|
ح 121
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا
، ولِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ ، وَأُتِيَ بِقِدْرٍ
فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحاً , فَسَأَلَ ، فَأُخْبِرَ
بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُولِ ، فَقَالَ : قَرِّبُوهَا . إلَى بَعْضِ
أَصْحَابِه . فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ : كُلْ ، فَإِنِّي
أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي .
في الحديث مسائل :
1=
سبب ورود الحديث يُوضّح الحديث
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال : من أكل من هذه الشجرة
المنتنة فلا يقربن مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس . رواه
مسلم ، وسيأتي مزيد بيان لحديث جابر في الحديث الذي يليه .
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال : لم نَعْدُ أن فُتحت خيبر فوقعنا أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة : الثوم ، والناس جياع ، فأكلنا
منها أكلا شديدا ، ثم رحنا إلى المسجد ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الريح ، فقال : من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا في المسجد . فقال
الناس : حُرِّمت حُرِّمت ، فبلغ ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أيها
الناس إنه ليس بي تحريم ما أحلّ الله لي ، ولكنها شجرة أكره ريحها . رواه مسلم
.
فهذا يدل على أنهم أكلوها عن حاجة وجوع شديد ، ومع ذلك نهاهم النبي صلى الله
عليه وسلم عن قُربان المسجد في هذا الحال .
2=
قوله : " فَلْيَعْتَزِلْنَا ، ولِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي
بَيْتِهِ " هل يدل على عدم وُجوب صلاة الجماعة ؟
أو يدلّ على أن آكل الثوم أو البصل أو الكراث معذور ، ومُعفى من حضور الجماعة ؟
الجواب :
لا هذا ولا ذاك !
بل هو من باب العقوبات الشرعية ، فالذي تُوجد منه هذه الروائح يُطرَد من المسجد
!
قال عمر بن الخطاب – في خطبته – : ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما
إلا خبيثتين : هذا البصل والثوم ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
وَجَد ريحهما من الرجل في المسجد أمَرَ بِهِ فأُخرِجَ إلى البقيع ، فمن أكلهما
فليمتهما طبخاً . رواه مسلم .
ومثله مَنْع المنافِق والمثبِّط والْمُرْجِف من الخروج للجهاد ، ليس من باب
عُذر هؤلاء ، وإنما هو من باب العقوبات الشرعية .
قال تعالى : ( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ
فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ
تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ) .
فإن هذا ليس من باب العُذر بدليل قوله تعالى بعد ذلك مباشرة : ( وَلا تُصَلِّ
عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ
كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) .
فهذه عقوبات
ولا يُتصوّر أن أحداً يُطرَد من المسجد ، ثم يكون هذا من باب العُذر .
3=
إذا أكل أحد من هذه البقول لِعُذر ، كالجوع أو المرض ، فهل يُعذر ويُؤمر
بالصلاة في بيته ؟
روى أبو داود عن المغيرة بن شعبة قال : أكلت ثوما ، فأتيت مصلى النبي صلى الله
عليه وسلم وقد سُبِقتُ بركعة ، فلما دخلت المسجد وَجَدَ النبي صلى الله عليه
وسلم ريح الثوم ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال : من أكل من
هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها - أو رِيحه - فلما قضيت الصلاة جئت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله والله لتعطيني يدك . قال :
فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري ، فإذا أنا معصوب الصدر . قال : إن لك عُذرا .
وصححه الألباني .
وحُمِل هذا العُذر على أكل الثوم ، لا على حضور الصلاة في المساجد ، إذ سيأتي
في الحديث الذي يليه أن الملائكة تتأذّى من ذلك .
4=
يُلحَق بها كل ما له رائحة كريهة
قال المازري : وألْحَق الفقهاء بالروائح أصحاب المصانِع : كالقصّاب والسَّمّاك
. نقله ابن الملقِّن .
وقال ابن حجر : وقد ألْحَقَ بها الفقهاء ما في معناها من البقول الكريهة
الرائحة ، كالفجل .
5=
هل يُلحَق بها الدُّخان ؟
يُلحق بها من باب أولَى ، لأن هذه مع نفعها مُنِع من أكلها لمن يلزمه حضور
الجماعة ، ويُطرَد من المسجد من وُجِدت منه رائحتها ، فكيف بكريه الرائحة مع
شديد الضرر ؟!
لا شك أنه بالمنع أولَى .
6=
هل النهي عن قُربان مسجده صلى الله عليه وسلم أو هو عام ؟
هو عام
ففي رواية لمسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر : من
أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يأتين المساجد .
7=
قوله : " وَأُتِيَ بِقِدْرٍ "
أُتِيَ : يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
8=
قوله : " خَضِرَاتٌ " قال ابن التين : وضُبِطَ في بعض الروايات بفتح الضاد وضم
الخاء . نقله العيني .
9=
قوله : " مِنْ بُقُولٍ " جَمْع بَقْلة ، ويُجمَع على بَقْل وبُقُول ، وهو يُطلق
على النبات الصغير الذي يؤكل ورقه ، كالكراث ونحوه .
10=
قوله : " قَرِّبُوهَا . إلَى بَعْضِ أَصْحَابِه "
قرِّبُوها : أمر إرشاد منه صلى الله عليه وسلم . والمعنى قرِّبوها ، يعني إلى
بعض أصحابه .
وفي رواية : إلى بعض أصحابه كان معه .
وهو أبو أيوب رضي الله عنه ، فيما ذَكَره العيني .
11=
قوله عليه الصلاة والسلام : " كُلْ ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي " هل
يدلّ على جواز أكل الثوم والبصل أو الكراث ، وحضور الجماعة ؟
الجواب : لا
وإنما كان الذي في القدر كراث مطبوخ ، فوَجَد له صلى الله عليه وسلم ريحاً ،
فامتنع من أكله لأنه يُناجِي الْمَلَك ، بخلاف غيره .
ولو كان ثوما أو بصلاً ، فقد يؤذن في أكله لمن لا تلزمه الجماعة ، أو لمن يحتاج
إليه من جوع ، أو لمن لا تحضره جماعة ، كالذي يأكله بعد العشاء ، ويأكل بعده ما
يُذهب ريحه .
والله تعالى أعلم .