|
ح 115
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاةِ ،
يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ , وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاةِ , حَتَّى
نَزَلَتْ ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ ،
وَنُهِينَا عَنْ الْكَلامِ .
في الحديث مسائل :
1=
قوله : " كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاةِ " فيه دليل على أن تحريم الكلام في
الصلاة هو الأخير ، وهو الناسخ لما قَبْلَه
2=
القُنوت يُطلق على عدة معاني :
على الصلاة . قال القرطبي : والقنوت الصلاة . قال الشاعر :
قانتا لله يتلو كتبه وعلى عمد من الناس اعتزل
وعلى طول القيام . قال أيضا : والقنوت في اللغة أصله القيام ، ومنه الحديث "
أفضل الصلاة طول القنوت "
وقال أيضا :
وقيل : أصله الطاعة ، ومنه قوله تعالى : ( وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ) .
أقول : ومنه قوله تعالى في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا
أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) .
ويُطلق على الدعاء في الصلاة ، الفريضة أو النافلة . ويُسمى الدعاء الذي يُدعَى
به في الصلاة : دعاء القنوت
قال القرطبي :
وقيل : إن أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء ، ومن حيث كان أصل القنوت في
اللغة الدوام على الشيء جاز أن يسمى مُدِيم الطاعة قانتاً ، وكذلك من أطال
القيام والقراءة والدعاء في الصلاة ، أو أطال الخشوع والسكوت ؛ كل هؤلاء فاعلون
للقنوت . اهـ .
3=
قوله : " وَنُهِينَا عَنْ الْكَلامِ " يدل على التحريم .
ويؤيّده حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه عند مسلم ، قال رضي الله عنه
:
بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت :
يرحمك الله ! فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ! ما شأنكم تنظرون
إليّ ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ،
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا
بعده أحسن تعليما منه ، فو الله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال : إن هذه
الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة
القرآن ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4=
لو تكلّم إنسان لمصلحة الصلاة .
فإن كان تكلّم بالقرآن ، فلا إشكال ولا تفسد صلاته . كأن يقول : ( اقرأ ) إذا
نسي الإمام الجهر في الجهرية
أو يسهو الإمام ولا يعرف ماذا يُراد منه ، فيُقال له : ( وقوموا ) أو ( اسجدوا
) .
وأحد الأئمة فَتَح عليه أحد المأمومين ، فلم يسمع ما قال ، فقال الإمام : ( نعم
) وهذا من ألفاظ القرآن .
وإن كان تكلّم بغير القرآن ففي المسألة خِلاف .
قال القرطبي : واختلف قول أحمد في هذه المسألة ؛ فذكر الأثرم عنه أنه قال : ما
تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم تفسد عليه صلاته ، فإن تكلم لغير ذلك
فَسَدَتْ ، وهذا هو قول مالك المشهور ، وذكر الخرقي عنه أن مذهبه فيمن تكلم
عامدا أو ساهيا بَطَلَتْ صلاته إلا الإمام خاصة ، فإنه إذا تكلم لمصلحة صلاته
لم تبطل صلاته . اهـ .
والذي يظهر مَنع الكلام ولو كان في مصلحة الصلاة ، إلا أن هذا الخلاف يُستفاد
منه عدم الْحُكم ببطلان صلاة من تكلّم عامدا لمصلحة الصلاة .
5=
لو تكلّم ناسياً أو جاهِلاً ، فهل تبطل صلاته ؟
الجواب : لا ، لقوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَا ) .
والجهل تقدّم فيه حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه .
والله تعالى أعلم .