|
ح 128
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ - مَا تَرَى فِي
صَلاةِ اللَّيْلِ ؟ قَالَ : مَثْنَى , مَثْنَى ، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ
الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً ، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى . وَإِنَّهُ كَانَ
يَقُولُ : اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً .
في الحديث مسائل :
1=
قوله : بابُ الوِتْرِ
معنى الوتر :
الوِتْر في اللغة : الفَرْد .
وفي الحديث : إن الله وِتْرٌ يُحِبّ الوتر، فأوتِروا يا أهل القرآن . رواه
الإمام أحمد وأهل السنن .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً : إن الله وتر يحب الوتر .
2=
في رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما : من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا .
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك .
وفي رواية لمسلم من طريق عقبة بن حريث قال : سمعت ابن عمر يُحدِّث أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا رأيت أن الصبح يدركك
فأوتر بواحدة . فقيل لابن عمر : ما مثنى مثنى ؟ قال : أن تُسلِّم في كل ركعتين
.
وفي رواية : صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة .
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
أوتروا قبل أن تصبحوا .
3=
وفي رواية : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى . رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن .
وهذا يعني أن الأفضل في صلاة لنافلة أن تُصلى ركعتين ركعتين .
أو أن هذا هو الأغلب .
وإلا فقد جاء في الصلاة قبل الظهر أنها تُصلى من غير تسليم ، وهذا أنها تُصلى
أربعا من غير تسليم .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها : يُصلي أربعا فلا تَسَلْ عن حسنهن وطولهن ، ثم
يُصلي أربعا فلا تَسَلْ عن حسنهن وطولهن ، ثم يُصلي ثلاثا . رواه البخاري ومسلم
.
وإن كان هذا حُمِل على صلاة ركعتين ركعتين ثم يَفصل بعد ذلك ، أي يجلس ويرتاح ،
إلا أن اللفظ مُحتمِل لهذا ولهذا .
أي مُحتَمِل لصلاة ركعتين ركعتين ، ومحتَمِل لصلاة أربع ركعات .
ولا يُعكِّر هذا على قوله صلى الله عليه وسلم : مثنى مثنى . لأن صلاة ركعتين هو
الأغلب ، وهو الأفضل .
4=
الوتر آخر الليل أفضل لمن طمع أن يقوم من آخر الليل
قال عليه الصلاة والسلام : من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ، ومن
طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل ، فإن صلاة آخر الليل مشهودة ، وذلك أفضل .
رواه مسلم .
وفي رواية : أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد ، ومن وَثِق
بقيام من الليل فليوتر من آخره ، فإن قراءة آخر الليل محضورة ، وذلك أفضل .
رواه مسلم .
ومعنى محضورة أي تحضرها الملائكة وتشهدها .
5=
اختصاص هذه الأمة بصلاة الوِتر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل قد أمدّكم بصلاة ، وهي خير
لكم من حمر النعم ، وهي الوتر ، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر .
رواه أبو داود وابن ماجه .
6=
حُكم الوتر :
الجمهور على أن الوتر سُـنّـة مؤكّدة .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركها في سفر ولا في حضر .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر على
راحلته . رواه مسلم .
وهذا يدل على أن له حُكم النافلة ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن
يُصلي الفريضة على الراحلة
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن الوتر ليس بِحَتْمٍ ، ولا كصلاتكم
المكتوبة . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه .
وفي رواية : الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
7=
فضيلة الوتر :
قد أقسم الله به في قوله تعالى : ( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) .
وقد ذَكَرَ ابن الجوزي عشرين قولاً في معناهما .
8=
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالمداومة على صلاة الوتر .
ففي حديث أبي هريرة قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث : بصيام ثلاثة
أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أرقد . رواه البخاري ومسلم .
9=
النهي عن مُشابهة الوتر لصلاة المغرب .
لا تُوتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب . رواه البيهقي مرفوعا وموقوفاً .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان النبي يَفصل بين الشفع والوتر بتسليم
يُسمعناه . رواه ابن حبان .
10=
النهي عن الجمع بين وترين في ليلة واحدة
عن قيس بن طلق قال : زارنا أبي طلق بن عليّ في يوم من رمضان ، فأمسى بنا وقام
بنا تلك الليلة وأوتر بنا ، ثم انحدر إلى مسجد فصلى بأصحابه حتى بقي الوتر ، ثم
قدَّم رجلا فقال له : أوتر بهم ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: لا وِتران في ليلة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .
11=
إذا أوتر من أول الليل ثم قام من آخره ، فكيف يَصنع ؟
قال الترمذي : واختَلَف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل ثم يقوم من آخره ؛
فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم نقض الوتر ،
وقالوا : يُضيف إليها ركعة ، ويُصلِّي ما بدا له ، ثم يوتر في آخر صلاته ، لأنه
لا وتران في ليلة ، وهو الذي ذهب إليه إسحاق . وقال بعض أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : إذا أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام من آخر
الليل فإنه يُصلي ما بدا له ولا ينقض وتره ، ويَدع وِتره على ما كان ، وهو قول
سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأهل الكوفة وأحمد ، وهذا أصحّ
، لأنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر . اهـ
.
وكذلك يَدلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام : أن هذا السهر جهد وثقل ، فإذا
أوتر أحدكم فليركع ركعتين ، فإن قام من الليل وإلاَّ كانتا له . رواه الدارمي –
واللفظ له - وابن خزيمة وابن حبان .
ومما يَدلّ عليه فِعل طلق بن عليّ رضي الله عنه ، فإنه لم يَنقض وِتره ، وصلّى
من آخر الليل ، وقد تقدّم .
12=
إذا قلنا بهذا فكيف الجواب عن قوله في حديث الباب : اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ
بِاللَّيْلِ وِتْراً ؟
الجواب : أن هذا هو الأفضل لمن طمع في القيام آخر الليل ، كما تقدّم .
وهذا أمر إرشاد لا أمر وجوب ، لأن الوتر ليس بواجب أصلاً .
والله تعالى أعلم .