1= الزكاة لُغة : النماء والزيادة والـتَّطْهِير والكفَّارة .
ومِنه قوله عليه الصلاة والسلام : اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّ
الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا
.
" أي : تطهيرا وكفَّارة ، كما قال تعالى : (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)
. وكذلك قوله : " أنت خَير مَن زَكَّاها " أي : طَهَّرَها ، وهو أحد معاني
الزكاة للمال ، أنه طُهْرَته . وقيل : طُهْرَة صَاحِبه . وقيل : سَبَب نَمَائه
وزيادته . والزكاة : النماء . وقيل : تَزْكِية صَاحبه ، ودَليل إيمانه ، وزكاته
عند الله " قاله القاضي عياض في مشارق الأنوار .
وقال الراغب : أصل الزكاة : النمو الحاصل عن بَركة الله ، ويُعْتَبر ذلك
بالأمور الدنيوية والأخروية .
وشرعا : قَدْر مِن الْمَال في مَال مَخصوص لِمَالِك مَخصوص . ذكره المناوي .
وينبغي أن يَكون التعريف جامعا مانعا ، فيُزاد فيه : ولِمَصْرِف مَخْصُوص . إلا
أن يُراد بالمالك المخصوص : مُستَحِقّ الزكاة .
2= وكَما تَكون الزكاة في أموال مخصوصة ، فإنها تُصرَف إلى أجناس مخصوصة .
3= الزكاة رُكن من أركان الإسلام ، فهي الركن الثالث ، وقد اخْتُلِف في وقت
فَرضها على الأمة ، هل فُرِضَتْ بمكة أو بالمدينة ، وذلك دالّ على أهميتها .
ومِمّا دَلّ على أهميتها أنَّ الله تبارك وتعالى أمَرَ بها الأنبياء ، وقَرَن
ذلك بالصلاة ، فقال تعالى في خَبَر عيسى عليه الصلاة والسلام : (وَأَوْصَانِي
بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) ، وفي خَبَر إسماعيل عليه الصلاة
والسلام : (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ
رَبِّهِ مَرْضِيًّا) ، وفي معنى الزَّكاة قَولان : أحدهما : زكاة الأموال أن
يؤديها ،
والآخر تطهير الجسد مِن دَنس الذُّنوب ، فيكون معناه : وأوصاني بترك الذنوب
واجتناب المعاصي . قاله ابن جرير الطبري .
وقال القرطبي في قوله تعالى : (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ) : أي
لأؤدّيهما إذا أدْرَكني التكليف وأمكنني أداؤهما، على القول الأخير الصحيح .
اهـ .
ولَمَّا ذَكَر الله طائفة من الأنبياء قال في الثناء عليهم : (وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) .
4= والزكاة تَكون في المال ( الذهب والفضة ) وفي النقدين ، الدنانير والدراهم ،
ويُسمّى ( الـنَّـاضّ ) .
قال الأصمعي : اسم الدنانير والدراهم عند أهل الحجاز الناضّ .
وتكون الزكاة في بهيمة الأنعام وفي الزروع والثِّمَار .
وتَكون الزكاة في الْجَاه والبَدَن .
وتَكون مُقدَّرَة ، وقد تَكون مُطْلَقَة .
ولا تَجِب الزكاة في المال إلاَّ بثلاثة شروط :
1 – بُلُوغ الـنِّصَاب ، والنِصابُ مِن المال : هو القَدَر الذي تجِب فيه
الزكاة إذا بلغَه .
2 – تَمام الْمِلْك ، وهو أن يَملِك الْمَال ملكا تامًّا .
3 – حَولان الْحَوْل ، أي : أن يَدوُر عليه الْحَول ، وهو مرور عام كامل منذ أن
مَلك المال .
وقال مالك : السُّـنَّة عندنا أنه لا تَجِب على وَارِث في مَال وَرِثه الزَّكاة
حتى يَحول عليه الحول .
قال أبو عمر : هو إجماع مِن جماعة فقهاء المسلمين ، فالحديث فيه مأثور عن علي
وابن عمر أنه لا زكاة في مَال حتى يَحول عليه الْحَوْل ، وقد رفع بعضهم حديث
ابن عمر . ولا خلاف في هذا بين جماعة العلماء . قاله ابن عبد البر .
5= ويُشترط لوُجوب الزكاة أن يَكون له مالِك ، فإن كان مالاً عامًّا ، أو لا
مالِك له ؛ فلا زكاة فيه ، كالأموال التي تُجمَع للزَّكاة ، ومثل صناديق
الأُسَر ، وما يَجمَع لِسداد دُيون الغارمين ، ونحوه .
وهو مُلْتَحِق بشرط تمام الملك .
6= ويُزاد في الثمار أن تبلُغ خمسة أوسُق ، وهو نِصابُها ، وسيأتي تفصيلها في
شرح أحاديث الكتاب .
7= وفي بهيمة الأنعام : أن تَكون تَرْعى أغلب الْحَوْل .
8= يُخاطَب بالزكاة ويُؤمَر بها مَن كان له مال زَكوي .
وهذا مِن أسباب اختِلاف أمْرِه صلى الله عليه وسلم وتعليمه لِمن أسْلَم حديثا ،
فقد جاء في بعض الأحاديث عدم النصّ على الزكاة ؛ إما لِكون الْمُخاطَب فقيرا ،
وإما لكونه ليس من أهل الزكاة في وقت تعليمه .
9= تارك الزكاة كافِر مُرتدّ على الصحيح مِن أقوال أهل العلم ، ولذا حَارَب
الصحابة رضي الله عنهم مَن فَرَّق بين الصلاة والزكاة .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : مَا تَارك الزكاة بِمُسْلِم .
وقال رضي الله عنه : أُمِرْتُم بالصلاة والزكاة ، فَمَن لَم يُـزَكّ فلا صَلاة
له .
وقال : مَن أقام الصلاة ولم يُؤت الزكاة فليس بِمُسْلِم يَنْفَعه عَمَله .
رواها الإمام اللالكائي .
ويَدُلّ على هذا ما جاء في آيتي التوبة ، فقد قَرن الله الزكاة بالصلاة ،
وجعلها حدًا بين أفسلام والكُفر ، فقال تعالى : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) ، وقال عزّ وَجَلّ :
(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ) .
قال ابن زيد : قَرَن الله الصلاة بالزكاة ، ولم يَرْضَ بإحداهما دون الأخرى .
فهذا مَحْمُول على ترك بعض الْحَقّ الواجِب لا على تَرْك الزكاة .
ألا تَراه قال في شأن الإبل : " وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا "
؟ وقال في شأن الخيل : " ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلا
رِقَابِهَا " ؟
فالْحَقّ أعَـمّ مِن أن يَكون في الزكاة الواجبة .
ألا تَرى أن في المال حقًّـا غير الزكاة الواجبة ؟ كما قال تعالى : (وَفِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ، وفي قوله : (وَالَّذِينَ
فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) .
قال ابن كثير : أي: في أموالهم نَصيب مُقَرر لِذوي الحاجات .
قال ابن منظور في لسان العرب : وفي حديث الزكاة ومن حَقِّها إِفْقارُ ظهرِها ..
قال : أَفقر البعيرَ يُفْقِرُه إِفقاراً إِذا أَعاره ، مأْخوذ من ركوب فَقارِ
الظهر ، وهو خَرَزَاتُه ، الواحدة فَقارَة .
وقد يُقال : هذا خِلاف ما كان الصحابة رضي الله عنهم يَرَونَه مِن كُفْر تارك
الصلاة ، كما قال شقيق البلخي: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يَرَون
شيئا مِن الأعْمال تَرْكه كُفْر غير الصلاة .
فالجواب أنَّ تارك الصلاة غير معذور بِتركه الصلاة ، فلا يَجوز ترك الصلاة .
وأما غيرها من الأركان فيجوز تركها إما لأجل ، وإما إلى بَدَل .
فالزكاة لا تَجِب على الفقير ، ولا على من لم يملك نِصَابا ، ومن لم يَحُل
الْحَوْل على مالِه ، ولا يَكفُر بذلك التَّرْك .
وتارك الصيام لِكِبَر أو لِسَفَر ، لا يَكفُر بِتركه ذلك .
وتارك الحج لعدم الاستطاعة ، لا يَكفُر بِتركه ذلك .
أما تارك الصلاة فيكفُر بذلك التَّرْك ؛ هذا هو توجيه قول شقيق ، ولا يتعارض مع
قول ابن مسعود رضي الله عنه ، ولا مع إجماع الصحابة على قِتال مانِعِي الزكاة .
10= هل يمنع الدَّيْن مِن وُجوب الزكاة ؟
الجمهور على أن الدَّيْن يَمنع الزكاة .
وفي المسألة تفصيل :
إن كان الدَّين على مليء غير مُماطِل فتجب فيه الزكاة ؛ لأنه في حُكم الموجود .
وإن كان على مُماطِل أو على فقير ، فلا تَجب فيه الزكاة ؛ لأنه في حُكم المعدوم
.
ثم اختلَفُوا في الدَّين الذي على فقير أو على غني مماطِل هل يُزكَّى عند قبضه
أو بعد أن يَحول عليه الحول بعد قبضه إياه ؟
والفتوى أن الدَّين لا يمنع الزكاة .
قال شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا كان الدين على مُعسر أو غَني لا
يمكن مُطالبته فإنه لا يجب عليه زكاته لكل سنة ، وذلك لأنه لا يمكنه الحصول
عليه ، فإن الله تعالى يقول : ( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ
مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ، فلا
يمكن أن يستلم هذا المال وينتفع به فليس عليه زكاته، ولكن إذا قبضه فمن أهل
العلم من يقول : يستقبل به حولاً مِن جديد ، ومنهم من يقول : يزكي لسنة واحدة ،
وإذا دارت السنة يزكيه أيضاً ، وهذا أحوط . اهـ .
11= وكما تكون الزكاة في الأموال تكون في الْجَاه ، وذلك ببذل الْجَاه والشفاعة
لِمن يستحقّ الشفاعة .
12= يُطلَق على الزكاة صدقة ، وقد يُراد بها الزكاة الواجبة ، وقد يُراد بها
الصدقة الْمُسْتَحبَّـة .
وفي حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ
صَدَقَةٌ ؛ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ،
وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ
بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ
مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى . رواه مسلم .
وفي الحديث الآخر : كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ . رواه الإمام أحمد .
وعند الترمذي من حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ
صَدَقَةٌ ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ،
وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلالِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَبَصَرُكَ
لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ
وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنْ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ
دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ .