|
عَنْ جَابِرِ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى
النَّجَاشِيِّ , فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ
في الحديث مسائل :
1= في رواية للبخاري : قال النبي صلى الله عليه وسلم : قد توفي اليوم رجل صالح
مِن الْحَبَش ، فَهَلُمّ فصلوا عليه ، قال : فَصَفَفْنا ، فَصَلَّى النبي صلى
الله عليه وسلم عليه ونحن معه صفوف .
قال أبو الزبير عن جابر : كنت في الصف الثاني .
2= بوّب عليه الإمام البخاري : باب مَن صفّ صَفّين أو ثلاثة على الجنازة خلف
الإمام .
قال ابن حجر : أوْرَد فيه حديث جابر في الصلاة على النجاشي وفيه : كنت في الصف
الثاني أو الثالث ، وقد اعتُرض عليه بأنه لا يَلزم مِن كونه في الصف الثاني أو
الثالث أن يكون ذلك منتهى الصفوف ، وبأنه ليس في السياق ما يدل على كون الصفوف
خلف الإمام .
والجواب عن الأول : أن الأصل عدم الزائد ، وقد روى مسلم من طريق أيوب عن أبي
الزبير عن جابر قصة الصلاة على النجاشي فقال : " فَقُمْنا فَصَفّنا صَفّين " .
فعُرِف بهذا أن مَن رَوى عنه كنت في الصف الثاني أو الثالث شكّ : هل كان هنالك
صف ثالث أم لا ؟ وبذلك تصح الترجمة .
وعن الثاني بأنه أشار إلى ما وَرد في بعض طرقه صريحا مِن وجه آخر عن قتادة بهذا
الإسناد بزيادة " فصَفَّنا وراءه " . اهـ .
وبوّب الإمام البخاري أيضا : باب الصفوف على الجنازة . ثم أوْرَد فيه حديث أبي
هريرة رضي الله عنه قال : نَعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه النجاشي ثم
تقدم ، فَصَفّوا خلفه ، فَكَبَّر أربعا .
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قبر
منبوذ ، فَصَفّهم وكَبَّر أربعا.
3= فيه فضيلة تكثير الصفوف على الجنازة .
قال مالك بن هبيرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مِن
مسلم يَموتُ فيُصلي عليه ثلاثةُ صُفوف من المسلمين إلاَّ أوجب ، قال: فكان مالك
[أي : ابن هبيرة] إذا استقلّ أهلَ الجنازة جَزّأهم ثلاثةَ صفوف للحديثِ . رواه
الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، والروياني في مُسنده ، وهو حديث
حسن ، وقد فات جَمْع من الْمُخرِّجين رواية الروياني ، ففيها تصريح ابن إسحاق
بالتحديث ، فانتفَت شُبهة التدليس .
ولذلك قال الترمذي : حديث مالك بن هبيرة حديث حسن ، هكذا رواه غير واحد عن محمد
بن إسحاق ، وروى إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق هذا الحديث وأدخل بين مرثد
ومالك بن هبيرة رجلا ، ورواية هؤلاء أصح عندنا . اهـ .
قال ابن عبد البر : وفيه الصفّ على الجنائز ، ولأن تكون صفوفا أولى مِن صفّ
واحد فيه طول ؛ لحديث مالك بن هبيرة . اهـ .
وقال ابن قدامة : لأن في كثرة المصلين عليه أجرًا لهم ، ونفعًا للميِّت ، فإنه
يحصل لكل مُصَلّ منهم قيراط من الأجر . وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: ما من مسلم يموت، فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلاّ أوجب . وقد
ذكرنا هذا .
وقال ابن رجب : وقد نص أحمد على أنه يُستحب جعلهم في صلاة الجنائز ثلاثة صفوف ،
إذا أمكن أن يكون في كل صف اثنان فصاعدا ، واسْتَدَلّ بحديث مالك بن هبيرة أنه
كان إذا صلى على جنازة فتقال الناس عليها جزّأهم ثلاثة أجزاء ، ثم قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن صَلّى عليه ثلاثة صفوف فقد أوْجَب . خَّرجه
الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي . اهـ .
وقال ابن حجر : وفي الحديث دلالة على أن للصفوف على الجنازة تأثيرا ، ولو كان
الجمع كثيرا ، لأن الظاهر أن الذين خَرَجوا معه صلى الله عليه وسلم كانوا عددا
كثيرا ، وكان المصلَّى فضاء ولا يضيق بهم لو صَفُّوا فيه صفا واحدا ، ومع ذلك
فقد صَفّهم ، وهذا هو الذي فَهِمه مالك بن هبيرة الصحابي .. فكان يَصفّ مَن
يحضر الصلاة على الجنازة ثلاثة صفوف ، سواء قَلُّوا أو كَثُرُوا . اهـ .
وقد رأى بعض السلف عدم تسوية الصفوف في صلاة الجنازة ؛ فقد روى عبد الرزاق عن
ابن جريج قال : قلت لعطاء : أحقّ على الناس أن يُسووا صفوفهم على الجنائز كما
يُسوونها في الصلاة ؟ قال : لا ، إنما هُم قوم يُكبِّرون ويَستغفرون .
والحجة في الدليل إذا صح ، وأما أقوال التابعين فليست حُجّة ، بل أقوال الصحابة
رضي الله عنهم لا تكون حجة في مقابل النص .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال شعبة بن الحجاج وغيره : أقوال التابعين في
الفروع ليست حُجّة ، فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعني أنها لا تكون حُجة على
غيرهم ممن خالَفهم ، وهذا صحيح ، أما إذا أجْمَعُوا على الشيء فلا يُرْتَاب في
كونه حُجّة ؛ فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ، ولا على مَن بَعدهم
. اهـ .
4= لو اقتصرت الرواية على ما أوْرَدَه المصنِّف " صَلَّى على النجاشي فكُنت في
الصف الثاني أو الثالث " لَكان مُجرّد وَصْف ، وليس فعلا مقصودا ، إلاّ أن
الروايات تدلّ على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد تكثير الصفوف ؛ ففي
رواية للبخاري : فَصَفَّنا وراءه ، فكنت في الصف الثاني أو الثالث .
وفي رواية لمسلم : فَقُمْنا فصَفّنا صفَّين .
يُضاف إلى ذلك ما رواه وما فهمه الصحابي مالك بن هبيرة رضي الله عنه ، وقد
تقدَّم .
5= فيه إثبات إسلام النجاشي ؛ لأنه لا يُصلَّى على غير مسلم ، ولا على مَن مات
على غير ملّة الإسلام .
وفي رواية لمسلم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : إن أخًا لكم قد مات ، فقوموا فصلوا عليه يعني النجاشي . وفي
رواية زهير : إن أخاكم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : نَعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
النجاشي صاحب الحبشة يوم الذي مات فيه ، فقال : استغفروا لأخيكم . رواه البخاري
ومسلم .
قال ابن عبد البر : وفيه أن النجاشي ملك الحبشة مات مسلما ، ولولا ذلك ما صَلّى
النبيُّ صلى الله عليه وسلم على جنازته .
6= تقدّم في شرح الحديث 163 ما يتعلق بمسألة الصلاة على
الغائب .
والله تعالى أعلم .