|
ح 107
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما : كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاةَ
بـِ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
وَفِي رِوَايَةٍ : صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ , فَلَمْ
أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
وَلِمُسْلِمٍ : صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بـِ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ ) , لا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي
أَوَّلِ قِرَاءَةٍ ، وَلا فِي آخِرِهَا .
في الحديث مسائل :
1=
هذا الحديث في أول : بابُ تركِ الجَهرِ بـ ( بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ )
وهو يَدل على ترك الجهر بـ (بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ) لا على ترك
قراءتها ، وعليه يُحمل انكار عبد الله بن مغفّل على ابنه .
روى الترمذي – وحسّنه – عن ابن عبد الله بن مغفّل قال : سمعني أبي وأنا في
الصلاة أقول بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال لي : أي بُني مُحْدَث ، إياك والحدث
. قال : ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه
الحدث في الإسلام - يعني منه . قال : وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع
أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها ، فلا تقلها إذا أنت صليت
فقل : الحمد لله رب العالمين .
وفي إسناد الترمذي مقال .
2=
سبقت الإشارة في شرح الحديث الـ 87 إلى أن البسملة آية من الفاتحة .
روى البخاري من طريق قتادة قال : سُئِل أنس : كيف كانت قراءة النبي صلى الله
عليه وسلم ؟ فقال : كانت مدّاً ، ثم قرأ : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ) يَمُدّ بِـ (بسم الله) ، ويَمُدّ بـ(الرحمن) ، ويَمُدّ بـ (الرحيم
) .
وهذا في إثبات أن البسملة آية من الفاتحة ، وليس في الحديث التصريح بأن هذا كان
في الصلاة .
وروى الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا : إذا قرأتم الحمد لله
فاقرؤوا (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) إنها أم القرآن ، وأم الكتاب
، والسبع المثاني ، و (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) إحداها . وصححه
الألباني في الصحيحة .
وروى النسائي من طريق نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة ، فقرأ : (بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ : (غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فقال : آمين ، فقال الناس : آمين .
3=
اختُلِف على أنس رضي الله عنه رواية ودراية ، فجاءت روايات فُهِم منها عدم
قراءة البسملة لا سِرّاً ولا جهراً .
وقابلتها روايات فيها قراءة البسملة سِـراً .
إضافة إلى ما تقدّم فقد روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يُسِرّ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم ) في الصلاة وأبو بكر وعمر .
قال أبو بكر [ يعني ابن خزيمة ] : هذا الخبر يُصرح بخلاف ما توهّم من لم يتبحر
العلم ، وادّعى أن أنس بن مالك أراد بقوله : كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر وعمر يستفتحون القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين ) ، وبقوله : لم أسمع
أحدا منهم يقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) إنهم لم يكونوا يقرؤون ( بسم الله
الرحمن الرحيم ) جهرا ولا خفيا ، وهذا الخبر يُصرّح أنه أراد أنهم كانوا
يُسِرّون به ولا يجهرون به عند أنس .
4=
وجاءت روايات أخرى فيها التصريح بقراءة (بسم الله الرحمن الرحيم ) جهراً .
فقد روى الدارقطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ وهو
يؤم الناس افتتح الصلاة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم ) قال أبو هريرة : هي آية
من كتاب الله ، اقرءوا إن شئتم فاتحة الكتاب ، فإنها الآية السابعة .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار : وذكرنا عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة أنهم
كانوا يَقرؤون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في افتتاح الصلاة بـ ( الحمد لله رب
العالمين ) من طرق ثابتة مذكورة في " التمهيد " وفي كتاب " الإنصاف " . اهـ .
يعني بالإنصاف كتابه المسمى " الإنصاف فيما بين المختلفين في بسم الله الرحمن
الرحيم من الخلاف " .
5=
الجمع بين هذه الأحاديث المتقدِّمة :
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : وتُحمَل رواية الجهر بالبسملة على أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يجهر بها في بعض الأحيان ليُعلم من وراءه أنه يقرؤها ،
وبهذا تجتمع الأحاديث . اهـ .
6=
إشكال :
أنس رضي الله عنه لازَم النبي صلى الله عليه وسلم ولازَم الخلفاء ، فهل يخفى
عليه أنه عليه الصلاة والسلام جَهَر بالبسملة كما جاءت بذلك الروايات الأخرى عن
غيره ؟
الجواب :
لا يَخفى عليه مع ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : " فَلَمْ
أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "
محمول على قوله : " كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاةَ بـِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ " .
أي أن هذا هو الأغلب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن فعل الخلفاء بعده .
7 =
لو أمّ الناس من يَجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) فهل يُنكَر عليه ؟
الجواب : لا يُنكَر عليه ، لأن المسالة خلافية ، والخلاف فيها سائغ .
وإنما يُبيّن له وجه الصواب ، وما تدل عليه هذه الأحاديث .
وَسُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية : عَنْ رَجُلٍ يَؤُمُّ النَّاسَ وَبَعْدَ
تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ يَجْهَرُ بِالتَّعَوُّذِ ثُمَّ يُسَمِّي وَيَقْرَأُ
وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلاةٍ ؟
فأجاب رحمه الله :
إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا لِلتَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ
، كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَجْهَرُ بِدُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ
مُدَّةً ، وَكَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرَانِ
بِالاسْتِعَاذَةِ أَحْيَانًا . وَأَمَّا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْجَهْرِ
بِذَلِكَ فَبِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا
يَجْهَرُونَ بِذَلِكَ دَائِمًا ، بَلْ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَهَرَ بِالاسْتِعَاذَةِ . اهـ .
والله تعالى أعلم .