|
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ رضي الله عنه
قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي , فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ
يَدْعُو , وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ , ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ , جَهَرَ فِيهِمَا
بِالْقِرَاءَةِ .
وَفِي لَفْظٍ : " إلَى الْمُصَلَّى " .
فيه مسائل :
1 = انفرد البخاري بِذِكْر الجهر بالقراءة .
قال النووي : وليس في روايتهما " وَرَفع يديه " ولا في رواية مسلم " الجهر
بالقراءة " ، وهو ثابت في رواية البخاري . اهـ .
2 = قوله : " خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي " دليل على أن السنة في صلاة
الاستسقاء أن تكون في المصلّى ، أو في الصحراء .
قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن الخروج للاستسقاء والبُرُوز عن
الْمِصْر والقَرية إلى الله عز وجل بالدعاء والضراعة في نُزول الغيث عند
احتياجه سُـنَّة مَسنونة ، سَنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعَمِلَها
الخلفاء بعده . واختلفوا في الاستسقاء في الصلاة . اهـ .
3 = التواعد لِصلاة الاستسقاء كافٍ عن النداء ، فلا يُشرَع لها نداء .
قال ابن قدامة : وَلا يُسَنُّ لَهَا أَذَانٌ وَلا إقَامَةٌ . وَلا نَعْلَمُ
فِيهِ خِلافًا .
4 = ثبوت سُنة الاستسقاء عند الحاجة إلى سُقيا المطر .
قال ابن قدامة : صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثابتة بِسُنة رسول الله صلى الله
عليه و سلم وخلفائه رضي الله عنهم . اهـ .
5 = خُروج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي بالناس وعَمَل الخلفاء مِن بَعْدِه
دالّ على أن الاستسقاء يكون بإذن الإمام .
قال ابن بطال في شرح حديث استسقاء عمر رضي الله عنه : فيه : أن الخروج إلى
الاستسقاء والاجتماع والبروز لا يكون إلاَّ بإذن الإمام ، وهذه سُنن الأمم
السالفة ، قال الله تعالى : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ
قَوْمُهُ) ، وأما الدعاء في أعقاب الصلوات في الاستسقاء ؛ فَجائز بِغير إذن
الإمام . اهـ .
وجوّز الإمام الشافعي أن يكون بِغير إذنه قياسا على الصلوات المفروضة .
6 = صِفَة الخروج :
قال إسحاق بن عبد الله بن كنانة : أرسلني الوليد بن عقبة وهو أمير المدينة إلى
ابن عباس أسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فأتيته ، فقال : إن
رسول الله صلى الله عليه و سلم خَرج مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا
حتى أتى الْمُصَلَّى فلم يخطب خُطبتكم هذه ، ولكن لم يَزل في الدعاء والتضرع
والتكبير ، وصلى ركعتين كما كان يُصَلِّي في العيد . رواه أبو داود والترمذي
والنسائي ، وقال الترمذي : وهو قول الشافعي قال : يُصَلِّي صلاة الاستسقاء نحو
صلاة العيدين ، يُكَبِّر في الركعة الأولى سَبْعًا ، وفي الثانية خَمْسًا ،
واحتجّ بحديث ابن عباس .
قال الترمذي : وَرُوي عن مالك بن أنس أنه قال : لا يُكَبِّر في صلاة الاستسقاء
كما يُكَبِّر في صلاة العيدين . اهـ .
وذَكَر ابن قدامة في " المغني " وابن رجب في " فتح الباري " الخلاف في صِفة
التكبيرات ، فلتُراجَع .
7 = اخْتُلِف في تقديم الصلاة على الدعاء ، والعكس .
وفي " الموطأ " : سُئِلَ مَالِك عَنْ صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ كَمْ هِيَ ؟
فَقَالَ : رَكْعَتَانِ ، وَلَكِنْ يَبْدَأُ الإِمَامُ بِالصَّلاةِ قَبْلَ
الْخُطْبَةِ ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَخْطُبُ قَائِمًا وَيَدْعُو
وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ حِينَ يَسْتَقْبِلُ
الْقِبْلَةَ ، وَيَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ ، وَإِذَا
حَوَّلَ رِدَاءَهُ جَعَلَ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ ، وَالَّذِي
عَلَى شِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ ، وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ إِذَا
حَوَّلَ الإِمَامُ رِدَاءَهُ ، وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَهُمْ قُعُود .
اهـ .
قال ابن عبد البر عن حديث صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ : ومِن أحسن الناس سِياقة لهذا
الحديث الزهري ... ثم روى بإسناده إلى عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري
عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله خرج يستسقي فاستقبل القبلة ، فَصَلَّى بهم
ركعتين ، جَهَر فيهما بالقراءة ، وحَوَّل رِدَاءه ، ورفع يديه واستسقى ،
واستقبل القبلة .
8 = واخْتَلَفُوا : هل يكون الاستسقاء مِن غير صلاة ؟
رَوى عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق مُطَرِّف عن الشعبي أن عُمر رضي الله
عنه خرج يستسقي بالناس فما زاد على الاستغفار حتى رجع ، فقالوا : يا أمير
المؤمنين ما رأيناك استسقيت ! قال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي
يُسْتَنْزَل بها المطر: ، ثم قرأ : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) .
قال ابن قدامة : لا نعلم بين القائلين بِصلاة الاستسقاء خِلافا في أنها ركعتان
، واختلفت الرواية في صفتها . اهـ .
وهذا محمول على صلاة الاستسقاء إذا صُلِّيَت .
ويصحّ الاستسقاء مِن غير صلاة ، كما سيأتي في حديث أنس رضي الله عنه .
9 = أنواع الاستسقاء :
قال الشافعي في الأم : ويَسْتَسْقِي الإمام بغير صلاة ، مثل أن يَسْتَسْقِي
بِصلاة ، وبَعد خطبته وصَلاته ، وخَلْف صَلاته .
وقال النووي : قال في الأم وأصحابنا : والاستسقاء أنواع :
أدناها : الدعاء بلا صلاة ، ولا خَلْف صلاة ، فُرادى ومجتمعين لذلك ، في مسجد
أو غيره ، وأحسنه ما كان مِن أهل الخير .
النوع الثاني : وهو أوسطها ، الدعاء خَلْف صلاة الجمعة أو غيرها مِن الصلوات ،
وفى خطبة الجمعة .
الثالث : أفضلها ، وهو الاستسقاء بِصلاة ركعتين وخطبتين وتأهّب لها قبل ذلك .
اهـ .
وقال ابن القيم : فَصْل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء :
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وُجوه :
أحدها : يومَ الجمعة على المنبر في أثناء خطبته ...
الوجه الثاني : أنه صَلّى الله عليه وسلم وعد الناسَ يوما يخرجُون فيه إلى
المصلَّى ، فخرج لَمَّا طلعت الشمسُ متواضعا ، متبذِّلاً ، متخشِّعا ،
مترسِّلاً ، متضِّرعا ...
الوجه الثالث : أنه صَلّى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاء
مجردًا في غير يوم جمعة ، ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء
صلاة .
الوجه الرابع : أنه صَلّى الله عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد ، فرفع
يديه ودعا اللَّهَ عز وجل .
الوجه الخامس : أنه صَلّى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريبا مِن
الزَّوراء ، وهي خارج باب المسجد ، الذي يُدعى اليوم باب السلام ، نحو قَذْفةِ
حَجَر ، ينعطفُ عن يمين الخارج مِن المسجد .
الوجه السادس : أنه صَلّى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لَمَّا سَبَقه
المشركون إلى الماء ، فأصاب المسلمينَ العطشُ ، فشَكَوا إلى رسول اللّه صلى
الله عليه وسلم ... . اهـ .
10 = مِن آداب الدعاء : استقبال القبلة في الدعاء ، سواء في الاستسقاء أو في
عموم الدعاء . وقد دلّت الأدلة الكثيرة على أن السنة استقبال القبلة في الدعاء
، ما عدا الاستسقاء في خُطبة الجمعة ، فإنه يدعو وهو مستدبر القبلة ، كما يأتي
في حديث أنس .
وهذا بِخلاف الخطبة والموعظة ، فإن الأصل أن الخطيب يَستقبل الْمُصلِّين
ويستدبر القبلة .
11 = متى يُحوِّل رداءه ؟
قال أبو داود : باب في أي وقت يُحَوِّل رداءه إذا استسقى ؟ ثم روى بإسناده إلى
عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خَرَج إلى المصلَّى يَستسقي
، وأنه لَمَّا أراد أن يدعو استقبل القبلة ثم حَوَّل رداءه .
12 = كيفية تحويل الرداء ؟
قال ابن عبد البر : قوله في الحديث : " وحَوّل رداءه " يقتضي ما عليه جمهور
الفقهاء مِن تحويل ما على اليمين منه على الشمال . اهـ .
وقال القاضي عياض : وتحويله سُنة ، قال بها جمهور العلماء ، وقد أنكر التحويل
جملة مَن لم يبلغه هذه السنة . اهـ .
وقال ابن قدامة : وَيُسْتَحَبُّ تَحْوِيلُ الرِّدَاءِ لِلإِمَامِ
وَالْمَأْمُومِ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
13 = تحويل الرداء من باب التفاؤل بِتغيّر الحال مِن جَدب وقَحط إلى مَطر
وإنبات .
قال ابن قدامة : الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ : التَّفَاؤُلُ بِقَلْبِ الرِّدَاءِ ،
لِيَقْلِبَ اللَّهُ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ .
وقال النووى : قال أصحابنا : لأن التحوّل شُرِع تَفاؤلاً بتغير الحال مِن
القَحْط إلى نزول الغيث والخَصب ، ومِن ضِيق الحال إلى سَعته . اهـ .
14 = السنة أن يجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء .
قال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وسائر فقهاء الأمصار : صلاة الاستسقاء سُنة
، ركعتان ، يجهر فيهما بالقراءة . نَقَله ابن عبد البر .
وقال ابن رجب : ولا اختلاف بين العلماء الذين يَرَون صلاة الاستسقاء ، أنه يجهر
فيها بالقراءة ، وقد تقدم عن عبد الله بن يزيد الخطمي ، أنه فعله بِمَشْهَد مِن
الصحابة .
وأكثر العلماء على أنه يَقرأ فيهما بما يَقرأ في العيدين ، وهو قول الثوري
ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم . اهـ .
15 = هل يُخرَج المنبر لصلاة الاستقساء ؟
قال البخاري : بَاب الدُّعَاءِ فِي الاسْتِسْقَاءِ قَائِمًا . وَقَالَ لَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ : خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ وَخَرَجَ مَعَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ
بْنُ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَاسْتَسْقَى ، فَقَامَ بِهِمْ عَلَى
رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ ، فَاسْتَغْفَرَ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
، يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ .
وروى أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قُحُوط المطر ، فأمَرَ بِمِنْبَر
، فَوُضِع له في الْمُصَلَّى ، ووَعَد الناس يوما يَخرجون فيه ، قالت عائشة :
فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بدأ حاجِب الشمس ، فَقَعَد على المنبر
فكبّر صلى الله عليه وسلم ، وحَمِد الله عز وجل ، ثم قال : إنكم شكوتم جَدْب
دياركم ، واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم ، وقد أمَركم الله عز وجل أن
تدعوه ، ووعدكم أن يَستجيب لكم ، ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
ملك يوم الدين ، لا إله إلاّ الله يفعل ما يُريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا
أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلتَ لنا قُوة وبلاغًا
إلى حين ، ثم رفع يديه فلم يَزل في الرَّفع حتى بَدَا بياض إبطيه ، ثم حول إلى
الناس ظَهره وقَلَب - أو حَوَّل - رداءه وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس
ونَزل ، فصلى ركعتين ، فأنشأ الله سحابة فَرَعَدت وبَرقت ثم أمطرت بإذن الله ،
فلم يأتِ مسجده حتى سَالَتِ السيول ، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنّ ضَحِك صلى
الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه ، فقال : أشهد أن الله على كل شيء قدير ، وأني
عبد الله ورسوله .
قال أبو داود : وهذا حديث غريب إسناده جيد .
قال النووي : حديث عائشة صحيح ؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح ، وقال : هو إسناد
جيد . ورواه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح علي شرط البخاري ومسلم . اهـ .
وحسّنه الألباني .
وروى ابن أبي شيبة مِن طريق مُطَرِّف عن الشعبي أن عُمر رضي الله عنه خرج
يستسقي فصعد المنبر .
قال الشوكاني : قوله : " فأمر بِمِنْبَر الخ " فيه استحباب الصعود على المنبر
لخطبة الاستسقاء . اهـ .
والْجَمْع بين الأمرين : إخراج المنبر وعدمه : يَعني وُجود سَعة في الأمر ، فمن
أخرج المنبر فلِفِعْلِه أصل ، ومن لم يفعل فلَه سَلَف .
16 = ومَن أخرج المنبر هل يُشْرَع له الجلوس عليه ؟
قال ابن قدامة : الإِمَامَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ جَلَسَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ
يَجْلِسْ ; لأَنَّ الْجُلُوسَ لَمْ يُنْقَلْ ، وَلا هَاهُنَا أَذَانٌ
لِيَجْلِسَ فِي وَقْتِهِ ، ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً ، يَفْتَتِحُهَا
بِالتَّكْبِيرِ . وَبِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ .
17 = هل يخطب للاستسقاء ؟
تقدم قول ابن عباس رضي الله عنهما : " فلم يخطب خطبتكم هذه " ، وفي حديث عائشة
رضي الله عنها : " فَقَعَد على المنبر فكبّر صلى الله عليه و سلم ، وحَمِد الله
عز وجل ..."
قال ابن قدامة : قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ
كَخُطْبَتَيْ الْعِيدَيْنِ ; لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : صَنَعَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ ...
وَلَنَا ، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ ،
وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ. وَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا فَصَلَ بَيْنَ ذَلِكَ بِسُكُوتٍ وَلَا جُلُوسٍ .
وَلأَنَّ كُلَّ مَنْ نَقَلَ الْخُطْبَةَ لَمْ يَنْقُلْ خُطْبَتَيْنِ ، وَلأَنَّ
الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ دُعَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لِيُغِيثَهُمْ ، وَلا
أَثَرَ لِكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ فِي ذَلِكَ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي
الْعِيدِ . وَلَوْ كَانَ النَّقْلُ كَمَا ذَكَرُوهُ ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى
الصَّلاةِ ، بِدَلِيلِ أَوَّلِ الْحَدِيثِ .
وقال : اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي الْخُطْبَةِ لِلاسْتِسْقَاءِ ، وَفِي
وَقْتِهَا ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا خُطْبَةً بَعْدَ الصَّلاةِ . قَالَ
أَبُو بَكْرٍ : اتَّفَقُوا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ فِي صَلاةِ
الاسْتِسْقَاءِ خُطْبَةً ، وَصُعُودًا عَلَى الْمِنْبَرِ . وَالصَّحِيحُ
أَنَّهَا بَعْدَ الصَّلاةِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ . قَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ ; لِقَوْلِ أَبِي
هُرَيْرَةَ : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ خَطَبَنَا . وَلِقَوْلِ ابْنِ
عَبَّاسٍ : صَنَعَ فِي الاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدَيْنِ . اهـ .
وقال الزيلعي عن قول ابن عباس : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ خَطَبَ ، لَكِنَّهُ لَمْ
يَخْطُبْ خُطْبَتَيْنِ ، كَمَا يَفْعَلُ فِي الْجُمُعَةِ ، وَلَكِنَّهُ خَطَبَ
خُطْبَةً وَاحِدَةً ، فَلِذَلِكَ نَفَى النَّوْعَ ، وَلَمْ يَنْفِ الْجِنْسَ ،
وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ . اهـ .
وقال العظيم آبادي في " عون المعبود " : إنما نَفَى وُقوع خُطبة منه صلى الله
عليه و سلم مُشابهة لخطبة المخاطَبِين ، ولم يَنْفِ وُقوع مُطلق الخطبة منه على
ذلك ، فلا يصح التمسك به لعدم مشروعية الخطبة . اهـ .
ومن هنا اخْتَلَف العلماء ؛ فقال الشَّافِعِيُّ : الْخُطْبَةُ تُسَنُّ فِي
الاسْتِسْقَاءِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : لا تُسَنُّ . نقله الزيلعي .
وعلى كُلّ فالمقصود أنها ليست خُطبة راتبة ، وإنما هي مَوعظة ، مثل ما تقدّم في
خطبة الكسوف .
وبالله التوفيق .