|
ح 108
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :
صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلاتَيْ الْعَشِيِّ -
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : وَسَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ . وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا
- قَالَ : فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ سَلَّمَ . فَقَامَ إلَى
خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ
غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى , وَشَبَّكَ بَيْنَ
أَصَابِعِهِ . وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا :
قَصُرَتِ الصَّلاةُ - وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - فَهَابَا أَنْ
يُكَلِّمَاهُ . وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ , يُقَالُ لَهُ :
ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنَسِيتَ , أَمْ قَصُرَتِ
الصَّلاةُ ؟ قَالَ : لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ . فَقَالَ : أَكَمَا يَقُولُ
ذُو الْيَدَيْنِ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ . فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ .
ثُمَّ سَلَّمَ , ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ .
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ , ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ
أَوْ أَطْوَلَ . ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ . فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ :
ثُمَّ سَلَّمَ ؟ قَالَ : فَنُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ :
ثُمَّ سَلَّمَ .
في الحديث مسائل :
1=
لما فَرَغ المصنف رحمه الله من باب صفة الصلاة ، شَرَع في بابُ سجودِ السَّهو ،
إذ هو ليس من صفة الصلاة ، وإنما هو لِجبر النقص الحاصل في الصفة الصحيحة .
2=
يُعرف هذا الحديث بحديث ذي اليدين ، لاشتهار ذِكره فيه .
قال النووي : وفي رواية : رجل من بني سليم . وفي رواية : رجل يقال له الخرباق ،
وكان في يده طول ... اسمه الخرباق بن عمرو .
3=
قوله إحدى صلاتي العَشِيّ .
قال القاضي عياض : قوله : " إحدى صلاتيّ العشيّ " يريد الظهر والعصر ، وكانوا
يُصلّون الظهر بعَشيّ ، والعَشيّ ما بعد زوال الشمس إلى غروبها . قال الباجي :
إذا فاء الفـئ ذراعا فهو أول العشيّ . اهـ .
ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ
بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) .
فَعَلى هذا تكون إما صلاة ظهر أو صلاة عصر .
والنهار ينقسم إلى قسمين :
العَشيّ والضّحى ، ويدل عليه قوله تعالى : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا
لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) .
4=
قوله : " فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ "
سبب ذلك – والله أعلم – أنه صلى الله عليه وسلم قُرّة عينه في الصلاة ، وصلاته
لم تكتمل ، فحدث له ذلك العارِض بسبب النقص العارِض في صلاته .
5=
قوله : " وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ " استدل به البخاري على جواز تشبيك
الأصابع في المسجد .
فعقد باباً : باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره .
قال العيني : مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث يدل على تمامها ، لأن التشبيك إذا
جاز في المسجد ففي غيره أولى بالجواز . اهـ .
وكأنه لم يصح عنده شيء في النهي عن تشبيك الأصابع في المسجد أو في الطريق إلى
الصلاة .
وقد جاءت أحاديث في النهي عن تشبيك الأصابع لمن كان عامدا إلى الصلاة أو لمن
كان في صلاة .
قال صلى الله عليه وسلم : إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ، ثم خرج عامداً إلى
المسجد ، فلا يشبكن بين يديه ، فإنه في صلاة . رواه الإمام أحمد وأبو داود
والترمذي .
وقال : إذا توضأ أحدكم في بيته ، ثم أتى المسجد ، كان في صلاة حتى يرجع ، فلا
يقل هكذا : وشبّك بين أصابعه . رواه ابن خزيمة .
وعن أبي ثمامة قال : لقيت كعب بن عجرة رضي الله عنه وأنا أريد الجمعة ، وقد
شبكت بين أصابعي ، فلما دنوت ضرب يدي ففرّق بين أصابعي وقال : إنا نهينا أن
يشبك أحد بين أصابعه في الصلاة . قلت : إني لست في صلاة . قال : أليس قد توضأت
، وأنت تريد الجمعة ؟ قلت : بلى . قال : فأنت في صلاة . رواه ابن خزيمة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : واختلف في حكمة النهي عن التشبيك ، فقيل :
لكونه من الشيطان ، وقيل : لأن التشبيك يجلب النوم وهو من مظانّ الحدث ، وقيل :
لأن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف ، فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا
يقع في المنهي عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين : ولا تختلفوا فتختلف
قلوبكم . اهـ .
6=
الجمع بين أحاديث النهي عن تشبيك الأصابع وبين حديث الباب ، وفيه : " وَشَبَّكَ
بَيْنَ أَصَابِعِهِ ".
أن النهي لمن كان عامدا إلى الصلاة أو كان في صلاة ، وفعله عليه الصلاة والسلام
بعد انتهاء الصلاة .
فيُحمل النهي على ما قبل الصلاة وفي الصلاة وفي انتظار الصلاة .
ويُحمل فعله عليه الصلاة والسلام على جواز ذلك بعد انقضاء الصلاة ، ولم يكن
المسلم في انتظار صلاة .
7=
قوله : " وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ " .
قال الجوهري : سرعان الناس - بالتحريك - أوائلهم ، ويُقال : أخفّاؤهم
والمستعجلون منهم . نقله العيني .
وقال ابن الأثير : السَّرَعان - بفتح السين والراء - أوائل الناس الذين
يتسارعون إلى الشيء ويُقبِلون عليه بسرعة ، ويجوز تسكين الراء . ( السَّرْعان )
.
وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء ( السُّرْعان ) .
8=
قوله : " وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " يدل على فضلهما ، إذ هما من
كبار أصحابه ، بل هما أجل الصحابة
9=
إن قيل : قد كلّمه ذو اليدين ، وهاب أن يُكلِّمه أبو بكر وعُمر . فهل هذا
نُقصان فضل ؟
فقد قال ابن حجر : والمعنى : أنهما غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض
عليه ، وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلّم العِلم . اهـ .
10=
وفيه أن للمفضول أن يتكلّم بحضرة الفاضل ، ويكون ذلك بحسب المقام وبأدب يليق به
.
11=
فيه جواز ذِكر الشخص بما فيه للتعريف لا على سبيل العيب والتنابز .
12=
قوله عليه الصلاة والسلام : " لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ " هو على غلبة ظنه
صلى الله عليه وسلم ، ويدل عليه ما يأتي .
13=
قوله : " فَقَالَ : أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ " أراد التأكّد من القوم .
14=
وفيه مسألة اصطلاحية يتشبّث بها من يردّ حديث الآحاد ( وردّ حديث الآحاد بدعة
من أقوال الخلف )
وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَقبَل قول ذي اليدين لأنه واحد .
والجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قبِلَ قول الواحد في غير مسألة ، وأرسل
الواحد في دعوة القوم ، أما هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده غلبة ظن
يَقرُب من اليقين ، فيحتاج إلى إزالته إلى شاهد وسؤال .
وهذا بخلاف الأصل .
وهذا لم ينتبه إليه من يستدل بها الحديث على رد حديث الواحد .
15=
فيه أن الفصل القصير والكلام القصير لا يُبطِل الصلاة إذا كان عن سهو .
فإنه عليه الصلاة والسلام قام من مكانه ، واستقبل القوم ، وكلّموه وكلّمهم ، ثم
تقدّم فصلى .
16=
قوله : " فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ . ثُمَّ سَلَّمَ , ثُمَّ كَبَّرَ
وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ . ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ ,
ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ . ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ وَكَبَّرَ " .
هذا يدل على ان الزيادة في الصلاة الأولى والأفضل في سجود السهو أن يكون بعد
السلام ، وذلك حتى لا يَجمَع المصلي بين زيادتين : زيادة السلام قبل التمام ،
وزيادة سجود السهو .
بخلاف النقص ، وسيأتي ما يتعلق به في الحديث الذي يليه .
17=
قوله : " فربما سألوه "
قال ابن حجر :
قوله : " فربما سألوه ثم سلم " أي ربما سألوا ابن سيرين : هل في الحديث " ثم
سَلَّم " فيقول : نَبِّئتُ .. الخ ، وهذا يدل على أنه لم يسمع ذلك من عمران ،
وقد بيّن أشعث في روايته عن ابن سيرين الواسطة بينه وبين عمران ، فقال : قال
ابن سيرين : حدثني خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمه أبي المهلب عن عمران بن
حصين . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي .
18=
فيه دليل على أن السلام من الصلاة يَقع مباشرة بعد السجود ، أي أنه لا يتشهّد
بعد سجود السهو .
19=
هل يَجوز السهو على الأنبياء ؟
الجواب : نعم
وهو لا يُخالِف العصمة في التبليغ ، إذ هو من تمام التبليغ ، لقوله صلى الله
عليه وسلم : إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني . رواه
البخاري ومسلم .
وهذا قاله في شأن الصلاة والسهو فيها .
والله تعالى أعلم .