|
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : خَسَفَتِ الشَّمْسُ
عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى
أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ , حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ ، فَقَامَ , فَصَلَّى
بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَسُجُودٍ , مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلاتِهِ قَطُّ
, ثُمَّ قَالَ : إنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ : لا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ
يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ , فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً
فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَدُعَائِهِ ، وَاسْتِغْفَارِهِ .
فيه مسائل :
= قوله : " خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم " ، هو خُسوف واحد وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يوم موت
ابنه إبراهيم عليه السلام .
= فَزَع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة عند تغيّر الأحوال ، ووجُود
الآيات والـنُّذُر .
ففي حديث أَبِي بَكْرَةَ : فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ .
وفي حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : كَسَفَت الشمس على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم فَفَزِع ، فأخطأ بِدِرْعٍ حتى أُدْرِك بِرِدائه بعد ذلك .
رواه البخاري ومسلم .
= وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى الساعة ، ولذلك قام
فَزِعًا عند وقوع الكسوف ، يخشى أن تكون الساعة .
فكيف يدّعي مُدّع معرفة ذلك ؟!
= أشكل على بعض أهل العلم قيامه عليه الصلاة والسلام فَزِعًا يخشى أن تكون
الساعة وقد أخبر بِعلاماتها الكبرى .
والجواب عنه :
إما أن يكون الفَزَع أذهله .
أو يكون يخشى أن تكون الساعة ، يعني : علامة مِن علاماتها .
قال النووي : هَذَا قَدْ يُسْتَشْكَل مِنْ حَيْثُ إِنَّ السَّاعَة لَهَا
مُقَدِّمَات كَثِيرَة لا بُدّ مِنْ وُقُوعهَا ، وَلَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ ؛
كَطُلُوعِ الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا ، وَخُرُوج الدَّابَّة ، وَالنَّار ،
وَالدَّجَّال ، وَقِتَال التُّرْك وَأَشْيَاء أُخَر لا بُدّ مِنْ وُقُوعهَا
قَبْل السَّاعَة ، كَفُتُوحِ الشَّام وَالْعِرَاق وَمِصْر وَغَيْرهمَا ،
وَإِنْفَاق كُنُوز كِسْرَى فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى ، وَقِتَال الْخَوَارِج
، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الأُمُور الْمَشْهُورَة فِي الأَحَادِيث الصَّحِيحَة .
وَيُجَاب عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ :
أَحَدهَا : لَعَلَّ هَذَا الْكُسُوف كَانَ قَبْل إِعْلام النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الأُمُور
الثَّانِي : لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ تَكُون بَعْض مُقَدِّمَاتهَا .
الثَّالِث : أَنَّ الرَّاوِي ظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَخْشَى أَنْ تَكُون السَّاعَة ، وَلَيْسَ يَلْزَم مِنْ ظَنِّهِ أَنْ
يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشِيَ ذَلِكَ حَقِيقَة ،
بَلْ خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَعْجِلا
مُهْتَمًّا بِالصَّلاةِ وَغَيْرهَا مِنْ أَمْر الْكُسُوف ، مُبَادِرًا إِلَى
ذَلِكَ .
وَرُبَّمَا خَافَ أَنْ يَكُون نَوْع عُقُوبَة كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد هُبُوب الرِّيح تُعْرَف الْكَرَاهَة فِي وَجْهه ،
وَيَخَاف أَنْ يَكُون عَذَابًا ... فَظَنَّ الرَّاوِي خِلاف ذَلِكَ وَلا
اِعْتِبَار بِظَنِّهِ . اهـ .
وقال ابن حجر : سبب الفزع يَخْفَى عن المشاهِد لِصُورة الفَزع . فيحتمل أن يكون
الفَزع لغير ما ذُكِر .
وقال أيضا : وزاد بعضهم : أن المراد بالساعة غير يوم القيامة ، أي : الساعة
التي جُعِلَت علامة على أمْرٍ مِن الأمور ، كموته صلى الله عليه وسلم .
ثم بيّن ابن حجر ضَعْف القول الأول بِقَولِه : وفي الأول نظر ؛ لأن قصة الكسوف
متأخرة جدا ،فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة ، كما اتفق عليه أهل
الأخبار .
ثم قال : وأقربها الثاني ، فلعله خَشِي أن يكون الكسوف مُقدمة لبعض الأشراط ،
كطلوع الشمس مِن مَغربها . اهـ .
= قوله عليه الصلاة والسلام : " فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً
فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَدُعَائِهِ ، وَاسْتِغْفَارِهِ " ، لا
يُفهَم مِنه الاقتصار على الذِّكْر والدعاء والاستغفار ؛ لأن ذِكر الصلاة مطويّ
هنا ، مُصرّح به في أحاديث أُخَر ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها "
فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا , وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا " .
= مشروعية الذِّكْر والاستغفار عند وقوع الآيات .
قال ابن حجر : وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره ؛ لأنه مما يُدْفَع
به البلاء . اهـ .