شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث 176 في فضل الصلاة على الجنازة
وحضور الدَّفْن
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ
شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ
شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ . قِيلَ : وَمَا الْقِيرَاطَانِ
؟ قَالَ : مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ .
وَلِمُسْلِمٍ : أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ .
في الحديث مسائل :
1= المقصود بـ " شُهُود الجنازة " هو حضورها حتى يُصلّى عليها .
2 = تفسير القيراط بِجبَل أُحُد . يَظْهر أنه من كلام أبي هريرة رضي الله عنه .
وهذا يُعرَف عند المحدِّثين بـ " الْمُدْرَج " .
ففي رواية للبخاري من طريق أبي حازم قال : قلت : يا أبا هريرة وما القيراط ؟
قال : مثل أُحُد .
إلاَّ أن جَمْع الرِّوايات في الباب يُبيِّن ذلك ويُوضِّحه .
ففي رواية لِمُسْلِم من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى على جنازة فله قيراط ، فإن شهد دفنها فله
قيراطان . القيراط مثل أُحُد .
وفي رواية له : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القيراط ، فقال : مِثْل أُحُد
.
وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
مَن صَلَّى على جنازة فله قيراط ، ومن شهدها حتى تُدْفَن فله قِيراطان ، والذي
نفس محمد بيده القيراط أعْظم من أُحُدٍ هذا . رواه ابن ماجه .
3 = القيراط جاء مُفسَّرًا في هذا الحديث ، وهو مثل الجبل العظيم .
ولا معنى لتفسيره بِخِلاف مَا فَسَّره به رَاويه ، بل بِما فَسَّره به النبي
صلى الله عليه وسلم .
وقد رأيت بعضهم فسَّرَه بالشيء اليسير ، واستَدَلّ بما جاء عنه عليه الصلاة
والسلام أنه كان يَرْعَى الغنم لأهل مكة على قراريط !
4 = قيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول : سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : مَن تَبِع جِنَازة فله قِيراط من الأجر . فقال ابن عمر : أكَثْرَ عَلينا
أبو هريرة ، فبعث إلى عائشة فسألها فَصَدَّقَتْ أبا هريرة ، فقال ابن عمر : لقد
فَرَّطْنَا في قَرَارِيط كثيرة . رواه البخاري ومسلم .
5 = ما جاء في هذا الحديث يَرُدّ على من جَعَل مِن علامات وَضْع الحديث كثرة
الأجور ؛ فليس هذا بِقاعِدة مُطَّرِدة .
فإن صلاة الجنازة عَمَل يسير وترتّب عليه أجر عظيم .
نعم .. قد يُقال بهذا إذا وُجَدت قرينة في الإسناد ، أو لم يُوجد للحديث إسناد
، ووُجِدَتْ الْمُجازَفَة في تعظيم الأجور .
6 = مَن صَلّى على جِنازة فله أجْر عَظيم .
وَمن تَبِعها حتى تُدْفَن ضُوعِف له الأجر .
فإن عَزّى أهل الميت نال زيادة أجر على ذلك .
قال ابن عبد البر : أجمعوا أن شهود الجنائز خير وفَضل وعَمَل بِرّ .
7 = من صلّى على عِدّة جنائز دفعة واحدة . هل يحتسِب أجر صلاة الجنازة بِعدد
الجنائز ؟
الجواب : نعم ، ويُرْجَى له ذلك ، لِعُمُوم لفظ " مَن صَلَّى على جنازة فله
قيراط " .
إلاَّ أن المسلم ليس في مقام مُحاسَبة ، وليس في مَقام عَدّ حسنات ! بل يجب أن
يَكون همّـه مسألة قَبول العَمَل ، فهي التي قد أهَّمَتِ السَّلَف .
9 = هل يُشرَع الجلوس قبل أن تُوضَع الجنازة ؟
جاء الأمر بالقيام حتى تُوضع الجنازة ، وجاء النهي عن القعود لمن تَبِع الجنازة
.
وقد بوّب الإمام البخاري : باب مَن تبع جنازة فلا يقعد حتى تُوضع عن مناكِب
الرِّجال ، فإن قعد أُمِر بالقيام .
ثم روى بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يقعد حتى تُوضَع .
وهذا الحديث رواه مسلم بِلفظ : إذا اتّبعتم جنازة ، فلا تجلسوا حتى تُوضَع .
وروى البخاري مِن طريق سعيد المقبري عن أبيه قال : كنا في جنازة فأخذ أبو هريرة
رضي الله عنه بِيدِ مروان فجلسا قبل أن تُوضع ، فجاء أبو سعيد رضي الله عنه
فأخذ بيد مروان فقال : قُم ، فو الله لقد علم هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهانا عن ذلك . فقال أبو هريرة : صَدَق .
فعُلِم أن المقصود بالأمر بالقيام والنهي عن القعود إنما هو لمن تبِع الجنازة
حتى تُوضع عن مناكب الرِّجال .
ويدلّ عليه : ما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما ، قال : خرجنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم، في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر،
ولَمّا يُلحَد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلسنا حوله .. الحديث .
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
10 = هل يُؤمر مَن جَلَس بالقيام حتى تُدْفَن الجنازة ؟
لا يُؤمَر بالقيام حتى تُدفن الجنازة ، بل الأمر جاء حتى تُوضع عن مناكب
الرِّجال .
ومنهم مَن يرى أن القيام منسوخ .
روى الإمام مسلم من طريق واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ ، أنه قال : رآني نافع بن
جبير ونحن في جنازة قائما ، وقد جلس ينتظر أن توضع الجنازة ، فقال لي : ما
يُقيمك ؟ فقلت : أنتظر أن تُوضع الجنازة ، لما يُحَدِّث أبو سعيد الخدري ، فقال
نافع : فإن مسعود بن الحكم ، حدّثني عن علي بن أبي طالب ، أنه قال : قام رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد .
وروى مسلم أيضا مِن طريق مسعود بن الْحَكم عن علي رضي الله عنه ، قال : رأينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا ، وقعد فقعدنا ، يعني في الجنازة .
وفي رواية أحمد من طريق محمد بن عمرو، قال: حدثني واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ
، قال : شهدت جنازة في بني سلمة ، فَقُمت ، فقال لي نافع بن جبير : اجلس فإني
سأخبرك في هذا بِثَبْت ؛ حدثني مسعود بن الحكم الزرقي أنه سمع علي بن أبي طالب
بِرَحبة الكوفة ، وهو يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَنا بالقيام
في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك وأمَرَنا بالجلوس .
11 = تنبيه :
ما رُوِي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من
أتى جنازة في أهلها فله قيراط ، فإن اتبعها فله قيراط ، فإن صلى عليها فله
قيراط ، فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط .
فهذا حديث مُنكَر ، والْمُنْكَر مِن أقسام الحديث الضعيف .