|
كان المفترض أن يقود المسلمون ثورة الاتصالات في العالم حتى يتمكنوا من تبليغ
الرسالة ، وحتى يتمكنوا من التواصل والتعاون فيما بينهم ، ولا سيما أنهم موزعون
على أرجاء العالم كافة ؛ لكن بما أن ذلك لم يحدث - لأسباب معروفة - فلا أقل من
أن نستفيد من الإمكانات الهائلة التي وفرها التقدم التقني على صعيد الاتصالات
والبث الفضائي وشبكات المعلومات .
إنني لا أعني ابتداء بالاستثمار استثمار المال فحسب ؛ فالمال ضروري وجوهري ومن
دونه لا نستطيع القيام بالكثير من الأعمال ، لكن هناك أمور كثيرة أيضاً لا تحل
بالمال ، إنني أعني بالاستثمار في الإعلام إيجاد الاهتمام أولاً بهذا القطاع
الحيوي والمهم جداً حيث إن أي مجال أو قطاع لا يرتقي إلا من خلال كثرة المهتمين
به ، كما أعني بالاستثمار في الإعلام بذل الجهد والوقت في تفعيل دور الإعلام
الإسلامي في النهوض بالأمة وحل مشكلاتها ؛ فبناء مواقع إسلامية على (الإنترنت )
يتطلب المال ، ولكنه يتطلب الجهد والتعب أكثر من حاجته إلى المال ، وطبيعة
ممارسة الإعلام والدعوة إلى الله - تعالى - على الشبكات المعلوماتية تتسم
بالمرونة ، ويمكن أن يسهم في إثرائها الكثير الكثير من الشباب والأشبال بعد
القليل من التدريب والخبرة ، إننا بالمال نستطيع إيجاد بنى وهياكل إعلامية لكن
بناء الإعلامي اللامع المحترف يحتاج إلى وقت وقد يكون عليك أن تصبر عشرين سنة
حتى تحصل على إعلامي ممتاز ؛ ففهم البيئة الإعلامية واستيعاب الفرص والتحديات
الموجودة فيها وشق طريق خاص متميز بين شعابها ووهادها يحتاج إلى الممارسة
والمعاناة والانخراط في لجة العمل الإعلامي ، والزمن عامل مهم في بلوغ كل ذلك .
اليهود يتمتعون بالإدراك العميق لأحوال عصرنا ، وبالخبرة الواسعة بمكامن القوة
فيه ، وقد كانوا يقولون : من يملك الذهب يملك العالم ، وهم يقولون اليوم :
من يملك الإعلام يملك العالم .
وهذا القول عميق الدلالة ؛ فالإعلام اليوم من خلال الإتقان الفائق للبرامج التي
يقدمها ، ومن خلال ما يتمتع به من قدرة كبيرة على التأثير بات قادراً فعلاً على
أن يصنع شيئاً من لا شيء ؛ إنه قادر على أن يوجد بيئة كاملة من الأفكار
والمشاعر والقيم والاهتمامات والاتجاهات لأمور تافهة أو هامشية مثل الرياضة
والفن والطبخ والأزياء .. والملاحظ - مثلاً - أن بعض منتجات ( هوليود ) من
الأفلام والأعمال الفنية بات يركز على إظهار ( البوذية ) بوصفها الديانة الأعمق
روحانية والأكثر إنسانية ، وقد اقتنع كثير من الناس في الغرب على الأقل بذلك ،
والسبب هو أن اليابانيين اشتروا أسهماً في ( هوليود ) بعشرات المليارات من
الدولارات ، وباتوا يتحكمون في إنتاجها ، وقد قدموا بذلك خدمة لديانتهم كان من
الصعب أن تحظى بها لولا عمليات الشراء تلك !
والإعلام في المقابل قادر من خلال تجاهله وتعاميه أن يسدل الستار على أكثر
القضايا والأزمات والنكبات حيوية وشناعة ؛ ففي عالم مهموم ومشغول ومشتت يصبح
إرباك الوعي وصرف الانتباه أمراً في غاية السهولة ، وأكبر دليل على ذلك ما جرى
ويجري ساعة كتابة هذا المقال في فلسطين السليبة ؛ حيث بلغت المأساة حداً جعل
وزير خارجية العدو الإسرائيلي يقول : ما جرى في مخيم جنين مجزرة ، وجعل بعض
موظفي الصليب الأحمر يقولون إن وضع مخيم جنين يشبه وضع برلين عام 1945م عقب
الحرب العالمية الثانية !
إن أمة الإسلام غنية بالأحزان وبالصور والمشاهد المؤلمة والمفجعة ؛ وعصرنا -
كما يقولون - هو عصر الصورة ، لكن أين الإعلاميون المسلمون الذين ينقلون صور
مآسينا للعالم الذي ضلله الإعلام الصهيوني والإعلام المتحالف معه ؟ !
بالإضافة إلى ما ذكر نحن بحاجة إلى تكثيف الاستثمار في الإعلام لسببين جوهريين
:
الأول هو :
تأدية أمانة التبليغ وإيصال رسالة
الإسلام إلى الناس كافة ، والحقيقة أن البث الفضائي المتوفر الآن إلى جانب
شبكات المعلومات قد وفرا وسائل للتبليغ كان أسلافنا عاجزين حتى عن الحلم بها ؛
فقد أمكن الآن مخاطبة مئات الملايين من البشر في آن واحد ، وإيصال ما نريد
إليهم ، على حين كان الناس في الماضي يغبطون العالم إذا جلس في حلقته ألف من
طلاب العلم .
إن هذه السهولة في التواصل العالمي جاءت في الوقت المناسب ؛ حيث إن معظم سكان
الأرض قد فقدوا اليوم الإحساس بالأهداف الكبرى والإحساس بالغاية من الوجود ،
والمسلمون وحدهم هم الذين يملكون الرؤية والمنهج اللذين يحتاج إليهما العالم .
الأمر الثاني هو :
مقاومة شرور الإعلام الماجن الذي دخل كثيراً من البيوت ، وباشر عملية تخريب
واسعة النطاق من خلال إفساد الأعراف والأذواق والمفاهيم ، إنه فعلاً يعيد صياغة
العقول والمشاعر من جديد على نحو بالغ السوء وليس هناك من حل اليوم سوى إيجاد
إعلام إسلامي قادر على المنافسة والاستيلاء على جزء من الجماهير ، إن الإعلام
يشكل شيئاً جوهرياً في عصرنا ، وإن التقدم على صعيده يعد من الشروط المهمة لفهم
روح العصر والتأثير فيه ؛ وقد قال أحد المفكرين :
(إذا لم يكن لك روح عصر كانت لك كل شروره ) .
الإعلام الإسلامي يواجه تحديات لا يواجهها أي إعلام آخر ؛ حيث إن عليه أن يجمع
بين الجاذبية والالتزام ؛ ولذا فإنه لا يستطيع أن يتغذى على شهوات الناس
ورغباتهم ، كما لا يستطيع مخادعة الناس واستغلالهم - كما يفعل الإعلام الآخر -
ولكن مع هذا فإن ترسيخ وجوده في الساحات العالمية ليس بالأمر المستحيل إذا توفر
لدنيا ما يكفي من الوعي والإخلاص والعزيمة .
إن أغنياء المسلمين مطالبون ببذل الأموال ووقف العقارات من أجل إنشاء المؤسسات
الإعلامية ، وإن الدعاة والمثقفين مطالبون بأن يسعوا في بناء الأطر الإعلامية
وتأسيس مؤسسات الإنتاج الإعلامي وتوجيه الطاقات الشابة من أجل العمل في هذا
المجال المهم ، أما جمهور المسلمين فإن دعمهم للإعلام الإسلامي يتمثل في شراء
منتجاته وقراءتها وفي الإعلان في وسائله ، وفي التفاعل مع الرسالة الإعلامية
التي يقدمها لهم .
والله الموفق .