شرح أحاديث عمدة
الأحكام
الحديث الـ 122 تأذي الملائكة بالروائح
الكريهة
عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
ح 122
عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ
مَسْجِدَنَا ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو
آدمَ .
في الحديث مسائل :
1=
استشعار حضور الملائكة للصلوات ، واحترام هذا الحضور ولو مع غير الرؤية .
2=
احترام شعور المصلِّين ، سواء في الروائح الكريهة كالثوم والبصل والكراث ، أو
روائح السجائر والتدخين ، أو روائح الجوارب .
أو كان ذلك بالأصوات كأصوات تنظيف الأنف ، التي تتقزّز منها النفوس ، ويتأذى
منها الناس .
3=
الحرص على عدم أذيّـة الناس ، لأن المصلي في الجماعة يطلب مزيد الأجر ، فلا
يطلب مزيد الأجر بارتكاب ما يأثم به .
4=
قاس العلماء على هذا الحديث : من يتأذى الناس منه بلسان أو حال .
قال القرطبي في التفسير :
قال العلماء : وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن
كل من تأذّى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم ، أو كان ذا
رائحة قبيحة لا تريمه ، لسوء صناعته ، أو عاهة مؤذية ، كالجذام وشِبهه ، وكل ما
يتأذى به الناس ؛ كان لهم إخراجه ما كانت العلة موجودة حتى تزول .
وقال :
قال أبو عمر بن عبد البر : وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام
- رحمه الله - أفتى في رجل شكاه جيرانه ، واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد
بلسانه ويده ، فَشُوور فيه فأفتى بإخراجه من المسجد وإبعاده عنه ، وألا يشاهِد
معهم الصلاة ، إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه . فذاكرته يوما
أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك ، وراجعته فيه القول ، فاستدلّ بحديث
الثوم وقال : هو عندي أكثر أذى من أكل الثوم ، وصَاحِبه يمنع من شهود الجماعة
في المسجد . اهـ .
والجامع بينها أن هذا مما يتأذى منه بنو آدم .
5=
لو كان جماعة المسجد كلهم يأكلون الثوم – مثلاً – فهل يُنهون عن أكل الثوم ؟ أو
يُقال : إنه لا أحد منهم يتأذى بمثل هذه الروائح ؟
الصحيح : أنه يجب احترام المساجد وتعظيمها ، وأن العلة ليست تأذى الناس فحسب ،
وإنما يُضاف إليها تأذى الملائكة .
ففي حديث الباب النص على ذلك : فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا
يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ .