شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث 142 في حُكم اللغو أثناء الخطبة
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ : أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ؛ فَقَدْ لَغَوْتَ .
2 = معنى اللغو : ساقِط الكلام ومطروحه وباطِله .
قال القاضي : وألغيت الشيء طرحته ، وألْغَيت إذا أتيت بِلَغْو .
وقال النووي : اللَّغْو ، وَهُوَ الْكَلام الْمَلْغِيّ السَّاقِط الْبَاطِل
الْمَرْدُود .
3 = اللغو يكون بالقول ويكون بالفعل ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ
الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ
الْحَصَى فَقَدْ لَغَا . رواه مسلم .
فالعبث بالحصى أو بالمسبحة أو بالمفاتيح وغيرها عَبْث يُعتبر مِن اللغو .
وفي معناه أيضا العبث بأي شيء سوى الحصى ، مثل أن يعبث بآلة ، نحو الساعة أو
الجوال ، أو يعبث بالسِّواك ، أو غير ذلك ؛ فإن كل ذلك من العبث الذي يُعتبر في
معنى اللغو .
بل وتخطِّي رِقاب الناس وأذيّتهم يوم الجمعة تُعتبر مِن اللغو ، لقوله عليه
الصلاة والسلام : مَن لَغَا وتَخَطّى رقاب الناس كانت له ظُهْرًا . رواه أبو
داود من حديث عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده ، وحسّنه الألباني .
وكان عِكرمة ينهى عن تَقليب الحصى ، وعن تَفقيع الأصابع ، في الجمعة والإمام
يَخطب . رواه عبد الرزاق .
4 = وُجوب الإنصات يوم الجمعة لِسَماع الخطبة
قال ابْن بَطَّال : وجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِ الإِنْصَاتِ
للخطبة .
وقال ابن عبد الْبَرِّ : ولا خلاف عليه بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات
للخطبة على مَن سمعها .
وسئل الزهري عن التسبيح والتكبير والإمام يخطب . فقال : كان يُؤمَر بالصمت .
قال ابن حجر : وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْع جَمِيع أَنْوَاع الْكَلام حَال
الْخُطْبَة ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور فِي حَقّ مَنْ سَمِعَهَا ، وَكَذَا
الْحُكْم فِي حَقّ مَنْ لا يَسْمَعهَا عِنْد الأَكْثَر .
6 = ماذا يترتّب على اللغو أثناء الخطبة ؟
يترتّب على فعله أو قوله فَوات أجْر الجمعة ، ووقوعه في الإثم ، ولا يُؤمر
بإعادة صلاة الجمعة .
ومعنى ذلك " يريد في تَمَام أجْر الذي شاهد الخطبة صامتا ، أي : لا جُمعة له
مثل جمعة هذا ، والله أعلم ؛ لأن الفقهاء في جميع الأمصار يقولون : إن جمعته
مُجْزِية عنه ، ولا يصلي أربعا " قاله ابن عبد البر رحمه الله .
وقال ابن حجر : قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : لا جُمُعَة لَهُ كَامِلَة ؛
لِلإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاط فَرْض الْوَقْت عَنْهُ . اهـ .
7 = متى يجب الإنصات ؟
يجب السكوت والإنصات إذا كان الإمام يخطب .
قال النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالإِمَام يَخْطُب
" دَلِيل عَلَى أَنَّ وُجُوب الإِنْصَات وَالنَّهْي عَنْ الْكَلام إِنَّمَا
هُوَ فِي حَال الْخُطْبَة ، وَهَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَالْجُمْهُور
. اهـ .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال : أدركت عمر
وعثمان رضي الله تعالى عنهما ، فكان الإمام إذا خرج تركنا الصلاة ، فإذا
تَكَلَّم تركنا الكلام .
وأخرَج عن سعيد بن المسيب قال : خروج الإمام يقطع الصلاة ، وكلامه يقطع الكلام
.
أما بين الخطبتين وقبل الخطبة فيجوز الكلام ، بل والعمل اليسير .
قال النووي في " المجموع " : يُستحب للقوم أن يُقْبِلوا على الخطيب مستمعين ،
ولا يشتغلوا بغيره ، حتى قال أصحابنا : يُكْرَه لهم شُرْب الماء للتلذّذ ، ولا
بأس يشربه للعطش للقوم والخطيب .
8 = اشتدّ نكير السَّلَف على من تكلّم حال الخطبة .
روى ابن أبي شيبة عن علقمة بن عبد الله قال : قدمنا المدينة يوم الجمعة
فأمَرْتُ أصحابي أن يرتحلوا ، ثم أتيت المسجد فجلست قريبا مِن ابن عمر ، فجاء
رجل من أصحابي فَجَعَل يُحَدِّثُني والإمام يخطب ، فقلنا كذا وكذا ، فلما كَثرت
قلت له : أسكت . فلما قضينا الصلاة ذَكَرْتُ ذلك لابن عمر ، فقال : أما أنت فلا
جمعة لك ، وأما صاحبك فَحِمَار !
9 = متى ينتهي الإنصات ؟
ينتهي بانتهاء الخطبة ، وجمهور أهل العلم على منع الكلام أثناء كلام الخطيب .
وأخرج ابن أبي شيبة آثارا عن غير واحد من أهل العلم أنهم لم يكونوا يَرون بأسًا
أن يتكلم الْمُتكلِّم فيما بَين نُزول الإمام إلى أن يُكَـبِّر .
10 = هل تدخل الإشارة في اللغو ؟
أشَار ابن عمر رضي الله عنهما إلى رجل يتكلّم .
وقال طاووس : لا تُشِر إلى أحد يوم الجمعة ، ولا تَنْهَه عن شيء ، ولا تَدْعُ
إلاّ أن يدعو الإمام .
وجاءت الآثار عن السلف بالأمر بالإنكار بالإشارة إن كان الْمُتَحدِّث بعيدا ،
وبالغَمْز إن كان قريبا .
قال الإمام الترمذي بعد روايته لِحديث الباب : والعمل عليه عند أهل العلم ؛
كَرِهُوا للرجل أن يتكلم والإمام يخطب ، وقالوا : إن تَكَلّم غَيره فلا يُنكر
عليه إلاّ بالإشارة .
11 = هل يُكلَّم الخطيب للحاجة ؟
نَعم ، وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه تكليم الأعرابي للنبي صلى الله
عليه وسلم في طلب السقيا ، وفي الجمعة الثانية تكليمه إياه للاستصحاء .
قال أبو رفاعة رضي الله عنه : انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب
قال : فقلت : يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه ، لا يدري ما دِينه ! قال
: فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إليّ ، فأُتِي
بِكُرْسِيّ - حسبت قوائمه حديدا - قال : فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجعل يُعَلّمني مما علمه الله ، ثم أتى خطبته ، فأتَمّ آخرها . رواه مسلم
. وصنيع الإمام مسلم وتبويب النووي يُشعر أنه كان في خُطبة جمعة .
وسبق ما يتعلق بِتكليم الإمام للْمُصلِّي ، وذلك في شرح حديث جابر رضي الله عنه
.
12 = هل يَرُدّ السلام ويُشمِّت العاطس ؟
لا يَرُدّ السلام ولا يُشمِّت العاطس ، في قول جمهور أهل العلم ، ورجّح النووي
تحريم ذلك .
قال الإمام الترمذي : واختلفوا في رَدّ السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب ؛
فَرَخّص بعض أهل العلم في رَدّ السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب ، وهو قول
أحمد وإسحاق ، وكَرِه بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك ، وهو قول الشافعي
.
13 = هل يُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الخطبة ؟
إذا أمَر الإمام بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيُصلِّي عليه سِـرًّا .
14 = قوله : " إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ : أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَالإِمَامُ يَخْطُبُ " ما فائدة تخصيصه بيوم الجمعة ؟
إخراج خُطب الأعياد وغيرها ، كَخُطبة الاستسقاء والاستصحاء وغيرها ، فلا يجب
الإنصات لها ، لقوله عليه الصلاة والسلام يوم العيد : إِنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ
أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ
يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني .
فقد أذِن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالانصراف لِمن شاء ، وهذا دالّ على عدم
وُجوب حضور الخطبة والاستماع إليها ، فيجوز فيها يسير الكلام ، وكَرِه غير واحد
من السلف الكلام فيها أيضا .
15 = النهي عن إنكار المنكر إذا ترتّب على الإنكار مفسدة ، فلا يجوز الإنكار
بالقول على من يتكلّم إلاّ أن يكون مِن قِبَل الخطيب نفسه .