أقاربُ الزوج ـ فكيف بالجلسات العائلية
المختلطة ، مع ماهن عليه من الزينة ، وإبراز المفاتن ، والخضوع بالقول ، والضحك
... ؟
• تحريم مس الرجل بدن الأجنبية ، حتى المصافحة للسلام .
• تحريم تشبه أحدهما بالآخر .
• وشرع لها صلاتها في بيتها ، فهي من شعائر البيوت الإسلامية ، وصلاة المرأة في
بيتها خير من صلاتها في مسجد قومها ، وصلاتها في مسجد قومها خير من صلاتها في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت الحديث بذلك .
• ولهذا سقط عنها وجوب الجمعة ، وأُذن لها بالخروج للمسجد وفق الأحكام الآتية :
1ـ أن تُؤمن الفتنة بها وعليها .
2ـ أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي .
3ـ أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع .
4ـ أن تخرج تَفِلة غير متطيبة .
5ـ أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة .
6ـ إفراد باب خاص للنساء في المساجد ، يكون دخولها وخروجها معه ، كما ثبت
الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره .
7ـ تكون صفوف النساء خلف الرجال .
8ـ خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال .
9ـ إذا ناب الإمام شيء في صلاته سبَّح رجل ، وصفقت امرأة .
10ـ تخرج النساء من المسجد قبل الرجال ، وعلى الرجال الانتظار حتى انصرافهن إلى
دُورهن ، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها في صحيح البخاري وغيره .
إلى غير ذلك من الأحكام التي تباعد بين أنفاس النساء والرجال .
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
الأصل لزوم النساء البيوت ؛ لقول الله تعالى :
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ }
.
فهو عزيمة شرعية في حقهن ، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة
.
ولهذا جاء بعدها :
{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } أي : لا
تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية .
والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالجُدر والخُدُور عن البروز أمام الأجانب ،
وعن الاختلاط ، فإذا برزن أمام الأجانب ، وجب عليهن الحجاب باشتمال اللباس
الساتر لجميع البدن ، والزينة المكتسبة .
وقرار المرأة في بيتها يكسبها الوقت والشعورُ بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب
في البيت : زوجة ، وأمًّا ، وراعية لبيت زوجها ، ووفاء بحقوقه من سكن إليها ،
وتهيئة مطعم ومشرب وملبس ، ومربية جيل .
وقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المرأة راعية
في بيت زوجها ، ومسئولة عن رعيتها " متفق على صحته .
قرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضة ، وغيرها ؛
ولهذا فليس على المرأة واجب خارج بيتها ، فأسقط عنها التكليف بحضور الجمعة
والجماعة في الصلوات ، وصار فرض الحج عليها مشروطاً بوجود محرم لها .
وأسقط عنها فريضة الجهاد ؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد
، وكذلك الخلفاء بعده ، ولا انتدبت امرأة لقتال ولا لمهمة حربية ، بل إن
الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمة واختلال تصوراتها .
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله ، تغزو الرجال ولا نغزو ،
ولنا نصف الميراث ؟ فأنزل الله : {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ
بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} رواه أحمد والحاكم وغيرهما بسند صحيح .
قال الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه الله تعالى ـ تعليقاً على هذا الحديث في " عمدة
التفسير " 3/157" : ( وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين ـ في عصرنا ـ
الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين ، فيخرجون المرأة عن خدرها ،
وعن صونها وسترها الذي أمر الله به ، فيدخلونها في نظام الجند ، عارية الأذرع
والأفخاذ ، بارزة المقدمة والمؤخرة ، متهتكة فاجرة !! يرمون بذلك ـ في الحقيقة
ـ إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية ،
تشبهاً بفجور اليهود والإفرنج ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة )
أهـ .