|
إن كلمة ( اقرأ ) أول كلمة نزلت على نبينا صلى الله عليه وسلم ، وينبغي أن نفقه
الدلالة العميقة لذلك في صورة اكتشاف لأهمية العلم والمعرفة في وجودنا المعنوي
والمادي ، فنحن بحاجة إلى العلم ليس من أجل الانتفاع بما سُخِّر لنا أو الحصول
على فرصة عمل فحسب ؛ وإنما نحتاجه قبل ذلك في فهم أنفسنا ، وفهم طبيعة علاقتنا
بخالقنا جل وعلا ، إلى جانب فهم العصر الذي نعيش فيه والتحديات التي تواجهنا .
إن أذهاننا لا تدرك الأشياء على نحو مباشر ، وإنما عبر وسيط معرفي مكوَّن من
مبادئ عقلية وعملية ومعارف وخبرات حياتية . وعلى مقدار ما نقرأ ونتعلم ونجرّب ،
يتحسن مستوى ذلك الوسيط ، وبتحسنه يتحسن فهمنا للوجود ، ومعه تتحسَّن نوعية
الحياة . ومع أن العلم ظل يتمتع بنظرة الاحترام والتقدير على مدار التاريخ ،
ولدى كل الأمم المتمدنة ، إلا أنه يكتسب الآن مكانة استثنائية على المستوى
العالمي ؛ حيث إن الأمم كانت تنظر إليه على أنه شيء مواز للعقل والحكمة والذكاء
الفطري ، وبعض الناس كان يفضّل الذكاء على العلم ، وبعضهم يرجح العلم على
الذكاء . وقد كان ذلك في الماضي مقبولاً نظراً لضآلة ما كان متوفراً من المعارف
والعلوم ، أما اليوم فإن هذا الكم الهائل من المعارف المتكاثرة قد جعل الموازنة
غير واردة ؛ حيث إن كل التراكمات والتنظيمات والترتيبات الحضارية الموجودة الآن
مدينة على نحو أساسي للعلم والخبرة والتجربة ، كما أن التعامل مع المعطيات
الحضارية والاستفادة منها ومواجهة مخاطرها لن تستقيم من غير المعرفة المعاصرة ،
ودور الذكاء الفطري في ذلك هامشي جداً .
إن النظرة الحديثة للعلم لا تجعله في موازاة العقل ، بل تجعله المصدر الأعظم
لتكوين العقل بما هو مبادئ ومفهومات ؛ ولهذا فإن تحسين مستوى المعرفة والاطلاع
والتثقف لدى الشباب المسلم يجب أن يستحوذ على الكثير من اهتمامنا وجهودنا ،
وعلينا هنا أن نعترف أن مؤسساتنا التعليمية قد أخفقت إخفاقاً ذريعاً في إرساء
تقاليد ثقافية تمجِّد الكتاب والقراءة ، وترعى حب الاستطلاع لدى الأطفال وتحميه
؛ حيث إن هناك الكثير الكثير من البيوت التي ليس فيها مكتبات خاصة ، كما أن
هناك مكتبات كثيرة ليس فيها أي شيء يناسب الأطفال ، ولا يخفى إلى جانب ذلك أن
هناك كثيراً من المكتبات التي لا يطالع أصحابُها كتبَها ، فهي في نظرهم جزء من
أثاث البيت ، وجانب من تكميله الشكلي ؛ ولذا فإن الوقت الذي يقضيه الإنسان
العربي في القراءة هو تقريباً عُشْر الوقت الذي يقضيه فيها الإنسان في الدول
الصناعية . يقول أحد الباحثين : إن تعليم القراءة للأطفال يبدأ منذ سن ستة أشهر
. وإذا أردت أن تربي قارئاً جيداً فإن عليك أولاً أن تتعرف على مهارات السرد
القصصي ؛ أي أن نتعلم كيف نقدم المعرفة للصغار كما يقدم القاصّ الماهر حكاياته
المشوقة والممتعة لمن يقصّ عليهم . والقراءة للأطفال ومع الأطفال ذات أثر بالغ
الفعالية في نموِّهم الذهني والوجداني . والمهم ليست الكمية التي نقرؤها لهم
ولكن المهم تشجيع الطفل على المشاركة أثناء القراءة وإلا فإن استفادته من
القراءة ستكون شبه معدومة .
فهل آن لأمة ( اقرأ ) أن تجدد علاقتها الفاترة بالكتاب وبالمعرفة ، وأن تتعلم
كيف تقرأ ؟ !