شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث 138 في القراءة في فجر الجمعة
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
ح 138
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي صَلاةِ
الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : (الم (1) تَنْزِيلُ ) السَّجْدَةَ وَ : (هَلْ
أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ ) .
فيه مسائل :
1= سورة السجدة (30) آية ، وسورة الإنسان (31) آية ، وعامة قراءة النبي صلى
الله عليه وسلم ما بين السِّتِّين إلى المائة .
ففي حديث أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قال : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ ،
وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ . رواه البخاري
ومسلم .
فَعَلى هذا تكون قراءته صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة من أقصر ما يقرأ ،
بينما إذا قرأ بها الأئمة في زماننا هذا رأى بعض الناس أنه قد أطال !
2= سبب قراءة مثل هذه السُّوَر في ليلة الجمعة ، ومثلها قراءة سبِّح والغاشية ،
أو الجمعة و" لمنافقون " في صلاة الجمعة - الإِشَارَة إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ
ذِكْر خَلْق آدَم وَأَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة ، لأَنَّ خَلْق آدَم كَانَ يوم
الجمعة ، ولأن يَوْم الْقِيَامَة سَيَقَعُ يَوْم الْجُمُعَة ، أي : أن بداية
يوم القيامة والنفخ في الصور يكون يوم جُمعة .
3= لا عِبرة بكراهة من كَرِه قراءة سورة السجدة ليلة الجمعة ، وذلك لأنهم عللوا
ذلك بخشية التخليط على الْمُصَلِّين ، وهذا مُنتَفٍ في الصلاة الجهرية ، ولذلك
فرّق العلماء بين قراءة آية فيها سجدة في الصلاة الجهرية وفي الصلاة السرية ،
فقالوا : قراءة السجدة في السرية والسجود حينئذ لا يُؤمَن معه التخليط .
ثم إن السنة قاضية على هذه الكراهة ؛ لأن قراءة سورة السجدة فجر الجمعة جاءت به
السنة الصحيحة .
4= يُشرع للإمام أن لا يُداوم على قراءة هاتين السورتين لئلا يظُنّ الجاهل أنه
لا يُجزئ غيرهما .
قال ابن القيم : كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنْ الأَئِمّةِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى
قِرَاءَةِ هَذِهِ السّورَةِ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ دَفْعًا لِتَوَهّمِ
الْجَاهِلِينَ . اهـ .
ولو كان المقصود بِقِرَاءَةِ سُورَة السَّجْدَة قَصْد السُّجُود الزَّائِد ،
لَكان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير هذه السورة ، أو لَكان نوّع بين السور
التي فيها سجود ، ولَكان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون مثل ذلك ؛ فَعُلِم بذلك
أن السجود غير مقصود .
ولذلك قال ابن القيم : ويظن كثير ممن لا عِلْم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة
بسجدة زائدة ، ويسمونها سجدة الجمعة ! وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة اسْتَحَبّ
قراءة سورة أخرى فيها سجدة . اهـ .
6 = كَرِه بعض أهل العلم أن يقرأ سورة السجدة في الركعتين ، وتمام الاقتداء
بالنبي صلى الله عليه وسلم قراءتها كاملة في الركعة الأولى ، وقراءة سورة "
الإنسان " في الركعة الثانية .
7 = ويُستحبّ أن يَقرأ الإمام بهاتين السورتين ولا يُداوم على تركهما ، وسمعت
شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول : هاتان السورتان طويلتان ، ربما لا
يتيسر لكل إمام أن يحفظهما عن ظهر قلب ، فلا بأس أن يقرأ بالمصحف .
وقال أيضا : القراءة من المصحف عند خوف النسيان لا بأس به ، فيجوز للإنسان أن
يقرأ في المصحف عند خوف نسيان آيةٍ أو غلطٍ فيها ، ولا حرج عليه .