|
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ
يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ , وَرَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ , فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا , ثُمَّ قَالَ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلَكَتِ الأَمْوَالُ , وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ،
فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى يُغِثْنَا , قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ,
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. قَالَ أَنَسٌ : فَلا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي
السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ , وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ
بَيْتٍ وَلا دَارٍ . قَالَ : فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ
التُّرْسِ . فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ ,
قَالَ : فَلا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا .
قَالَ : ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ
الْمُقْبِلَةِ , وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ , فَاسْتَقْبَلَهُ
قَائِما , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلَكَتِ الأَمْوَالُ ,
وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ , فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَـنَّا . قَالَ :
فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا
وَلا عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ
الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ , قَالَ : فَأَقْلَعَتْ , وَخَرَجْنَا
نَمْشِي فِي الشَّمْسِ .
قَالَ شَرِيكٌ : فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ
؟ قَالَ : لا أَدْرِي .
الظِّرَاب : الجبال الصغار .
فيه مسائل :
1 = سبب ذلك : وُقوع القحط في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
ففي رواية في الصحيحين : أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيّ ..
وفي رواية له : قحط المطر فاسْتَسْقِ رَبَّك .
والسَّنَة : هي الْجَدْب .
وعند البخاري من طريق جبلة بن سحيم قال : أصابنا عامُ سَنَة مع ابن الزبير .
قال القاضي عياض : قوله : " أصابنا عامُ سَنَة " أي : عام شِدّة ومَجَاعة .
2 = " دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةِ " أي : بعد دُخول رسول الله صلى الله
عليه وسلم ؛ لأنه قال : " وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ " .
3 = " دَارِ الْقَضَاءِ " قال القاضي عياض : سُمِّيَت بذلك لأنها بِيعت في قضاء
دَيْن عمر بن الخطاب الذي كَتبه على نفسه لِبيت مال المسلمين ، وأوصى أن يُباع
فيه ماله ، وما عَجز استعان ببني عدى ثم بِقُريش ، فَبَاع عبد الله بن عمر داره
هذه مِن معاوية ، وباع مَاله بالغَابة ، وقَضى دينه ، فكان يُقال لها : دار
قضاء دَين عُمر ... ثم اختصروا فقالوا : دار القضاء ، وهى دار مروان ، وقال
بعضهم : هي دار الإمارة ، وغَلِط لَمّا بلغه أنها دار مروان ظن أن المراد
بالقضاء الإمارة ، إنما هو ما قُلناه . اهـ .
وقد يُشكل على هذا وقوع القصة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنس يُخبر عن
باب نحو دار القضاء، وهي إنما سُمّيت بذلك بعد زمن عمر رضي الله عنه .
ولا إشكال في ذلك ؛ لأن أنس يُحدِّث الناس بِما يعرفونه آنذاك .
4 = جواز سؤال الإمام الدعاء ، وتكليم الإمام للحاجة .
قال القرطبي في " الْمُفْهِم " : وظاهر هذا الحديث يَدُلّ على جواز كلام
الداخِل مع الخطيب في حال خطبته، ويُحْتَمل أن يكون إنما كلّمه في حال سكتةٍ
كانت من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إما لاستراحة في النطق ، وإما في حال
الجلوس . اهـ .
5 = قوله : " هَلَكَتِ الأَمْوَالُ " أي : المواشي . وأصل المال : كل ما
يُتَمَوَّل ، وعُرْفُه عند العرب : الإبل ؛ لأنها معظم أموالهم .
و"انقطعت السبل " ؛ أي : الطُّرُق ؛ لِهَلاك الإبل ، ولعَدم ما يؤكل في
الطُّرُق . قاله القرطبي في " الْمُفْهِم " .
وقال ابن دقيق العيد : وَأَرَادَ بِالأَمْوَالِ : الأَمْوَالَ
الْحَيَوَانِيَّةَ . لأَنَّهَا الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا انْقِطَاعُ الْمَطَرِ
، بِخِلافِ الأَمْوَالِ الصَّامِتَةِ . وَ " السُّبُلُ " الطُّرُقُ
وَانْقِطَاعُهَا : إمَّا بِعَدَمِ الْمِيَاهِ الَّتِي يَعْتَادُ الْمُسَافِرُ
وُرُودَهَا . وَإِمَّا بِاشْتِغَالِ النَّاسِ وَشِدَّةِ الْقَحْطِ عَنْ
الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ . اهـ .
وقال ابن حجر :
في رواية كريمة وأبي ذر جميعا عن الكشميهني : "المواشي " ، وهو المراد بالأموال
هنا لا الصامت ، وقد تقدم في كتاب الجمعة بلفظ : "هلك الكُراع " وهو بضم الكاف
: يُطْلَق على الخيل وغيرها . وفي رواية يحيى بن سعيد الآتية : " هلكت الماشية
، هلك العيال ، هلك الناس " ، وهو مِن ذِكْر العام بعد الخاص ، والمراد بهلاكهم
عدم وجود ما يَعيشون به مِن الأقوات المفقودة بِحَبْس المطر . اهـ .
ولا يمنع أن يَكون المراد بـ " الأموال " العموم حتى الصامت منها ؛ لأن القحط
يقضي على الجميع ، فإذا قلّ المرعى والسُّقْيَا ، استهلَك الإنسان ما عنده مِن
مال ، فيكون فيه هلاك ماله حتى الصامت منه . أو يكون تأثير انقطاع المطر على
الأموال الصامتة ؛ فلا يُباع منها شيء ولا يُشتَرَى .
6 = اخْتِلاف نَقْل ألفاظ الرجل الداخل بناء على نَقْل الرواة لِقوله بالمعنى .
قال ابن حجر بعد أن ذكر بعض ألفاظ الرجل : وهذه الألفاظ يُحْتَمَل أن يكون
الرجل قال كلها ، ويحتمل أن يكون بعض الرواة روى شيئا مما قاله بالمعنى ؛ لأنها
متقاربة ، فلا تكون غلطا ، كما قال صاحب المطالع وغيره . اهـ .
وأما ما جاء في رواية في الصحيحين : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا ، فَقَالُوا
: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَحطَ الْمَطَرُ ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ ،
وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا .
فهو محمول على قول الرجل أولاً ، ثم مُتابعة الناس وتأييدهم لقوله ، تصديقا له
.
قال ابن حجر : يُحْتَمَل أن يكونوا سألوه بَعد أن سَأل ، ويُحْتَمل أنه نُسِب
ذلك إليهم لموافقة سؤال السائل ما كانوا يريدونه مِن طلب دعاء النبي صلى الله
عليه وسلم لهم . اهـ .
7 = قوله : " فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى " هذا مما استقرّ وعُلِم عند الصحابة
رضي الله عنهم أنهم لا يَستغيثون بالأشخاص ، وإنما بِدُعائهم ، كما فعل عمر رضي
الله عنه مع العباس رضي الله عنه ، حيث قدّم الْحَيّ للدعاء مع كَونهم بالمدينة
وقُرب مسجده صلى الله عليه وسلم وحيث كان قبره عليه الصلاة والسلام ؛ فلم
يلجأوا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عِظمه في نفوسهم .
ومثله فِعْل هذا الرجل الداخل ، وهو إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما
يَقْدر عليه ، وهو الدعاء .
ولا يُعرف عن الصحابة الكرام ولا عن التابعين وأتباعهم أنهم سألوا الحاجات مِن
الأموات ، ولا سألوا الحاجات التي لا يَقْدر عليها إلاّ الله إلاّ مِن الله
تبارك وتعالى .
وفي رواية للبخاري : قحط المطر فاسْتَسْقِ ربك .
وفي رواية للبخاري : فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْمَالُ ،
وَجَاعَ الْعِيَالُ ؛ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا .
8 = فيه جواز طلب الدعاء مِن الصالحين الأحياء ، لقوله : " فَادْعُ اللَّهَ
تَعَالَى " ، و " فَادْعُ اللَّهَ لَنَا " و " فاسْتَسْقِ ربك " .
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله إن الله قد عَوّدك في الدعاء
خيرا ، فادْع لنا ، فقال : أتحب ذلك ؟ قال : نعم ، فرفع يده فلم يرجعهما حتى
قالت السماء فأظْلَمَت ثم سَكَبت ، فملؤوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها
جازت العسكر . رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه هو والذهبي .
وطلب أبو هريرة رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ولأمه ،
ففعل عليه الصلاة والسلام ولم يُنكِره . كما في صحيح مسلم .
وفي صحيح مسلم من طريق صفوان بن عبد الله بن صفوان قال : قَدِمْتُ الشام فأتيت
أبا الدرداء في منـزله فلم أجده ، ووجدت أم الدرداء ، فقالت : أتريد الحج العام
؟ فقلت : نعم . قالت : فادع الله لنا بخير ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم كان يقول : دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملكٌ
موكَّل ، كلما دعا لأخيه بخير ، قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل .
قال صفوان : فخرجت إلى السوق ، فلقيـت أبا الدرداء ، فقال لي مثل ذلك ، يرويه
عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
9 = قوله : " يُغِثْنَا "
قال النووي : هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ ( أَغِثْنَا ) بِالأَلِفِ ،
وَيُغِثْنَا بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَغَاثَ يُغِيث رُبَاعِيّ ، وَالْمَشْهُور
فِي كُتُب اللُّغَة أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال فِي الْمَطَر : غَاثَ اللَّه
النَّاس وَالأَرْض يَغِيثهُمْ بِفَتْحِ الْيَاء ، أَيْ : أَنْزَلَ الْمَطَر .
اهـ .
وقال ابن حجر : قوله : "فادع الله يغيثنا" أي : فهو يُغيثنا ، وهذه رواية
الأكثر ، ولأبي ذر " أن يُغِيثنا " ، وفي رواية إسماعيل بن جعفر الآتية
للكشميهني : "يُغِثْنا " بالجزم ، ويجوز الضم في يُغيثنا على أنه من الإغاثة ،
وبالفتح على أنه مِن الغيث ، ويُرَجِّح الأول قوله في رواية إسماعيل بن جعفر :
" فقال : اللهم أغِثنا " ، ووقع في رواية قتادة " فادع الله أن يَسْقِينا " .
اهـ .
10 = مشروعية الاستسقاء في خُطبة الجمعة .
وبوّب عليه الإمام البخاري : " باب الاستسقاء في المسجد الجامع"
قال ابن حجر : أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بِشَرط في
الاستسقاء ؛ لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس ، وذلك حاصل في
المسجد الأعظم بناء على المعهود في ذلك الزمان مِن عدم تعدد الجامع ، بخلاف ما
حَدث في هذه الأعصار في بلاد مصر والشام ، والله المستعان . اهـ .
وسَبَق في شرح الحديث السابق التفصيل في أنواع الاستسقاء .
11 = مشروعية رفع اليدين في خُطبة الجمعة إذا طَلب سُقيا المطر .
وفي هذا الحديث : " فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ " .
قال أنس رضي الله عنه : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعُ يديه في
الدعاء ، حتى يُرى بياضُ إبطيه . رواه البخاري ومسلم ، واللفظ له .
وعند البخاري : لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلاَّ في الاستسقاء ، وإنه يرفع
حتى يُرى بياض إبطيه .
قال الحافظ ابن حجر - بعد أن أشار إلى بعض الأحاديث الواردة في رفع اليدين - :
فَيَتَعَيَّن حينئذ تأويل حديث أنس أنه أراد الرفع البليغ بدليل قوله : "حتى
يُرى بياض إبطيه " . اهـ .
ومشروعية رفع اليدين في دعاء الاستصحاء ؛ أخذا مِن قوله : " فَرَفَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا ,
اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ
الشَّجَرِ . قَالَ : فَأَقْلَعَتْ , وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ "
وفي رواية في الصحيحين : " فَقَالَ : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا .
فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ ،
وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ
شَهْرًا " وفي رواية لمسلم : وسَال وادي قناة شهرًا .
وفي رواية : قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا
وَشِمَالاً يُمْطَرُونَ وَلا يُمْطَرُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ .
قال ابن الأثير : " مِثْلَ الجَوْبَة " هي الحُفْرة المسْتَديرة الواسعة .
وكُلُّ مُنْفَتِق بلا بناء : جَوْبَة ، أي : حَتَّى صار الغَيْم والسحاب
مُحيطاً بآفاق المدينة . اهـ .
وعدم مشروعية رفع الأيدي في خُطبة الجمعة فيما عدا ذلك .
ففي صحيح مسلم عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه أنه رأى بشر بن مروان على المنبر
رافعًا يديه فقال : قبّح الله هاتين اليدين ! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة .
12 = استقبال القبلة ليس شرطا في الدعاء .
قال الإمام البخاري : بَابُ الاسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ غَيْرَ
مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ .
13 = مشروعية تكرار الدعاء ثلاثا : " اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ
أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " .
قال النووي : فِيهِ اِسْتِحْبَاب تَكَرُّر الدُّعَاء ثَلاثًا .
وكَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاَثًا . وَإِذَا سَأَلَ
سَأَلَ ثَلاَثًا . كما في صحيح مسلم .
14 = لا يُشرع تحويل الرداء في الاستسقاء في خُطبة الجمعة .
قال البخاري : بَاب مَا قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .
ثم روى بإسناده إلى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلاكَ الْمَالِ وَجَهْدَ الْعِيَالِ ،
فَدَعَا اللَّهَ يَسْتَسْقِي . وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ ،
وَلا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ .
15 = قوله رضي الله عنه : " مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا
قَزَعَةٍ "
قال النووي في " القَزَعة " : هِيَ بِفَتْحِ الْقَاف وَالزَّاي ، وَهِيَ
الْقِطْعَة مِنْ السَّحَاب ، وَجَمَاعَتهَا قَزَع كَقَصَبَةٍ وَقَصَب . اهـ .
وفي رواية للبخاري : وَلاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ
وَلاَ قَزَعَةً وَلاَ شَيْئًا .
والمراد نفي السحاب كثيره وقليله .
16 = " وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ "
قال النووي : هُوَ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللام ، وَهُوَ
جَبَل بِقُرْبِ الْمَدِينَة . اهـ .
17 = " مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ "
يُشترط في الدار أن تكون مَبنية .
وأما البيت فهو المكان الذي يعتاد الإنسان أن يبيت فيه ، أي : يقضي الليل نام
أمْ لم يَنمَ . ولا يشترط فيه أن يكون مَبْنِيًّا .
قال ابن دقيق العيد : وَقَوْلُهُ " وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ
بَيْتٍ وَلا دَارٍ " تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ " وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ
سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ " ؛ لأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ السَّحَابَةَ طَلَعَتْ مِنْ
وَرَاءِ سَلْعٍ . فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لأَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ
الْقَزَعَةُ مَوْجُودَةً ، لَكِنْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رُؤْيَتِهَا مَا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ لَوْ كَانَتْ . اهـ .
18 = " فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ "
قال القاضي عياض : قوله : سحابة مثل الترس " ظاهره بِقَدْر الترس . وقال ثابت :
ليس كذلك ولكنه أراد أنها مستديرة كالترس ، وهو أحْمَد السحاب . اهـ . أي :
أفضله .
وقال ابن حجر : قوله : "مثل الترس" أي : مُسْتَدِيرة ، ولم يرد أنها مثله في
القَدْر ؛ لأن في رواية حفص بن عبيد الله عند أبي عوانة " فنشأت سحابة مثل
رِجْل الطائر وأنا أنظر إليها " فهذا يُشعر بأنها كانت صغيرة . اهـ .
والترس : آلة تُستخدم في الحرب ، يَتَتَرَّس بها الْمُقاتِل .
19= " فَلا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا ": أي : أسبوعا .
وفي رواية : فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ
وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى .
وفي رواية : ما رأينا الشمس سِتّا . فإما أن تكون على الغالب ، وإما أن تكون
تحرّفت مِن سَبتا .
20 = كيف الجمع بين قوله في حديث الباب : " فَلا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي
السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ , وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ
بَيْتٍ وَلا دَارٍ . قَالَ : فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ
التُّرْسِ . فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ "
وبين قوله في رواية للبخاري : فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ
قَزَعَةً ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ
السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى
رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؟
يُحتَمَل أن وصفهم لذلك وَهُم في المسجد ، لا يَرون سحابة ولا شيئا ، ثم نشأت
سحابة رأوها وَهُم في المسجد ، لأنه لم يكن يَحجبهم شيء عن الجبل . ثم أمطرت
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُكمل خُطبته.
21 = قوله : " فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ
" فيه : جواز نسبة الفِعل إلى الْمُبَاشِر .
ومثله : قول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى
مَخِيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغيّر وجهه ، فإذا أمطرت السماء
سُرِّي عنه . رواه البخاري ومسلم .
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه ، وفيه : فَمَطَرت السماء فَوَكَف المسجد .
فقول " أمطرت السماء " ليس مِن نسبة الفعل إلى السماء ، ولكن مِن نسبة الجهة ؛
لأن السماء تُطلَق على العلوّ .
وقال ابن حجر : قوله : " فإذا أمطرت السماء سُرِّي عنه " فيه : رَدّ على مَن
زعم أنه لا يُقال أمطرت إلاّ في العذاب ، وأما الرحمة فيقال مطرت . اهـ .
22 = قال القرطبي في " الْمُفْهِم " : وقوله في الثانية : " هلكت الأموال ،
وانقطعت السبل " ؛ أي : لامتناع الرعي والتصرف ؛ لكثرة المطر . اهـ .
وفي رواية للبخاري : فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ ،
وَغَرِقَ الْمَالُ ؛ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا .
23 = " اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ " قال ابن عبد البر : الآكام هي الكُدى
والجبال مِن التراب ، وهي جمع أكَمَة ، مثل رقبة ورِقاب ، وعَتبة وعتاب ، وقد
تجمع على آكام مثل آجام . ومنابت الشجر مَواضِع المرعَى حيث تَرعى البهائم .
اهـ .
قال القرطبي في " المفهِم " : و" الآكام" : جمع أكمة ، وهي : دون الجبال .
وقال الخليل : الأكَمة : هو تل . و"الظِّراب" : الروابي ، واحدتها : ظرب .
وقال الثعالبي : الأكَمة : أعلى مِن الرابية . اهـ .
24 = بركة دعائه عليه الصلاة والسلام ، وكَرامته على الله ، ومعجزاته الظاهرة
الباهرة .
فقد أجاب دعاءه في إنزال المطر ، وأجاب دعاءه في كشف تواصل المطر .
قال النووي : فِي هَذَا الْفَصْل فَوَائِد مِنْهَا الْمُعْجِزَة الظَّاهِرَة
لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَة دُعَائِهِ
مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْس . وَفِيهِ أَدَبه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاء ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَل رَفْع الْمَطَر
مِنْ أَصْله ، بَلْ سَأَلَ رَفْع ضَرَره وَكَشْفه عَنْ الْبُيُوت وَالْمَرَافِق
وَالطُّرُق بِحَيْثُ لا يَتَضَرَّر بِهِ سَاكِن وَلا اِبْن سَبِيل ، وَسَأَلَ
بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِع الْحَاجَة بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعه وَخِصْبه ، وَهِيَ
بُطُون الأَوْدِيَة وَغَيْرهَا مِنْ الْمَذْكُور .
وقال أيضا : وَمُرَاده بِهَذَا الإِخْبَار عَنْ مُعْجِزَة رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَظِيم كَرَامَته عَلَى رَبّه سُبْحَانه
وَتَعَالَى ؛ بِإِنْزَالِ الْمَطَر سَبْعَة أَيَّام مُتَوَالِيَة مُتَّصِلاً
بِسُؤَالِهِ مِنْ غَيْر تَقْدِيم سَحَاب وَلا قَزَع ، وَلا سَبَب آخَر لا
ظَاهِر وَلا بَاطِن ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله : " وَمَا بَيْننَا وَبَيْن سَلْع
مِنْ بَيْت وَلا دَار " أَيْ نَحْنُ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِلسَّمَاءِ ،
وَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَب لِلْمَطَرِ أَصْلاً . اهـ .
25 = في روية : فضحك " ، وفي رواية ثابت : " فتبسم " ، زاد في رواية حميد : "
لسرعة مِلال ابن آدم". أفاده ابن حجر .
26 = هل الداخِل في الجمعة الثانية هو نفس الرجل الذي سأل في الجمعة الأولى ؟
اخْتُلِف في ذلك .
في حديث الباب : قَالَ شَرِيكٌ : فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : أَهُوَ
الرَّجُلُ الأَوَّلُ ؟ قَالَ : لا أَدْرِي .
وفي رواية للنسائي : قال شريك : سألت أنَسًا : أهو الرجل الأول ؟ قال : لا .
وقال النووي : قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْره أَنَّهُ
الأَوَّل .
27 = فيه أن الله عزّ وَجَلّ يُنشئ السحاب كيفما شاء متى شاء ، ولا يرتبط ذلك
بعملية تبخّر ولا بِغير ذلك مما يعتقده أهل الطبيعة .
قال الله عزّ وَجَلّ : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا
وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) .
وقال عزّ وَجَلّ في خبر يوم بَدْر : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً
مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ
وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ
وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) .
وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه الغيث ، فأغاثهم في الحال
.
وكذلك في قصة سؤال أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه : فرفع يده فلم
يرجعهما حتى قالت السماء فأظْلَمَت ثم سَكَبت . وقد تقدّمت القصة .
وسيأتي أيضا في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ .
وفي قصص ووقائع كثيرة ؛ حصل ووقع نحو هذا .
وبالله تعالى التوفيق .